Monday  10/01/2011/2011 Issue 13983

الأثنين 06 صفر 1432  العدد  13983

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

يبدو أن أدواء الاستعمار و الاستشراق لم يتخلص من آثارها الفرد العربي إلى الآن..، فمن قبل انعكست هذه الأدواء في آثارها الجلية، التي ظهرت عند العرب والمسلمين، في شعورهم بالنقص، والتخلف، والتراجع أمام موجات التقدم، والإنجاز، التي عمت ما حولهم، وقد كان للاستعمار القوي، وهيمنة سلطاته العديدة على حياة الشعوب المستعمرة في الشرق العربي، بما في ذلك الشارع العربي، فاللسان العربي، ما عزز ضعضعة نفوس أبناء العربية، فاندحرت ثقتهم في نفوسهم، وكل الظروف ساعدت أولئك المستعمرين من ذلك، كما ساعدت أولئك المستشرقين وهم يؤثرون بمصنفاتهم، وطروحهم الفكرية، وقراءاتهم المختلفة، لأن تتناقص قيم مهمة في نفوس العرب، وجلهم من المسلمين، فذهبوا يتباهون، أول ما تباهوا بتقليد المستعمر القوي في الحياة العامة لهم، والأخذ منهم بكل شيء، ولم يتوقف الأمر على الأخذ النافع، ولا التقليد الصالح، بل اختلط الحابل بالنابل، وأصبح الأجنبي عقدة ونموذجا في آن...، عقدة تنبه لها أذكياء القارئين للمستقبل، من خلال ذلك الواقع، فذهبوا يحذرون من الغزو بكل أشكاله، وتمادى الغزو، وانتشر وتسلل بوسائله، بما فيها العربي يؤثر في أخيه عن طرق التعليم، ونقل المناهج، والسفر للعمل وتبادل الكتب، حتى بات العربي يخجل من عاداته الجميلة، ونمط حياته، وفضيلته، وانتهك في كثير من المجتمعات العربية الحد الفاصل بين مفهوم وتطبيق الانتماءات للأمة، ومن ثم لسانها، وللأمة ومن ثم الدين الذي يهيمن على الشرائح الكبرى في مجتمعاتها، فرأينا المسلم ضعيفا في أمته، ورأينا اللسان العربي يندحر في مجتمعه، وانتشرت حينذاك مدارس اللغات، بل ذهب كبار الأقوام يودعون أبناءهم في مدارس الرهبان والراهبات، في مدن عرف عنها التقدم الثقافي، والتعليمي، والمعرفي، في مرحلة حديثة من تاريخ العرب المسلمين، وفيها تمازجت الأديان، ولم يتذكر أحد تلك الرسالة التي انتشر معها الدين الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، إذ قبل المسلم أن يتوقف هذا الدور عند أولئك السابقين،.. فمع انتشار القوى المؤثرة استعمارا شاملا، ضاعت هويات مثلى، ماكان لها أن تضيع..

مثل هذا الذي أذكر ليس خفيا على قراء نابهين مدركين الذي عبر ومر، وغسل الناس أفواههم بعد أن غادروا أطباقه، تلك التي تسلل غذاؤها في جوف كل ذي روح...بالتأكيد الجميع شاهد الأفلام العربية التي لا تحصى، ورجل الدين فيها، ومعلم العربية على هيئة مقززة، تظهر من السذاجة، والبلاهة، والمظهر الرث، وتأبط الأوراق، وعوج اللسان باللغة العربية في لحن صوت، يميل بالمشاهد للغرق في الضحك، والأسى معا، ولم يدرك يومها أحد أن هذا يجب أن يمنع، وإن أدرك فقد تساهل وتراخى،.. فالمسلم أكثر الناس نظافة وترتيب هندام، ووعيا بالموقف، وأدبا في التعامل،.... ولقد كان هذا التأثير الاسفين الذي ُزج في عصب الإحساس لدى العربي المسلم بالتخلف، فتلك النفوس للذين تأثروا بسلطة المستعمر والمستشرق، ومنذها تحللت الرغبة في الانكفاء على الذات، للخروج بها قوية قادرة، ذات دعامات، مكَّنها منها ربُّها العظيم حين قال لها: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)..

ما ذكرنني بكل هذا، تلك اللوحة الكبيرة التي تحرك ضمن إطارها بوعي شديد، الفكر الأجنبي، ليطمس كل قيمة لهؤلاء أبناء خير أمة في أنفسهم...

بتنا اليوم مع كل إيماني بالتطور، والتعلم، وكسب الخبرات، والانفتاح على العالم بوعي، والتقارب مع منجزاته العظمى، والاستفادة منها، كما هو القائم في تفاصيل حياتنا اليومية،الخاصة والعامة، وفي مجالات أعمالنا، بما في ذلك من ضرورة التفاعل مع حركية التقدم، وأولوية التحديث،.. إلا أن الغصة تتفاغم،...

في أقرب ممارسات، وصل الأمر بين المفكرين، والأدباء، والكتاب، وأصحاب الرأي، بل ناشئة المثقفين في الفضائيات والصحف أن تظللوا بخيمة الأجنبي،.. فذهبوا حتى في الإسناد حين ذكرهم الأمثال، أو تعبيرهم عن الرأي، أن يصدروه بعبارة، أو مقولة لأجنبي سواء في الجلسات الخاصة، أو المقابلات الفضائية، أو الكتابات المختصة، ولا يقتصر الأمر عند التوثيق البحثي، إذ في ذلك يتطلب البحث، الشمول في المراجع، والتضمين تأصيلا ومرجعية لأي ممن له باع، في موضوع البحث ،عربيا أو أجنبيا، مهما اختلفت هويته، وإن لم يجد غير الأجنبي ذا اختصاص، فعليه أن يأخذ عنه، ويرجع إليه، لا محاجة عند ذلك في هذا المقام، لكن الأمر توسع، وأصبح لازمة الأفواه، وواجهة للصفات، تجدهم لا يقدمون بين أيدي حديثهم إلا ما قال بوب، ونطق مايكل، ورأت جاكي، في الجلسات العامة، والخاصة، وفي المنابر والإذاعات، و إن سألت بعضهم عمن أخذ ما يقول، يعجز أن يدلي لك بمعلومات عنه، إذ أخذها عبارة في صحيفة، أو موقع إلكتروني، أوسمعها على لسان... وهذا اللسان لواحد ممن توارثوا الفخ..

وهلم جرا،.. في كل مجال حتى الفنون والأزياء والطبخ، والغسل والكي...

كلما أمعنت النظر، والتدقيق في حال الأمة العربية المسلمة، تضحك قليلا وتبكي كثيرا.

الطريف الذي تحققت منه، أن هناك عبارة لي سجلتُها ذات يوم على باب مكتبي في الجامعة، وذيلتها باسم أجنبي، تقصدت إلى أين تذهب.. في هذا المحيط الأكاديمي، الثقافي المعرفي، ما لبثت أن سمعتها على لسان بعضهن،..

غير أن المضحك، هو أنني قبل يومين، وفي إحدى الفضائيات، كانت إحداهن تتحدث فذكرت العبارة ذاتها، بالاسم الذي اخترعته ذاته، فتأكدت مما استقر في نفسي .ووهبت ذلك الاسم الأجنبي عبارتي، مادام تحقق لها الانتشار..!!

كم أتمنى أن يستطاع التخلص من عقد، ترسخت، ولا تزال تنعكس في السلوك...، نشأت عن ذلك الفخ العتيق.

 

لما هو آت
الفخ...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة