Sunday  16/01/2011/2011 Issue 13989

الأحد 12 صفر 1432  العدد  13989

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

شفاك الله يا مؤرخ الخرج ومدون تاريخها
د. عبد العزيز بن سعود الغزي

 

رجوع

 

لقد أدركت التغيرات الصحية على صديقي الأخ العزيز الأستاذ سعد بن عبد الرحمن الدريهم خلال لقائي به في محاضرة ألقيتها في المنتدى الثقافي لأهل الدلم إذ تبين لي من عدم معرفته بي لأول وهلة واسترجاعه للذاكرة ليعرفني لاحقاً أنه في بداية معاناة صحية أقرب ما فكرت أن يكون لها داء الزهايمر (فقدان الذاكرة) أو الخرف المبكر. لقد حزنت ساعتها حزناً شديداً على حالة صديقي وبخاصة أنه للتو تجاوز الستين ولم يصل بعد إلى مرحلة الشيخوخة ولكنه ابتلاء من الله سبحانه وتعالى للمرء وتكفير لذنوبه بإذن الله تعالى.

يعلم الله أنه دائماً على البال وعندما أصادف برجل يهزه ضعف النفس والتردد أقول في نفسي خالق هذا وسعد الدريهم واحد أسوة بمقولة قالها الصحب الكرام من قبلنا ولعله عمر بن الخطاب رضي الله عندما قال خالق هذا وعمر بن العاص واحد.

لقد عرفت الأستاذ سعد الدريهم عبر الصحافة عندما كان يعد كتابه عن الخرج ضمن سلسلة هذه بلانا التي كانت تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب ويومها كنت للتو عائداً بدرجة الدكتوراه، فحادثني عبر صديقه عبدالعزيز العرفج الذي كان يومها مديراً لإدارة كلية الآداب ليحصل على نسخة من رسالتي لدرجة الدكتوراه ولكونه لا يعرف اللغة الإنجليزية أعددنا له ملخصاً لها باللغة العربية. ثم بعد ذلك تطورت معرفتي بالأستاذ سعد ومحور تطورها هي أخلاقه العالية واستعداده التلقائي لاستقبال ضيوفه وتزويدهم بالمعارف الميدانية عن محافظته؛ إذ إنه يكن لها انتماءً قوياً وحباً عميقاًَ ومن هذا أتت رغبته في أن ينشر تاريخها وآثارها بين كل من يستطيع أن يصل إليه ليباهي بها بين مواطن الحضارات وليحفر اسمها في ذاكرة التاريخ حتى وإن غابت شواهده من على أرضها أو طمسته الطبيعة تحت رمالها يريده أن يكون بين الكتب مسجلاً وموثقاً تناقله الأجيال عبر العصور ليبقى في ذاكرة الإنسان مع اختلاف الأزمنة والأمكنة وتعاقب الأيام والسنين.

اتصف الأستاذ سعد، كما عاينته ورأيته وشاهدته وسمعته، بصفات أصيلة تجعل منه هامة بين قومه، فإن تحدثنا عن الكرم فموقعه في رأس الهرم والكرم هو أنبل صفة اتفق الجميع منذ ما قبل الإسلام على أنها سيدة الصفات فإن جئت إلى الشعر وجدت أن الكريم في المقدمة، فعندما استثنى عنترة بن شداد لم يستثن إلا الكريم بقوله:

وشككت بالرمح الأصم ثيابه

وليس الكريم على القنا بمحرم

وفي هذا البيت نجد الاستثناء ليبلغ منتهى الفكر ومعناه عند الشاعر كل شي يمكن أن يشك بالرمح حتى الكريم بالرغم من كرمه ومكانته ومعزته عند الجميع يمكن أن يطوله ذلك. ونجد المعنى أيضاً لدى الشاعر الشعبي وفي قصائد عدة منها قصيدة الشيخ مشاري بن ربيعان:

صبه لمن تنثر السمن يمناه

ريف لربعه في الزمان الشحوحي

نجد الشاعر قدم الكريم في دوران فنجال القهوة، مقدمة على الشجاع وعلى الجريء، وهذه الصفة نجدها واضحة في الأستاذ سعد الدريهم وعرفها كل من عرفه فهو السباق إلى الدعوة، وهو السباق إلى الإنفاق، وهو المرحب المهلي طلق الحجاج في مجلسه ورحلاته الأثرية وبين قومه.

ومن الصفات التي عرفتها به صفة المبادرة إلى عمل الخير، فلاحظت عليه الرغبة الجامحة لتحقيق طلبات من يصل إليه، وللاستجابة لمن ينتخي به، فخلال معرفتي به لمدة تقل قليلاً عن العشرين عاماً لم أعهد عليه أنه اعتذر عن تحقيق أي مطلب يتوجه به إليه أصحاب الحاجات، فإن كان المطلب خارج استطاعته توجه بغيره إلى تحقيقه وسعى في ذلك.

علاوة على ما ذكرت أعلاه عرفت عن الأستاذ سعد كره الغيبة فلم أعهد عليه خلال رحلاته وزياراتي للخرج والدلم وحوطة بني تميم والأفلاج والحريق ونعام والحوطة والحلوة ومواضع في تلك النواحي أن اغتاب أي إنسان أو تحدث عن أي شخص على سبيل الانتقاص فحديثه دائماً في العلم والبحث والأمور الخاصة بينه وبين من يتحدث إليه.

كما عرفت عنه حبه للعلم والسعي إلى تحقيقه، فله كتابات عديدة في الصحافة المحلية، كما أصدر كتاباً عن محافظة الخرج ضمن سلسلة هذه بلادنا، يُعَدُّ من أفضل ما أصدر في تلك السلسلة في المحتوى والمنهج والدقة والصدق والأمانة العلمية والحجم مما يدل على دقته في كتابته وصدق نيته لإيصال المعلومة الصحيحة إلى القارئ.

وصفة أخرى تقل في الآخرين هي صفة الصدق في الهزل والجد فبالرغم من وجود بعض الأجواء خلال الرحلات البرية التي يسود فيها المزاح وتكون موضعاً للنكات، ومع ذلك لم أعهد على الأستاذ سعد الدريهم خلال صداقتي به كذبة واحدة لا بيضاء ولا سوداء، بل عمدت مراراً أن أختبر هذه الصفة فيه فسألته عن أشياء خاصة به عرفت عنها لأمتحن درجة صدقه فلم يكذب علي بشيء بالرغم من خصوصية تلك الأشياء، ولذا عرفت أن صفة الصدق فيه أصيلة وتفرد الأستاذ سعد بها عن البعض.

وبره بوالديه صفة أخرى، إذ يروى عنه خدمته لوالده الذي بلغ المئة عام، فقد روى معالي الفريق ناصر العرفج أنه كان يصلي مع الجماعة ثم يعود إلى البيت ويصلي بوالده الذي لا يستطيع الذهاب إلى المسجد. أضف إلى ذلك أن علاقته بأبنائه غاية في التكامل وكذلك مع عائلته الكبيرة.

يطول الحديث عن موضوع كتابتنا إلا أنني أكتفي بما قدمت وأعتقد أن الصفات الصدق والكرم وبر الوالدين والإحسان إلى الأبناء والأقرباء هي أنبل الصفات التي يتصف بها مخلوق، لأنها تقرن معهما صفات حسنة كثيرة.

شفاك الله يا صديقي، وكفر عنك ذنوبك بما ابتلاك، ورزق الله أهلك ومحبيك الصبر على ما أصابك، فالأعمال الصالحة تبقى وأنت لك منها نصيب.

كما قال الشاعر:

كل شيء مصيره للزوال

غير ربي وصالح الأعمال

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة