Sunday  16/01/2011/2011 Issue 13989

الأحد 12 صفر 1432  العدد  13989

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عيادة المريض تدخل السرور على نفسه، وتشعره بأهميته، وأن له مكانة بين الناس، وأن هناك من يهتم بأمره، ويتألم لألمه، ويحزن لحزنه، ويتمنى له الشفاء والصحة، ومن أجل ذلك حث الإسلام عليها، وجعل لها أجراً كبيراً، لأنها من حق المسلم

على أخيه المسلم، والزائر يحاول أن يواسي المريض، ويشغل بعض وقت فراغه ويسليه، ومن المعتاد أن يأخذ الزائر للمريض هدية، تختلف حسب ثقافة المجتمع، وحسب الفترة التاريخية التي يمر بها، ففي قريتنا قبل أن تنتشر المستشفيات كان المريض يقضي وقته في المنزل، وكان أهل القرية يزورونه بين الفينة والأخرى، وخاصة في المساء بعد أن يعودوا من مزارعهم، وكانت الأسر تتداول صناعة الطعام للمريض وأسرته، ويجتهدون في تقديم أفضل ما لديهم، ويؤدمون له بالسمن والعسل واللبن، أما في الغرب فمعظم الهدايا تكون من الورد الذي يذبل ويموت، ولكن له انعكاساته النفسية على الإنسان وإدخال السرور إلى قلبه، والبعض يحضر شيئاً من الحلوى، ولكن زيارة المريض عندهم قليلة أو شبه معدومة، تغيب زميلي الأمريكي في المكتب الذي كنت أتقاسمه معه ومع عدد من طلاب الدراسات العليا، فسألت عنه، فقيل لي أن عملية جراحية أجرت له في ركبته في مستشفى الجامعة، فما كان مني إلا أن ذهبت لزيارته في المساء مصطحباً هدية متواضعة، ولا أنسى وقعها في نفسه، فقد تهلل وجهه، وأشرقت أساريره، وقال (لقد صنعت يومي، you made my day)، فسألته إن كان قد زاره أحد قبلي، فأكد بأنني الوحيد الذي زرته، وتبين لي فيما بعد أن هذه العادة تكاد تكون معدومة أو غائبة في المجتمع الأمريكي، حتى بين الأقرباء أنفسهم، ورغم أن أمراض العصر بدأت تغزو مجتمعنا فلا يزال الوضع يبشر بالخير في هذا الجانب، فالمريض يجد من يزوره إلى حد الإزعاج أحياناً، والبعض يسلم عليه بحرارة، حتى بعد غرفة العمليات بفترة قصيرة، أذكر أن أخي الأكبر أحمد أجريت له عملية قلب وتم فتح صدره، وجاء صديق له ليزوره، فضغط على صدره أثناء السلام عليه، حتى كادت روحه أن تخرج، والتعامل مع المريض من قبل الزوار يحتاج إلى ثقافة خاصة، ففي كثير من الحالات يجب عدم الاقتراب من المريض، وإلقاء السلام عليه من بعيد، حتى لا تنتقل له بعض الجراثيم والفيروسات والبكتيريا، لأن مناعته بسبب المرض غالباً ما تكون ضعيفة، ورغم أن الناس يفكرون دائماً في تقديم هدية للمريض، ويجدون حيرة في الأمر، فلا يدرون ما هو المناسب لتقديمه للمريض، فإن أحداً في الغالب لا يفكر في الهدايا التي يقدمها المريض للزائرين، وهي في تصوري كثيرة ومتعددة، فأول هدية يقدمها المريض للزائر تتمثل في الأجر الذي يكسبه من زيارة هذا المريض، إذا كان ممن يحتسب ذلك عند الله، وخاصة إذا كان المريض من ذوي الأرحام، فصلة الرحم واجبة في جميع الأوقات، و هي في وقت الأمراض والأزمات أوجب، ومن هدايا المريض لزائريه إرضاء الضمير، وإرضاء النفس بالقيام بواجب اجتماعي، والتواصل والتفاعل مع الآخرين، ومن الهدايا التي يقدمها المريض للزائر أنه يدفعه لممارسة الرياضة، وإلى المشي مسافات تختلف من مستشفى إلى آخر، فمن مواقف السيارات إلى أجنحة المرضى يقطع الزائر مسافة تحرك الدورة الدموية عنده، وتبعث فيه الحيوية والنشاط، وربما لولا تلك الزيارة لما قام الزائر برياضة المشي تلك، وهناك من ينصح أن يوقف الإنسان سيارته في مكان بعيد حتى يتيح لنفسه مجالا للمشي، ليس فقط عند زيارة المرضى، ولكن في جميع المناسبات، ومنها العمل والتسوق وزيارة الأقارب والأصدقاء وما شابهها، ولعل من أبرز الهدايا التي يقدمها المرضى لزوارهم أنهم يذكرونهم بنعمة الصحة التي يتمتعون بها، والتي تساوي كنوز الدنيا، وقديماً قيل (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى)، ومن يدرك قيمة الصحة يجب عليه أن يشكر خالقه الذي أعطاها له، وأن يبذل الجهود في المحافظة عليها، وإخراج زكاتها وذلك باستخدامها فيما يرضي واهبها ومانحها سبحانه وتعالى، وأن يتواضع ويقترب من عباد الله ويقدرهم ويحترمهم، ولا يتعالى عليهم، فهو معرض مثلهم للمرض والموت والحاجة، ومن هدايا المرضى لزوارهم شكرهم والدعاء لهم، وإظهار السرور بزيارتهم، نسأل الله أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يمتعنا وإياكم بالصحة والعافية.

* أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية

zahrani111@yahoo.com
 

من هدايا المرضى للزائرين
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني *

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة