Monday  17/01/2011/2011 Issue 13990

الأثنين 13 صفر 1432  العدد  13990

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل سنودع خير الأصدقاء قريباً؟ ها هو الكتاب الإلكتروني يتمدّد ليزيح الكتاب الورقي، رغم أنّ البعض يزعم أنّ الإلكتروني سيعمل على الإعلان للورقي ومن ثم زيادة رواجه ومبيعاته، بعض آخر يصّر أن لا تأثير لذلك!!

يقول المثل الصيني: «الكتاب مثل حديقة تحملها في جيبك»؛ والكومبيوتر المحمول الآن يضم ملايين الحدائق بعضها زاهية غنّاء وبعضها خاوية بلقعاء.. أصبحنا نغرق في تيارات الكتب من كل حدب وصوب. وبدأت تظهر ملامح الإغراق بأمريكا، حيث وصل عدد الكتب في الإنترنت إلى أكثر قليلاً من مليون كتاب عام 2009، أي ثلاثة أضعاف ما نُشر عام 2005، حسب تقرير بوكر. فالنشر لم يَعُد مهمة صعبة، فكل ما على المؤلِّف هو أن يضع كتابه في الإنترنت، فثلثا الكتب في أمريكا ينشرها المؤلِّف نفسه!

هل سترخص قيمة الكتاب اقتصادياً ومعنوياً مع هذا الإغراق فتنهار سوق الكتب ومعها الجودة النوعية للكتاب؟ الآن، هناك كتب قيِّمة لا يقرؤها إلاّ بضعة أفراد وكتب رديئة يقرؤها الملايين! وأصبح الناشرون يوصون المؤلِّفين بأساليب جذب جديدة فلا وقت للقارئ أمام هذا الزخم الهائل. ومن هنا أوصى الناشر بيرسانتي المؤلِّفين بتقليص حجم الكتاب ووضع عناوين مثيرة وتصميم أغلفة برّاقة والتركيز على المواضيع الرائجة وعلى فكرة واحدة مختصرة؛ موضحاً أنه باستثناء الروايات فإنّ الجمهور العام للكتاب اختفى وصار لكل كتاب جماعة ضيقة متخصصة.

ما الذي يحدث؟ لقد انخفض إجمالي مبيعات الكتب 1.8% عام 2009 مقارنة بالعام الذي قبله، حسب التقرير الأخير لجمعية الناشرين الأمريكان (AAP). وهذا الانخفاض لا يعكس عدد الكتب المباعة بل قيمتها. بالمقابل فإنّ مبيعات الكتب عبر الإنترنت ترتفع سنوياً بمعدّل 71% منذ عام 2002م. فهل انخفاض إجمالي المبيعات سببه جزيئاً ارتفاع مبيعات الكتب عبر الإنترنت؟ البعض يقول إنها مجرّد مصادفة، خاصة مع الأزمة الاقتصادية العالمية، فالكتب المباعة بالإنترنت تمثل 1.3% فقط من إجمالي مبيعات الكتب (حوالي 313 مليون من 23.9 مليار) لعام 2008، ونسبة 3% لعام 2009م. لكن التقارير المبكرة عن 2010 بالولايات المتحدة تشير لاستمرار زيادة مبيعات الكتاب الإلكتروني، حيث ارتفعت بنسبة 193%، مثلت 9% من إجمالي كافة المبيعات، بينما واصلت مبيعات الكتاب الورقي انخفاضها، وتتفاوت النسبة حسب موضوع الكتاب إذْ إنّ بعضها زاد مثل الكتب المدرسية والتعليمية.

أما في الصين فقد أوضح تقرير في أكتوبر الماضي أنّ الانخفاض في مبيعات الكتب بلغ 4.8% السنة الماضية و14.9 هذه السنة وهو الأعلى منذ التسجيل قبل أحد عشر عاماً. مع العلم أنّ 60% من المبيعات تعتمد على 5% فقط من الكتب المتوفرة. وتشير التقارير إلى أنّ مكتبات البيع الإلكترونية والكتاب الإلكتروني سيواصل إزاحة السوق التقليدية لتضع مزيداً من الضغط على مبيعات الكتب التقليدية.

إلاّ أنّ المديرة التنفيذية لدار سايمون وشوستر (إحدى أكبر دور النشر في أمريكا) كارولين ريدي تطمئن عشّاق الكتاب الورقي موضِّحة أنّ زيادة المبيعات الإلكترونية ورغم أنها أرخص من الورقية فهي ليست السبب الرئيس لانخفاض مبيعات الكتب الورقية، لأنّ هناك من يشتري الكتاب الإلكتروني لم يكن أبداً يشتري الكتاب الورقي، كذلك هناك من يشتري الكتاب الإلكتروني مما لم يكن متوفراً بسهولة ككتاب ورقي. لكن مركز نيلسن أوضح أنّ مبيعات الكتاب الإلكتروني لأنواع كتب كالرومانسية والخيال العلمي يقود لابتلاع مبيعات الكتاب الورقي.

في العالم العربي لا توجد إحصاءات يعتمد عليها، إلاّ أنّ الناشر والكاتب عادل الحوشان يشير إلى زيادة تدريجية للمبيعات منذ 2008م في السعودية ويعزو ذلك لارتفاع سقف الحرية، لكنه حذّر من أنه لا تزال ثمة قيود موجودة تجعل المتلقي يلجأ للإنترنت لا سيما أنّ الكتاب الإلكتروني لم ينتشر بعد في العالم العربي وقد يشكِّل انتشاره ضربة للكتاب الورقي.

ثمة سؤال مهم بغض النظر عن الورقي أو الإلكتروني: هل إجمالي المبيعات (الورقية والإلكترونية) سينخفض أم يرتفع؟ التوقع بأنه سينخفض إذا حلّ الكتاب الإلكتروني محل الورقي لأنّ الأول أرخص، لكن إذا زادت عدد الوحدات (الكتب) المباعة لدرجة معيّنة فقد يزيد إجمالي المبيعات. وعندما ندمج انخفاض الكتب المطبوعة (- 7.5%) مع ارتفاع الكتب الإلكترونية (188%) نحصل على انخفاض بنسبة 2% للفترة من يناير إلى سبتمبر 2010 لمبيعات الخمسة قطاعات الرئيسية حسب تقرير AAP.

حسناً، هل الكتاب الإلكتروني يخفض أو يزيد مبيعات الكتاب المطبوع؟ المحلل بنديكت إفانس أوضح في محاضرة له مؤخراً أنّ هناك توجهاً لدى المراقبين نحو المبالغة في تأثير الكتاب الرقمي على المدى القصير مقابل تقليل شأن تأثيره على المدى البعيد، حيث يمكن للكتاب المطبوع أن يتطوّر على المدى البعيد متكيفاً مع الأوضاع الجديدة. وقال أفانس إنك ترى بوضوح التحوّل في مبيعات الكتب وهو أكثر من كونه طبيعياً، لكن مبيعات الكتب لم تسقط في الهاوية.

المفاجأة هو ما أظهرته دراسة بحثية مهمة نشرت مؤخراً لجون هيلتون وديفيد ويلي بأنّ الكتاب المطبوع عندما نشر إلكترونياً بعد أسابيع من نشره ورقياً أدى إلى زيادة مبيعاته الورقية! وخلصت الدراسة إلى أنّ نشر الكتاب الإلكتروني لمدة طويلة نسبياً دون وضع شرط التسجيل في الموقع بالإنترنت يعمل على زيادة مبيعات الكتاب. لكن الباحثان حذرا من أنّ النتائج ينبغي أن تؤخذ بحذر ولا يمكن تعميمها، لأنّ توقيت إطلاق الكتاب الإلكتروني بعد أسابيع من ظهوره مطبوعاً وترويجه عبر الإنترنت مع عوامل أخرى تؤثر بطريقة يصعب تحديدها، كما يصعب تحديد تأثير الكتاب الإلكتروني بشكل عام على الكتاب الورقي في المدى البعيد.

بعد اطلاعي على الأعمال البحثية والتقارير حول تأثير الكتاب الإلكتروني على الورقي، لاحظت أنّ ثمة استنتاجات رغائبية منحازة للكتاب الورقي رغم أنّ الأرقام تشير عكس ذلك، يبدو لأنّ هذه الأعمال تصدر من قطاع النشر الورقي مما يشير لوجود مصلحة في طريقة تحليل النتائج والاستنتاجات، لكن الأكيد أنّ ثمة تغييراً كبيراً بدأت ملامحه العالمية تظهر على عادات القراءة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً مع ظهور الإنترنت والكتاب الإلكتروني، مما يوحي أنه بعد بضعة عقود قد يتحوّل الكتاب الورقي إلى مجرّد زخرفة تراثية توضع لتزيين الأماكن..

alhebib@yahoo.com
 

نهاية الكتاب الورقي
د. عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة