Sunday  16/01/2011/2011 Issue 13989

الأحد 12 صفر 1432  العدد  13989

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سأل أحد الذين يتمتعون لدى العامة بمنزلة رفيقة، ومكانة سامقة، وإجلال وهيبة، سأل الحاضرين الذين اعتادوا التردد على مجلسه، كم الساعة؟، يبدو أن ساعة ذي المنزلة لم تكن معه أو أنها متوقفة، أو أنه ممن لا يحبون حمل الساعة، لاسيما وقد توفرت في الهواتف النقالة ساعة أغنت الكثيرين عن حمل الساعة وعن حمل المفكرة، وكلاهما (الساعة والمفكرة) تعدان من الأحمال والأعباء التي يفضل كثير من الناس التخلص من حملهما لاسيما بعدما توفرت البدلائل التقنية المتقدمة.

تلفت «الوجيه» متطلعاً إلى جواب، بادر أحد الحاضرين: كم تبيها طال عمرك، تبيها وحدة صارت وحدة، تبيها ثلاث صارت ثلاث، أمر الله من سعة، كل اللي تبي طال عمرك ممكن. ثم عقب آخر كم ساعتك أنت طال عمرك قال: الساعة عندي الآن الواحدة ظهراً لكن يبدو إن ساعتي متأخرة، قال له أبداً ساعتك صحيحة، ساعتي مثل ساعتك سوا سوا، الساعة الآن الواحدة، قال هذا وهو في حالة انتشاء عارم، قال هذا وهو يعلم تماماً أنه يكذب، فالساعة خلاف ذلك، فقد كانت ساعات كل الحاضرين تشير إلى أن الوقت هو الثالثة عصراً وليس الواحدة كما يزعم المتحدث، ومع علم الحاضرين جميعهم بأن هذا القول كذب، طأطأ كل واحد رأسه، ولم يجرؤ أحد منهم أن يصارح الوجيه ويقول له: إن ساعتك متأخرة، وكذا ساعة الذي قال إن الساعة هي الواحدة، فالساعة الآن تشير إلى الثالثة عصراً وليس الواحدة، وأن القائل بأن الساعة الآن (وحدة) مجامل تعمد إخفاء حقيقة الوقت.

قد تكون هذه الحادثة مصنوعة، نسجها خيال كاره لأجواء المجاملات وأساليب الخنوع والسلبية المفرطة التي غدت سمة بارزة في كثير من أوجه الحياة اليومية، لكن وعلى الرغم من ذلك ففي مضامينها الكثير مما يدل على حال مزرية مخجلة من تزييف الحقائق، وعدم القدرة على قول الحق, والإفصاح عن الرأي المخالف، والمكاشفة في تعرية الأخطاء ونقدها والتصدي لها، والمصارحة في المطالبة بالحقوق، والشفافية في بيان أوجه التعدي على الأنظمة وعلى المال العام، وغير ذلك مما لا يسع الإنسان الحر السكوت عنه وفق القواعد الشرعية، وآداب الحديث المعتبرة في الحوار والمناقشة، عند التعامل مع الآخر والتواصل معه، لاسيما في الأمور ذات النفع العام.

إن هؤلاء الأشباه الذين يخافون من إبداء الرأي والتعبير عنه خشية أوهام وظنون لا أصل لها إلا في عقولهم الضيقة، وأفهامهم القاصرة، هم من يضلل ويوهم، وهم من يصد عن التطوير والتنمية، وعن معالجة الأخطاء، وهم بهذا يكرسون الفشل، ويعوقون كل جهد للتغيير والتجديد، لأن انكفاءهم على أنفسهم، وسلبيتهم تجاه مواجهة المواقف جعلهم لايجرؤون على قول الحق، والأنكى من ذلك ظنهم بأنهم بمقولاتهم الخانعة الكاذبة يطربون أمثال هذا الوجيه ويسعدونه، وأنهم إذا قالوا كلمة الحق والصدق يغضبونه ويعكرون عليه صفو يومه وحالته المزاجية التي يجب أن تكون دائماً راضية مرضية، حتى وإن كان على حساب الحق والعدل، وتعرية الأخطاء وأوجه التقصير.

هذه بلوى ابتليت بها مجالس كثير من الوجهاء وذوي السلطة والمكانة والسلطان، قد يقول قائل بأن هذا هو المطلوب، المطلوب أناس يسبحون بالحمد فقط، ويقولون آمين على كل قول وفعل، بغض النظر عن صوابه من خطئه، وهذا موروث نفسي وقر في النفوس وجثم عليها، بعدما خبر الناس ربما مواقف غير مشجعة لأولئك الذين تجرأوا وقالوا كلاماً يغضب هذا الوجيه وأمثاله من ذوي السلطة والمكانة، لهذا تكيف الناس مع هذا الوضع تقبلوه واستمرؤوه، وصار عندهم بمثابة العادة والمسلمة التي لا تقبل النقاش.

هذا وهم تواتر في الأذهان لا أصل له، فالحقيقة التي لا مراء فيها خلاف ذلك، فالكل وأخص أولئك الذين يمتلكون سلطة القرار حانق من هذه السلبية، كاره لهذه المجاملات مبغض لها، لايود سماعها، بل إن المجامل والمتزلف والسلبي والإمعة يعدون في نظر كل من يعرفهم ويتعامل ولاسيما المتقرب إليه من ذوي السلطة يعدونهم أناساً بلا قيمة ولا فائدة، بل هم محتقرون وإن لم يصرح بذلك، وضررهم أكثر من نفعهم، وهم من يشوه الصورة، ويصنع انطباعات غير سارة لدى العامة.

لهذا ما أجمل قول كلمة الحق والصدق، وفق آدابها المعتبرة شرعاً ومنطقاً، وأن يخبر من يسأل عن أمر ما بالواقع كما هو بدءاً من أقل التفاصيل إلى أكبرها شأناً وقيمة.

 

أما بعد
كم الساعة؟
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة