Tuesday  11/01/2011/2011 Issue 13984

الثلاثاء 07 صفر 1432  العدد  13984

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

قال أبوعبدالرحمن: من سجيَّة العربي والمسلم خاصةً أنه يرفض التدليس، وذلك هو مُعْطَى العقل الإنساني المشترك، والذي أراه اليوم تدليس جعل واقعنا خنقاً للمرأة، وجعل الصوت الجماهيري انتقاصاً من المرأة عن هُويَّتها.. والواقع عكس ذلك في الأمرين معاً؛ فهناك ما لا يحصيه العدُّ من نساء مثقفات من طالبات إلى مَن حملن الدكتوراه يُعْلِنَّ غبطتهن بالمعارف التي مكَّنَهُنَّ من تحصيلها بذْلُ ولاة الأمر السخي في كل مراحل التعليم، وعامة النساء من مثقفات ومن عاديات.. كلُّهن في منتهى الحزن مما يرينه أو يقرأنه أو يُقْرأ عليهن، وهن يتحسبنَّ، ويقلن: هذه النزوات ليست صوتاً جهورياً ولا جماهيرياً للمرأة السعودية.. ومن ناحية تحصيل المعارف فمن المعلوم أن تعليم المرأة في المملكة تأخر إلى منتصف عهد الملك فيصل رحمه الله تعالى؛ فتم فتح مدارس البنات - على الرغم من المعارضات -.. ومع قِصَرِ تعليم المرأة في بلادنا فقد واكَبْنا مَن سبقنا بالتعليم في تحصيل العلم، وكان المستوعبون لقراءة الكتاب أكثرهم من الجنس اللطيف، وكان شيخنا عبدالله ابن خميس استبطأ تعليم الفتاة فخاطب الملك فهداً رحمه الله تعالى يوم كان وزيراً للمعارف بقوله:

يا وزيرَ العلمِ هل مِن شِرْعَةٍ

تمنع التعليم عن ذات الخِبا

* عَمُرَ بها تاريخنا، وهي الآن تشمل: هيئة الأمر بالمعروف لمراقبة السلوك، والمواصفات والمقاييس لمراقبة المقادير والجَوْدَة والوفاء بالمتَّفَق عليه من المواصفات، ووزارة التجارة في مراقبة الأسعار ولا سيما التجار ذوو الامتياز في سلع معينة، ووزارة الصحة لمراقبة الدواء.

قال أبوعبدالرحمن: أرى الجهازين الأولين والأخير أجهزةً شبه معطلة، فالواقع الملموس الذي لا يستطيع أن يجادل فيه أحد أن مَن دَخْلُه سبعة آلاف شهرياً فقيمتها الشرائية ألف ريال إضافةً إلى ما يعانيه الأفراد من بعض الأخطاء في فواتير الماء والكهرباء، والمنطق (سَدِّد ثم طالب)، فيترك الضعيفُ المطالبةَ؛ لأن ذلك سينهكه أشهراً ولا يعلم النتيجة.. فإن قلت: (لماذا انخفضت القيمة الشرائية؟) فالجواب: أنك في خلال أشهر ترى زيادة الأسعار في تصاعد جنوني؛ فعلى سبيل المثال وصلت قيمة كرتون الطماطم العادي منذ أشهر تسعين ريالاً ثم انخفضت إلى ثلاثين أوعشرين ريالاً لقلة السيولة.. ومثل ذلك حذو القُذَّة بالقُذَّة تجارة ذوي الامتياز كالسيارات والسُّكَّر؛ فأما الأخير فركد عند آخر ارتفاع، وأما الأول فحصل تخفيض في الدفع نقداً، وتسهيلٌ في البيع تقسيطاً؛ وسبب كل ذلك قلة السيولة.. مع أن ذوي الامتياز يُمنحون ربحاً ضعف دخل أهل العقار بعد مراعاة كل ما يخسره التاجر في جلب سلعته.. والربح العقاري إذا وصل 10 % فذلك أعظم الربح في عُرف التُّجار، وذو الامتياز نال هذا الربح مضاعفاً.. ولو فرض أنه استجد أعباء ترهق التاجر ذا الامتياز كغلاء السكن أو أجرة اليد العاملة فلا يحق له رفع السعر بحريته، بل يحدِّد له الزيادة بعد النظر في صحة بواعثها من حدد له الربح.. وليس هذا من تحديد الأسعار المختلف فيه فقهاً؛ فذلك عن زيادات طفيفة، ولكن الحاصل الآن ظلم وإجحاف، والشرع يرفع الظلم ويُزيل الجوائح؛ فأين صوت العلماء والصحفيين في هذا المأزق الذي يزيد نسبة الفقر والفساد الخُلقي مع البطالة وغزونا بالمخدرات؟.. وإنني لأعلم الضغوط الصهيونية على الشعوب المستضعفة من المسلمين منذ أعلن المتنفِّذون أن الحرب إنما هي مع الإسلام بعد سقوط الماركسية، وأعلم أن أعظم عبء من الضغوط تتحمَّله هذه المملكة؛ لأنها دوحةُ العروبة، ومَأمُّ الأشجان العربية والإسلامية، واليد الحانية على الهموم الإنسانية، والشعب الآمن الراغد؛ فكان الضغط من عدد من النوافذ، وليس قَدَرُ الصحفيين والعلماء الاستسلام للضغوط؛ وإنما قدرهم الالتفاف حول قادتهم يبرمجون معهم منطقاً فكرياً رائعاً بلا تدليس عن منطقنا وواقعنا، ويُظهرون الصوت الجماهيري؛ فكل خطاب فكري من هذه الأعباء عون للقيادة والأمة في مواجهة الضغوط بحكمة تهلهل التُّهَم بالباطل، وتعطِّر الواقع الكريم بأريج البرهان، وتظهر الصوت الجماعي الذي يريد الإبقاء على هويته بلا تَزَيُّدٍ عليه؛ وبهذا تكون حرية الجماهير هي لبُّ الديموقراطية التي يُمَوِّهون ببعض عناصرها.. وأَلْفِتُ النظرَ ههنا إلى أن العلمَ المادي الذي غُبِنَّا فيه لا يعدو أمرين: إما اكتشافَ مغيب من موجودات في السماء والأرض رطبها ويابسها، أو اكتشافَ قانون كوني تُعلَّل به بعض الأحداث.. وإما اختراعاً وصنعاً، وكل ذلك يحقِّق المتعة والتسلية، أو ضرورةً وحاجاتٍ وكماليات للأمة، أو القوةَ التي تحميها وتحمي حقَّها عسكرياً.. ولقد حققت أمتنا الإفادة من قدراتها ومن قدرات العالم الأقوى في كل ما يغرقها في المتعة ابتكاراً واجتراراً، وتوريداً وتصديراً، وأسهمت في تحقيق حاجاتها ولم تحقق الاكتفاء الذاتي.. وظلت في دائرة العزل والحجر فيما يحقق لها القوة إلا ما استوردته بنزيفها بشروط مجحفة تُبقي على تجزئتها، وتمنع من التحامها، أو أن تكون مهاجمة إلاَّ لغاية تُراد لها، أو أن تكون مدافعة إلاَّ في حدود وضعية رُسمت لها.. ولو حققنا القوة العلمية ابتكاراً وسبقاً وإنتاجاً لما كان لذلك قدسية فوق قدسية الدين، بل يكون توظيف القوة لما يُمْليه الدين بحكمته وعدله ومرحمته؛ أفيكون العمل الإبداعي أدباً وفناً بعد هذا - وذلك في دائرة الاستراحة والمتعة والترف الفكري إذا فقدت الأمة عزائمها، أو استراحت بها بعد جهاد مثمر - فوقَ قدسيةِ الدين لولا الهزيمة الشنيعة لجمهور الأمة؟!.. أيكون ذلك والأمة تريد إزالة غبن التخلُّف عنها بحماية كيانها الذي هو هُوِيَّتُها في ممتلكاتها من الرقعة والموارد، وفي شرط هُوِيَّتها من الدين واللغة والتاريخ؟.. والعمل الإبداعي قيمته الجمال، والتعبير عن المشاعر المباركة، واستقطاب الناس لها بانفعال جمالي آسر؛ فإن كان ذلك الجمال محضاً مجَّانياً كان كلعبة التنس لا يُقبل في مصادرة زمن مؤقَّت للعزائم، بل يُمارس لِقيمةٍ تربوية يُخضِع بها الممارِسُ محضيةَ الفن لنتيجة تخدم العزائم؛ فيكون الفن محضياً في ممارسته وغائياً في نتيجته، فيكون حينئذ من أجل اكتساب نشاط جسمي أو ذهني يُمارَس به الواجب.. ومن قيم الجمال العظمة والجلال، والذين ينادون بقدسية العمل الإبداعي بالوضعية التي برم بها سواد الأمة ممثلة في تحرك الأزهر: إنما ينادون بضيق العطن الإبداعي؛ وذلك تخلُّفٌ في الموهبة بلا مراء.. وينادون بإسقاط أهم القيم الجمالية من العظمة والجلال، وبعد هذا كله يحررون برغبة سلوكية دلالة التعبير الجمالي من الخضوع لقيمتي الحق والخير، بل يُحررونه مِن الخضوع للقيمة الجمالية بمفهوم العظمة والكمال.. لماذا؟.. لأن العمل الإبداعي الذي شرْطُ وجوده عندهم الكفر بالرب والتجديف أظهر العجزَ عن إبداعٍ جميل مقيِّدٍ بقيود الحرير مِن قيم الحق والخير التي هي كمال العظمة الجمالية؛ فكان الأدب التجديفي الإباحي المتحرِّر من عظمة الجمال دَليلاً على أن الحاوي ضيِّق العطن؛ لأنه لا يملك الانطلاق بتعبير جمالي مهذب، بل وجوده المعتبر مشروط بالتجديف والإباحية.. ومشاعر الأمة وحصيلة براهين عقولها المتضافرة، وتجربتها التاريخية وقت عزها: كل ذلك قائم على اليقين العلمي وتهاوي كل الشبهات على أن الله حق، وكتب الله حق، ورسل الله عليهم السلام حق، ودين الله حق، والجنة حق.. إلخ.. إلخ؛ فالحقائق الكبرى وَعْيٌ ثاقب في ذاكرة التاريخ الإسلامي، والإبداع العاجز عن معايشة هذه الحقائق جمالياً إبداع معتدٍ على حرية المسلمين في أرضهم وسواد جماهيرهم؛ فلا يرتفع مستوى الإبداع الجمالي والإحساسِ به إلا بالإخلاص للثوابت التي هي شرط العظمة الجمالية.. أي أن يكون السُّمُوُّ في حرية الممارسة الإبداعية الفردية بالحقوق الكيانية للأمة، وبثوابت الحق والخير، وبأهم مطالب الجمال من العظمة والجلال.. وقد يكون القبيح جميلاً عند عدونا وعدو ملتنا وكياننا الذي يجعل في التجديف جمالاً بمنطق الكفر، ويجعل في اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه تقوَّل القرآن - وكل برهان واقعي ضدَّ هذا الافتراء - جمالاً بمنطق الملِّيِّين من أهل الكتاب، ويجعل حرص الصحابة رضوان الله عليهم على ميراثهم من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم مثلبةً لهم بمنطق الكره الملي والطائفي والشعوبي والعرقي لتاريخنا؛ فهل يرضى بعد هذا نادي نجيب محفوظ أن تكون هذه الظواهر العدوانية على هوية الأمة غامرة بالحماس العدواني في أرضِ أكثَرِيَّتُها أمة مسلمة، ويليها قوم أهل كتاب يُشاركوننا في بعض الفضائل؟.. هل يرضى أن تُلغى هُوُيَّتهم باستحلاء فنون جمالية تفقد عنصرَي الجلال والعظمة ثم يُسمونها إبداعية؟.. وأما الماركسيون فقد انسلخوا من هوية الأمة إلى ضياع الأممية، وأسقط دولتَهم الذي أقامها، وهم غير مقبول رأيهم في الإبداع لانسلاخهم، ولأن الإبداع الجمالي معدوم أو باهت إلا من كاتب ثائر على الماركسية برمزية ذكية؛ والسبب في ذلك أن جمالهم الأدبي شعارات جافة، وخُطب هادرة.. وكون حكاية الكفر ليس كفراً استدلال في غير محله؛ لأن العمل الإبداعي يفتعل الحكاية، ولا غضاضة في ذلك إذا تجاوزها الحاكي بوجلٍ فني، وأزهقها ببراعة جمالية خشوعه؛ فليراجع المغرورون بصيحات المرجفين الأعمال التي أرجفوا حولها: هل الحبكة والعقدة في أمثال وليمة لأعشاب البحر على هذا المستوى الفني الجمالي الغيور؟!.. وأما أن التكفير ليس من حق بشر فصحيح، وكذلك رفع الكفر ليس من حق بشر.. إن ذلك حق الله في شرعه، فالحكم بكفر فعلٍ أو قول أو معتقد حق جميع سواد الأمة بالإحالة إلى شرع الله.. والحكم بكفر الممارِس حقُّ مَن لهم حق - بكل قانون - يقوم واجب تنفيذه على النظر في الجرائم والمجرمين.. إن الحيلولة دون السلطة القضائية في إدانة المتهم بالطرق الإثباتية أو تبرئته، وتبصيره بلازم ممارسته ليلتزمه أو أن يتراجع عما يفضي به إليه التزامه.. إن ذلك اعتداءٌ صارخ على حرية التقاضي التي يحتاجون هم إليها في مآربهم؛ لأن حرية إجراء التقاضي حقٌّ شرعي أو قانوني عندهم.. وتبرئة المتهم من أجل توبته أو جهله لا يعني السكوت عن الممارسة نفسها والحكم فيها بالكفر أو الفسق أو الردة؛ فالحكم بكفر الممارسة شيئ، والحكم بكفر الممارِس شيئ آخر.. ثم ما وجه الارتباط بين اتهام شيخ الأزهر بأنه موظف حكومي لصدِّ تيار الإسلام السياسي وبين واجبه في الرقابة؟!.. إن العلاقة ضدية؛ لأن ما قام به شيخ الأزهر هو الذي يريده ما يسمونه تعميماً مجحفاً الإسلام السياسي لا ما يريده المرجع الحكومي المحرَج - بصيغة اسم المفعول؛ وذلك بمنطق اتهامهم هم أنفسهم للحكومة الخانقة من ذلك الإسلام -.. بل هو إرادة سواد الأمة المسلمة.

ومن التحدي لجلال المنطق قول الدكتور زقزوق: «يُحمل على الإيمان إذا وجد منه 1%»؛ فهذا عكس للحقائق؛ لأن الإيمان باتفاق أهل الألسن ما كان عقيدةً خالصاً من الشك، وما كان تعبيراً خالياً من التجديف، وأما الكفر فيتحقق مفهومه بوجود التعبير عنه مهما أحاط به من كلمات إيمان نُثرت تضليلاً، وأما ديوان أبي نواس- وهو أزمة هذه اللحظة - فقد أعلن الأستاذ محمد غنيم رئيس هيئة قصور الثقافة بوزارة الثقافة المصرية أكاذيب جمال الغيطاني في دعواه إحراق الوزارة لديوان أبي نواس(1)، وأن التراث أصبح في ذمة التاريخ.. يعني أنه يبقى بمطلبٍ تاريخي ضروريَّاً ينبغي البحث عنه بعد أن حُجب عن الجماهير.. وحقيقة الأمر أن المعارضة إنما كانت لنشر ثلاث روايات ضمن سلسلة أصوات أدبية تسيئ إلى الدين والأخلاق بقبحها الفني، ولفْتُ النظر جاء من الدكتور محمد جمال حشمت نائب الإخوان المسلمين في البرلمان (2).. إلا أن القناعة اليقينية حصلت عند مسؤولي وزارة الثقافة بعد المراجعة.. ووزارة الثقافة جهة تمويل؛ لهذا كان مطلب الدكتور محمد جمال لجهة رسمية مطلباً وجيهاً: بأن لا تنفق المال من أجل الفحش على المواطنين.. واعترفت الوزارة بالواقع مشكورة بأن إنفاق المال في خدمة النشر من أجل تثقيف المواطنين، وليس لترويج ما يُسيئُ إلى الدين والأخلاق؛ إذن الدولة لم تحرق ديوان أبي نواس، ولا يلزمها أن تُمَوِّل طباعته، وتاريخنا المبارك لم يصادر الديوان ولم يَقُمْ بعبء نشره وتعميمه.. وكان صوت الماركسيين وإخوانهم هو الصوت نفسه؛ فأعلنوا أنهم سيقطعون صلتهم بمعرض الكتاب الذي سيبدأ في 24 يناير الجاري، وحصروا حجتهم في تعيين محمد غنيم خلفاً لعلي أبوشادي؛ لأنه أدَّى أمانته في إيقاف التمويل للقبح الفني(3)، وكانت هذه الزوبعة مادة خصبة للتكهنات عن تغيير وزاري مرتقب في مصر.. قال نبيل أو ستيت في جريدة الشرق الأوسط العدد 8089 في 20 /1 /2001م ص6: « ثم قفز اسم فاروق حسني وزير الثقافة لصدارة قوائم التغييرات بعد أزمة مصادرة الروايات الثلاث وما ترتب عليها من الإطاحة بعدد من المسؤولين في وزارة الثقافة؛ فقد ذهب عدد من معارضي فاروق حسني إلى أنه قرر التضحية بهؤلاء المسؤولين عن المقالين حفاظاً على مقعده الوزاري، كما فسروا أيضاً موافقة الوزير على إيفاد الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة إلى الولايات المتحدة في مهمة تستمر ثلاثة أشهر باعتزامه تفريغ الساحة الثقافية من كل الأسماء التي قد تطرح بديلاً له».

* بعضهم كانوا أعلنوا استقالتهم من مناصبهم في إطار الحملة على الوزير.. ولم يغب عن الاجتماع سوى رئيس تحرير سلسلة «الذخائر» الأديب جمال الغيطاني، ورئيس تحرير سلسلة «آفاق الكتابة» الأديب إبراهيم أصيلان الذي أرسل أمس استقالة مكتوبة بعدما تردد أثناء الاجتماع أنه اعتذر لظروف خاصة عن عدم الحضور.. وعلمت الحياة من مصادر حضرت الاجتماع أنه تم مناقشة اقتراحات بأسماء مرشحين لتولي رئاسة تحرير الإصدارات التي استقال المسؤولون فيها وتوسيع عضوية لجنة النشر التي ستتولى مراجعة عناوين الكتب وموضوعاتها قبل إحالتها إلى المطابع، وكشفت المصادر أنه تم الاتفاق على مراجعة 15 عملاً أدبياً مرة أخرى بعدما كانت صدرت موافقات بطبعها للتأكد من خلوها من أي عبارات قد تُفسَّر على أنها خروج عن الآداب العامة، وأنه سيتم حذف بعض العبارات من كتب أخرى تفادياً لأزمة جديدة قد تتفجر بسبب بعض ما جاء فيها من عبارات.. وأما مسألة محاكم التفتيش فتهويل ممجوج؛ لأن هذه الظاهرة إنتاج دولة كافرة غازية أرادت طمس هوية المسلم في أرضه، وسرقة دينه بأساليب من التعذيب والقمع والتصفية والتدجين، وكل ذلك لا يُقِرُّه أي دين أو فلسفة؛ لإيغاله في الهمجية وبعده عن المرحمة، وما جرى في أرض الكنانة إنما هو لإحقاق الدين وتثبيت الهوية، ولم يُضرب لأحدٍ ظهر، ولم يوقع بأحد إضرار بحبس أو إيذاء في النفس بالنسبة للروايات الثلاث.. على أن بعض المواقف كانت رخوة كموقف الأزهر من كتاب عبد الصبور شاهين، ولا لوم عليهم في هذه المرحلة لتكالب أعداء الأمة في الخارج ومن فلذات أكبادها في الداخل، وإنما نحن في بداية مسيرة خيِّرة مباركة.. إن تحرك الأزهر ووزارة الثقافة والمؤسسات الدينية بأرض الكنانة لحماية حقوق الأمة صحوة إسلامية بلا ريب؛ لأنها جاءت بعد التخاذل المزري فيما بين 52 و1996م حتى أصبح الطارئ المؤذي المعادي للأمة هو الواقع الذي أثار استغراب أعداء الأمة، ورأوا أن دعوات الإصلاح هي الموقف الرجعي الطارئ.. وهذه الصحوة تُعَدُّ في بلادنا السعودية وجوداً تاريخياً، وحماساً شبابياً يشدُّ عزيمة المؤسسات الحكومية التي لم تستبح إثماً يكون على المدى واقعاً مألوفاً.. وتأتي المجادلة أحياناً عن مشروعية الاعتداء على حرية الجماعة والثوابت، وعن تدليل حرية الأفراد - وبينهم المضلِّل بصيغتي اسم الفاعل واسم المفعول، والإمَّعة، والفضولي، والهامشي - بأسلوب الإنشاء العائم المبالَغ في مجازاته.. الأسلوب الذي يغرف زبداً ويجرفُ التيارُ عما تحته، وإذا حققتَ مدلوله وجدت كاتبه لا يعني ما يقول، أو لا يفقهه ولا يدريه.. ومن هذا النموذج الأستاذة الفاضلة السَّرِيَّة (من السروات أهل الرفعة) سعاد الصباح في كلام لها عن أحزان الكتاب العربي؛ فقد طرحت تساؤلاتها بمبالغات غريبة كل الغرابة عن الواقع.. قالت: «الكتاب العربي إلى أين؟.. ما موقعه على خريطة العالم العربي، وما حاضره، وما مستقبله؟.. أسئلة تحفر في رأسي في الليل والنهار!!.. أما حاضر الكتاب العربي فلا يدعو إلى البهجة أبداً؛ لأن الكتاب يعيش في حال حصار دائم، ويُعامل كما يعامل السجناء والمعتقلون السياسيون.. أما(4) مستقبله فلا أحد يستطيع أن يتنبأ به إذا بقيت الحال كما هي؛ لأن جميع الدلائل تشير إلى أن شمس الكتاب العربي آخذة في الأُفول، وأنه في سبيله إلى الانقراض كما تنقرض أية *الصواب: أيُّ* شجرة لا تستطيع الحصول على غذائها الأرضي والهواء الضروري لتنفسها «(5).

قال أبو عبدالرحمن: ما بلغ الكتاب في الشيوع والطيران في الآفاق على مدى التاريخ ما بَلَغه اليوم؛ بسبب وسائل التشجيع على التأليف.. وهي وسائل حضارية كثيرة في سهولة المداد والورق والطباعة والتصوير - استعمالاً، واستملاكاً -، وكثرة الخزانات للتراث، وكثرة المترجمين والمتمكنين في لغات عالمية.. على أن هذا الطفح العظيم من الكتاب العربي في أغلبه لا يتصف بجديَّة السلف في المثابرة على الرغم من صعوبة الوسائل، بل أكثره كلام جرائد، وتأملات، وسخاء إنشائي، وسطو على تراث عربي قديم أو تراث أجنبي قديم أو حديث.. وأما القُرَّاءُ قراءةً حرة غير مقيدة بمنهجية الدراسة الطلابية المرحلية الإجبارية فهم على كثرتهم من الجنسين لم يصلوا إلى مستوى القراءة الجادة لدى الأسلاف في بيوتهم ومساجدهم وما يقرؤونه أو يُقرأ عليهم أو يُملونه.. مع أننا في عصر محو الأمية!!.. وإن كانت المسألة مسألة مقارنة راهنة بين العالَمين العربي والأجنبي فلا تعدو المقارنة أحد أمرين:

أولهما: عن المفاضلة بين قيمة الكتاب العربي والأجنبي.

وثانيهما: عن المفاضلة بين الذيوع والانتشار لدى الطرفين مع المفاضلة بين جمهور الطرفين من ناحية القراءة.

قال أبوعبدالرحمن: أما الأمر الأول فلا نُكلِّف الأستاذة الفاضلة بمعاناة استقراء وإحصاء رياضي للمقارنة؛ بل يكفي أن النخب في العالم العربي دارسون للنخب في العالم الأجنبي، وقلَّما اهتم العالم الأجنبي بدراسة النخب العربية، بل عنايتهم بدراسة تاريخنا وأسلافنا.. ولا أستثني من ذلك إلا التدبير الأجنبي الخفي - سواء أكان تبشيراً، أم تضليلاً صهيونياً -، وهذا التدبير من أجل معرفة مسير الفكر عندنا بغير دافع من الإعجاب؛ وإنما ذلك بدافع سياسي يريد إصابة الأمة بالخبال في فكرها، ومِن أجل تلميع أقزام راثوا على مبادئ أمتهم من أمثال من هم في حضانة التثقيف الفرنسي من أهل الجنوب!!.. أو من أجل رصد ظواهر في عالمنا العربي لدى المثقفين المبعثرين بين السلفية والانسلاخ، والغرض بعد هذا إعادة تدبير المواجهة الأجنبية (ذات الحصار الشرس) لأي وعي عربي يأبى التخثُّر التاريخي أو أن يُمزج مستقبله بالريح، ولا يكاد يوجد ذلك إلا في دوائر محدَّدة لهذا الغرض بمعنى التبشير والاستشراق والتضليل وإن اختلفت الأسماء والتعليلات.. إن عشرات من نُخَبِنا يدرسون مثلاً سارتر، ولا أحد منهم - أي الأجانب - يدرس مثل عبدالرحمن بدوي.. وعشرات من نخبنا يدرسون شكسبير إلى بلزاك.. إلى تولستوي.. إلى آخر ذي إمامة في الرواية والشعر مثلاً، وقلما درس أولئك الأجانب نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو إبراهيم ناجي أو شوقي إلا في دائرة التأريخ لآداب الأمم.. إن نخبنا تدرس نخبهم على أساس الإعجاب بالعبقرية، والتتلمذ المخزي كما في تتلمذ مترجم رسالة اسْبينوزا (والأخير صهيوني يمضغ التضليل والإلحاد باستخفاف يحتقر عقولهم)، ونخبنا لا يجرؤون على المحاكمة للنخب الأجنبية الإلحادية بواحد في المئة من جرأتهم على نقد زهد الإمام أحمد ابن حنبل، ووسطية الشافعي بين التقليد والآراء، ونفوذ الإمام ابن جرير من أغوار الروايات المتراكمة.. إلخ.. إلخ، وإن حاكموا فبأسلوب التمعلم، أو التتلمذ لأغلف آخر!!.. إن نخب الخواجات فلاسفة، ونخبنا دارسو ما استجد من فلسفةٍ دراسةَ التلميذ الأمين الذي يُحصِّل بتتلمذه جديداً وريادة!!.. ونخب الخواجات منظِّرون أدبياً وجمالياً، ونخبنا دارسو نظريات أدبية.. إلخ.. إلخ.. ونخب الخواجات ينعمون (!!!) بحريات مطلقة من جهة الدين عند بني جلدتهم (وبئس ما نَعِموا به)، ويتمتعون بهذا الظلم لغير أبناء جنسهم على الرغم من الحريات الأربع التي أعلنها روزفلت وبقية الحلفاء وتتضمن حرية الأديان (ومن حريتها حمايتها من التهجم)، ولا يكاد الغرب يستعمل هذا الحق إلا في مآرب سياسية محددة.. وللنخب الغربية حريات واسعة في القول والنشر ولكن في حدود الإرادة الصهيونية التي تُسَيِّس العالم، ونحن نرى قادة روسيا يعتذرون للوبي الصهيوني وللصهيونية بعد ساعات من نقدهم للظلم الصهيوني في روسيا، ونرى زعيم فرنسا شيراك يستقبل السفاح شارون استقبال العبد الذليل، وينزل ليفتح له باب السيارة في ظرف بات فيه الشارع في بلدان العالم يُحسُّ بمأساة فلسطين.. وتلك هي نخب النظريات والآداب والجماليات واللغويات وميتافيزيقا التاريخ والمضغ الفلسفي، وتلك الحريات هي حريات هذه المواد التي يضجُّ منها المفكرون والمصلحون ومعاييرُ القيم.. أما نخب العلم اكتشافاً واختراعاً فتعمل بتخصُّصٍ صامت، وليس ذلك العلم حظاً مشاعاً يتمتع بحرية العرض والطلب، بل حرية العالم الثالث في هذا المطلب كحريته في صنع قراره السياسي والاقتصادي والثقافي، وكحريته في امتلاك السلاح؛ إذ هو تملُّكٌ مُحدَّد بغايات هجومية أو دفاعية!!.

قال أبوعبدالرحمن: وخلاصة القول: أن كِتابنا العربي حزين بمقاييس تلك المنطلقات التي تريد من أمتنا أن تكون غير مسؤولة عن مقومات كيانها؛ ذلك أن نخبنا (!!!) لم تصل إلى الحرية الدينية المطلقة التي ينعم بها الغرب (!!!) إلحاداً وإباحية وإلغاءَ حسبةٍ (إلا ما يتعلق ببوليس الآداب لحماية اللاقانون بالقانون!!) منذ أَنِست آذان الجماهير الأوربية لسماع مثل إعلان نيتشة عن موت الإله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً؛ ذلك أن نخبنا تلاميذ صغار لنخب الإباحية والإلحاد؛ لأنهم يدرسوننا في نطاق تنظيم سياسي مُوَجَّه لتقويم استجابة نخبنا لأعباء التتلمذ الجبان، ولتقويم رد الفعل لدى عقلاء أمتنا وجماهيرها!!.. ذلك أننا لا ننعم بحرية التخصص العلمي الصامت اكتشافاً واختراعاً؛ لأن نظام العولمة - من حيِّز الوجود بالقوة إلى حيِّزالوجود بالفعل، ووراءه ميتافيزيقيات دينية، وكيد صهيوني يقود إجبارياً القوى الكبرى التي تُسَيِّس العالم الثالث - يخنقنا في حرية صنع القرار في جوانب كثيرة؛ ذلك أن كُتُبَ نخبنا ذوي التتلمذ الجبان محاصرة الذيوع في العالم الأجنبي لا بقرار يملك المحاصرة، بل لفقد القابلية؛ لأن العفن الذي تريد أن تنفذ به النخب إلى العالم الأجنبي هو نفسه الذي استوردته من ذلك العالم!!.. كما أن كُتُبَ نخبنا لا تجد القابلية لدى أمتنا - وإن رُفع كل حاجز رقابي، وإن بلغ نشاط التوزيع ذروته -؛ لأن الله جعل الخير في هذه الأمة (أمة الإجابة) إلى يوم القيامة؛ فلا تجتمع على ضلالة.. وأما المفاضلة بين الذيوع والانتشار لدى نخبنا ونخبهم في محيطهم وخارجه فنحتاج من الأستاذة الفاضلة سعاد الصباح إلى إحصائية موثقة تحدد أحزان كتابنا بأننا أمة غير قارئة كالأمم الأخرى، وأن ذلك سبب إخفاق حاضر الكتاب العربي من جهة انتشاره في محيط العالم العربي - وأما خارج هذا المحيط فقد أسلفت القول فيه -؛ ليكون نقدها لأحزان الكتاب العربي نقداً علمياً غير ادعائي.. والذي أحققه من غير إحصاء كَميٍّ، بل عن ملاحظات دارسين: هو جِدِّيَّةُ ومثابرةُ القراءة التخصصية الواعية في العالم الأجنبي في ميدان الكشف والاختراع، وتعلُّمُ وممارسةُ ما تمَّ اكتشافه واختراعه؛ من أجل ممارسته حرفةً بعد التعلم كالأحياء والطب والذرَّة والفضائيات.. وميوعةُ هذه القراءة التخصصية لدى كثير من نخبنا؛ لعامل الحكر والحجز في بعض العلوم، ولأن الهدف في الأغلب ممارسةٌ وظيفيةٌ إدارية قد تكون خارج نطاق التخصص!!.. وبرهان هذه المقارنة تفوُّقُ الطبيب الخواجي على طبيبنا، ومهندسهم على مهندسنا، وأن ندوات التشاور العلمي لذوي الاختصاص في حقل معيَّن بعواصمهم لا عواصمنا، وأن الأعجوبة منا في تخصُّصه أنه يتأمرك أو يتألمن.. إلخ، وأن أكثر نخبنا على هامش التخصص العلمي، بل هو الهامش المتوحل في الأدبيات والنظريات، وأن المتوسط في إدراكه العلمي التخصصي يتحول عند أمته إلى موظف في غير نطاق عمله، وأن بعض نخبنا تحصل على المؤهل الجامعي والأطروحات فيما بعد شراءً أو منحة بدافع التلميع، ولا ينال الطالب في العالم الأجنبي ذينك إلا بكدِّ عرقه!!.. والذي أحققه أيضاً أن الطبقات الأمية موجودة عندهم ولكنها قد لا تساوي في الكَمِّ الطبقات المثقفة ذات الثقافة النظرية عندنا، فهم يلتهمون الرواية والقصة والمسرحية قراءة ومشاهدة على الشاشة، وهم يلتهمون كل كتاب يُحَوِّل العلوم إلى ثقافات مقروءة، وهم يلتهمون كل كتب العجائب والغرائب والأساطير والرحلات والسياحات.. أما النخبة المثقفة عندهم ذات الثقافة النظرية فهم المفكرون الذين يقرؤون الفلسفة العامة وفلسفات العلوم، وهم يمثلون الفقهاء والمحدثين وعلماء الدين عندنا؛ لأن القوم في فراغ ديني؛ فتدينوا بالفكر والفلسفة.. وإذا وجد عندنا قلة من دارسي الفلسفة كعبدالرحمن بدوي أو زكريا إبراهيم، أو إمام عبدالفتاح، أو الشنِّيطي.. إلخ.. إلخ، ولم يوجد حاجز رقابي دون أعمالهم فرواجها قليل؛ لأن العلماء العاملين في غُنْية بدينهم، ولأن الجمهور أُمِّيُّ الثقافة والفكر سوى قلة أو متشبِّث شعاره: (وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم)؛ فَيُزَيِّن مكتبته بجناح فلسفي!!.

(1) قال أبو عبدالرحمن: وُجد في تراثنا هذا الديوان وما هو أسوأ منه، وواجب الحسبة المشكورة التحذير والتوعية والرد، ولا يجوز إحراقه؛ لأنه باطل قديم عرفه الخيِّرون في تراثنا، وتعاملوا معه بمنطق كريم.

(2) جاء في مجلة الوسط العدد 468 في 15 /1 /2001م ص20 نقلاً عن الدكتور عصام العريان - القطب البارز في جماعة الإخوان -: (إن التحقيق الذي باشرته وزارة الإعلام في الروايات بدأ قبل أن يأخذ طلب حشمت مجراه الطبيعي).

(3) انظر جريدة الحياة العدد 3819 في 14 /1 /2001م ص6.. وجاء في جريدة الحياة العدد 13820 في 15 /1 /2001م ص1 وص6: أن الغيطاني عاد من جديد فادَّعى أن حرق الديوان معنوي؛ لأنه كُدِّس في المخازن.. إلا أن محمد غنيم طرد الكذاب إلى باب بيته؛ فأوضح أن التخزين للكتب عمل تلقائي، وأن ديوان أبي نواس سيوزع ابتداءً بمعرض الكتاب.. وانظر عن هذه الزوبعة أيضاً مجلة المجلة العدد 1093 في 21- 27 /1 /2001م ص30 بقلم فراج إسماعيل، وجريدة الحياة العدد 13824 في 19 /1 /2001م ص5.

(4) عندما تتعدَّدُ الفروع لقسم واحد فإن (أمَّا) تكرر بلا واو عطف؛ فإذا انتقلت إلى قسم آخر عطفت كقولك: (أما ذكاء زيد.. أما علمه.. أما شجاعته: فليس كل ذلك محل خلاف.. وأما سعد فلا يصل زيد إلى مستواه في كل هذه الأمور)، وعلى هذا فينبغي وضع واو العطف قبل أمَّا ههنا.

(5) جريدة الحياة عدد يوم الاثنين (ألفها مهموزة إذا كانت اسم يوم ولم تكن اسماً للعدد) 27 نوفمبر عام 2000م - 1 /9 /1421هـ.

 

هموم الرِّقابة، وأَزْمةُ الثقافة (3-9)
كتبه لكم : أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عنه -

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة