Wednesday  12/01/2011/2011 Issue 13985

الاربعاء 08 صفر 1432  العدد  13985

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

الحيز الجغرافي العربي هزيل ويترنح وتنقصه عدة أشياء حيوية لمقاومة التمزق والتلاشي. تنقصه العدالة الاجتماعية على جميع المستويات الطبقية، وينقصه احترام الخصوصيات العرقية والمذهبية والدينية وينقصه سيطرة العقل على الغرائز والعواطف الغوغائية وينقصه إدراك القيادات لسوء المنقلب الذي تسير فيه الدول القطرية المتناحرة على هموم الزعامات الشخصية. المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات التدميرية أكثر مما هو مفتوح على احتمالات التضامن واجتماع الكلمة ومقاومة التفتيت. ما بدأ الأجداد - طيب الله ثراهم - بتشييده قبل ألف وأربعمائة عام وتحويله إلى إطار حضاري كبير فرط الأحفاد به، وقوضوه بالتجرد من الإحساس بالانتساب إلى حضارة عربية عظيمة جامعة نشرت لغتها ومصطلحاتها وأسماءها ومآذنها على امتداد نصف الكرة الأرضية.

لهذه الأسباب والنواقص سوف نرى غدا أن السودان أصبح سودانين وربما ثلاثة أو أربعة. جنوب السودان انفصل فعليا، ودارفور وكردفان في الطريق. في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان الجديدة حضر السيناتور الأمريكي جون كيري ووزيرة الخارجية كممثلين أمريكيين رسميين للاحتفال بالانفصال. هوليود حضرت أيضا بمجموعة نجوم يرأسهم جورج كلوني، والكنيسة التي كانت حاضرة دائما كثفت حضورها الاحتفالي ليصطف الدين مع السياسة والاقتصاد إلى جانب الأخوة المسيحيين في الجنوب. ما هي إلا بضع سنين وينضم كل ذوي المعتقدات اللانصرانية في جنوب السودان إلى النصرانية. المسألة فيها أكل عيش وثروات هائلة من كل نوع وتستحق حربا عالمية رابعة للاستحواذ عليها. لذلك حضر الجميع للاحتفال من كل أصقاع العالم لوضع القدم على أرض الميعاد الجديدة ما عدا العرب. العرب كالعادة لم يحضر منهم أحد لأنهم دائما غائبون عن الغنائم، وعن السودان بالذات وكأنه جزء من بلاد واق الواق.

السيناتور جون كيري ناول زعيم الدولة الجديدة سلفاكير ميارديت قبعة رعاة بقر أمريكية وطلب منه وضعها بدل قبعته القديمة التي لا يخلعها حتى في منامه. لكنه هذه المرة خلعها ووضع بدلها قبعة الكاوبوي الأمريكية. المعنى واضح، لقد أصبحتم يا أهل جمهورية جنوب السودان جزءا من المنظومة الأمريكية وتحت حمايتها وسوف تعيشون حسب المواصفات الأمريكية ولذلك نغطي رؤوسكم بالقبعة الأمريكية.

بالأمس أصبحت أمريكا في العراق جارة لدول الخليج وإيران وتركيا وسوريا والأردن، جارة بحكم الواقع والحضور الميداني المسلح ولا تستطيع أي دولة مجاورة للعراق عربية أو غير عربية الدخول والخروج من وإلى العراق إلا بإذن أمريكي ومباركة أمريكية. العراق مستعمرة أمريكية.

غدا تصبح أمريكا في جنوب السودان جارة بحكم الواقع والحضور الميداني المسلح لما تبقى من السودان ولأثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وجمهورية وسط أفريقيا. مثل ما حصل في العراق كذلك لن يستطيع سوداني أو مصري أو أفريقي أو خليجي أن يدخل ويخرج من وإلى السودان إلا بإذن ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية. مثل ما انقسم العراق إلى ثلاثة أجزاء يعادي كل جزء منه أجزاءه الأخرى، سوف يتحول السودان القديم إلى عدة أجزاء متعادية وسوف تنشب حروب جديدة في خاصرة العرب الأفريقية.

غداً أيضا سوف يشعلون الحرب في الخليج بين الفرس والعرب ويفجرون الوضع في العراق بشكل نهائي ودرامي بين الكرد والشيعة والسنة ويمزقون أشلاء اليمن بين الحوثيين والجمهوريين والقبائل والانفصاليين الجنوبيين، وسوف يخلخلون البنية الاجتماعية والسياسية في مصر والمغرب العربي بحجة الاستجابة العادلة لمتطلبات الاستقباط في مصر والبربر في الجزائر والمغرب.

بعضكم سوف يقول هذه تهويمات عقل مريض. سبق أن قلنا ذلك قبل غزو العراق وأخشى أن تقولون غدا أنج سعد إن استطعت فقد هلك سعيد، لكن سعدا لن تكتب له النجاة حين فرط في سعيد.











 

إلى الأمام
هل بدأ العد التنازلي النهائي؟
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة