Sunday  09/01/2011/2011 Issue 13982

الأحد 05 صفر 1432  العدد  13982

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

أيها الشاب احفظ الله يحفظك
د. عبدالملك بن يوسف المطلق

رجوع

 

نحن جميعا نسير في هذه الحياة ونرى من حولنا الحوادث المفجعة والمروعة بكل أشكالها وألوانها ونعزو ذلك دائما إلى الأسباب الظاهرة متناسين الأسباب الحقيقية الأخرى فلا نغير من حالنا ولا من أنفسنا، فلو أخذنا مثلاً حوادث السير فنلحظ أن السبب في هذا الحادث وما حصل بسببه من جروح ووفيات هو السرعة مثلاً أو التجاوز الخاطئ أو ما شابه ذلك من الحوادث الأخرى المتنوعة، كالحرائق والهدم في البيوت أو المرض في الأجساد أو الضيق والاكتئاب في الأرواح ونحو ذلك، فنحن في الغالب نركز على الأسباب التي تظهر لنا غالباً ونغفل أو نتغافل عن الأسباب التي بيّنها ربنا سبحانه في كتابه العزيز وبيّنها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، فالمنهج المتكامل في ذلك أن نرتبط بالله أمراً ونهياً ثم نبتعد عن الأسباب الأخرى فينبغي أن نحفظ الله في أوامره وأن نؤديها على الوجه الأكمل قدر المستطاع وأن نبتعد عن النواهي بالكلية فهذا ابن عباس رضي الله عنه يحدثنا فيقول: «كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: (يا غلام، إني أُعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)». لاحظ معي أيها الأخ المبارك: أن الأمر هنا موجّه للغلام الصغير ويفهم منه بلا شك أن الرجل الكبير من باب أولى بل وتكون الحجة عليه ظاهرة لسعة إدراكه ومعرفته الكاملة لأمر الله ونهيه فقوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) نجد أنها وصية جامعة ترشد المؤمن بأن يراعي حقوق الله تعالى، ويلتزم بأوامره، ويقف عند حدوده وتتمة الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). رواه الترمذي وقال: «حديث حسن صحيح».

وفي رواية الإمام أحمد: (احفظ الله تجده أَمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك، وما أَصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أَن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسرا).

فهذا الحفظ الذي وعد الله به من اتقاه يقع على نوعين:

الأول: حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه، فيحفظه في بدنه وماله وأهله، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته، كما قال تعالى: ?لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ? أي: بأمره، وهو عين ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء: (اللهم إني أسألك العفو والعافية، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه أبو داوود وابن ماجة، وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع، وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته، كما قال سعيد بن المسيب لولده: «لأزيدن في صلاتي - أي الصلاة المسنونة النوافل - قال لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك»، وتلا قوله تعالى: ?وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً?.

الثاني: حفظ الله للعبد في دينه، فيحميه من مضلات الفتن والشهوات وأمواج الشبهات التي هي أشد من الشهوات لجهله أنه يعبد الله على حق وهو على ضلال نسأل الله السلامة، وتستمر هذه الحماية للعبد حتى يلقى ربّه مؤمناً موحداً. ولكي تتحقق هذه الحماية وهذه الرعاية لا بد أن يقبل المسلم إقبالا حقيقياً على الدين، واجتهاداً في التقرب إلى الله عز وجل، ودوام الاتصال به في الخلوات، وهذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرِفك في الشدة)، فمن اتقى ربه حال الرخاء وقاه الله حال الشدّة والبلاء.

قال تعالى: ?يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ?.

أيها القراء الأفاضل: إني لأعجب كما تعجبون من الذين تعبوا وكدوا وأنهكوا أنفسهم في طلب الدنيا متواكلين على الأسباب وحدها دون النظر إلى هذا الحديث الذي يعطي من يتدبره كماً هائلاً من الفضائل العظيمة ومن ذلك القوة الإيمانية والقوة النفسية مع الحمد والشكر عند حصول الخير وتمام السعادة وفي نفس الوقت التعزية والسلوان عند وقوع المصائب مع انشراح الصدر لأقدار الله عموماً لأنها ماضية في خيرها وشرها فالمؤمن لا يسأل إلا الله ولا يستعين إلا بالله في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده سبحانه فيجعل الأسباب مطية لقدر الله وأمره فلا يركن إليها أبداً وهنا تتحقق عقيدة التوحيد الصافية وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن تحقيق شهادة التوحيد لا إله إلا الله، يقتضي ألا يحب إلا لِلّه، ولا يبغض إلا لِلّه، ولا يوالي إلا لِلّه، ولا يعادي إلا لِلّه، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله «فقد اصطفى الله تعالى هذه الأمة من بين سائر الأمم، ليكتب لها التمكين في الأرض، وهذا المستوى الرفيع لا يتحقق إلا بوجود التربية الإيمانية الجادة حتى تواجه الصعوبات التي قد تعتريها، في سبيل نشر هذا الدين، وإقامة شرع الله في الأرض. أيها الشاب الكريم: أين حفظك لله حتى يحفظك في نفسك وفي صحتك ومالك وأين حفظك لله حتى يحفظك في معاشك ومستقبل حياتك فييسر لك الخير والرزق الحسن وأين حفظك لله حتى ييسر لك الزواج والعفاف والأولاد وأين حفظك لله حتى ييسر لك سعادة الحياة وانشراح الصدر والطمأنينة التي يفتقدها كثير من الشباب اليوم.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة