Wednesday  19/01/2011/2011 Issue 13992

الاربعاء 15 صفر 1432  العدد  13992

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

السقوط السريع وغير المتوقع لحكومة زين العابدين بن علي، طرح أكثر من سؤال حول علاقة رأس الدولة بالحكومة وعلاقة رأس الدولة بالشعب وعلاقة الحكومة بالشعب، وأكثر الأسئلة إلحاحاً هو أين كان الخلل؟ قال الرئيس بن علي كلمة اعتذارية للناس سوف تذهب مثلاً حين قال «غلطوني» ويقصد بها أعضاء في حكومته، فهو يلقي عليهم مسؤولية الغش عن حال الناس، فهو يحتج بالجهل عن حال الناس، وهذا يعيد للأذهان عبارة ماري آنطوانيت إبان الثورة الفرنسية عندما قالت «ليأكلوا البسكويت» عندما قيل لها إن الناس لايجدون الخبز، إن الخلل في العلاقات ناتج بالدرجة الأولى عن الخلل في التركيبة البنائية لمجتمع الأمة، فشمولية السلطة في شخص الرئيس وتبعية الحكومة المطلقة لتلك السلطة واعتبار الشعب رعية سلبية التفاعل تتلقى تبعات قرارات وسلطات الحكومة هو ما قاد لخلل العلاقات في تونس، وبات الرئيس لا يدرك احتياجات الشعب ولا قدرة الحكومة على توظيف رؤياه، هذا إذا كان الرئيس خاليا من الأطماع الشخصية والأهواء وتأثير ذوي المصالح الخاصة من الأقرباء والأصدقاء، أما إذا كان منغمساً في تلك فهو لايريد أن يدرك احتياجات الشعب ولا يريد من الحكومة إلا تنفيذ رغباته.

إن دور أي حكومة في العالم لا يخرج عن أربعة أدوار فرعية وهي دورها كسلطة تفرض الالتزام بالقانون العام وتحمي الحقوق، ودورها كراعية ترعى تماسك المجتمع وتفاعله ضمن قيم سامية معلنة ودور تدبيري به تخطط مستقبل آمن ورغد المجتمع وتستثمر موارد البلاد لخير المجتمع ودور خدمي توفر به كثيرا من الخدمات التي تحسن حياة المجتمع والأفراد، هذه الأدوار الأربعة تقوم بها الحكومة بتوازن يتناسب مع المعطيات البيئية والاجتماعية ومتى حدث اختلال بينها باتت العلاقات بين الحكومة والشعب قابلة للتوتر عند أي حادث مثير، فالسلطة إذا مورست بتهور أدت للقمع والاضطهاد والإرهاب وإذا مورست بإهمال أدت لتكون مراكز القوى وجهات الضغط وقيام بؤر الفوضى، والرعاية متى بولغ في ممارستها أدت لتضييق الحريات وكبت الإبداع وقهر الناس والتخلي عنها يؤدي لخلل بالمنظومة الاجتماعية القيمية فتنموا العنصرية والمناطقية والتفسخ الأخلاقي بالمجتمع، كما أن الإهمال في تدبير شئون البلاد يؤدي لضياع الهدف التنموي وبروز الفساد المالي وهدر طاقات المجتمع وكذلك يحدث عندما تسوء الخدمات ويسوء توزيعها، تنمو الرشوة والمحسوبية والواسطة بصورة مؤلمة للمجتمع. لذا فإن أول مسئولية يهتم بها رئيس الدولة هي الاهتمام بأدوار الحكومة الأربعة وخلق بيئة تتوازن فيها تلك الأدوار وخلق آلية تضمن له الأشراف المباشر والاطلاع على نشاطات الدولة وقياس فاعلية أداء الحكومة لتلك الأدوار بصورة مستديمة والتدخل بصورة صارمة عند وجود خلل يستلزم التصحيح.

هذا هو الدور المركزي لرئيس الدولة سواً كان منتخباً من الناس أو متولياً كرسيه بمسوغ شرعي، وهذا الدور لا يقوم بصورة فاعلة مالم يكن الرئيس إنسان روي له رؤيا تطلعية لما يجب أن تكون عليه البلاد والمجتمع، يجتهد في صياغتها ويعمل على تحقيقها من خلال جهد مركز وعقل مستنير. الناس في طبيعتهم منقادون لقيادة صادقة ذات رؤيا تطلعية تهتم ببناء مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة والناس لا يميلون لمقارعة الحكومة بصورة مواجهة حاسمة عند نشوء مطالب لهم، إنهم يشتكون وبقدر ما تتوفر قنوات الشكوى يدرك الناس أن شكواهم قد وصلت لمن لديه القدرة في الاستجابة لها في الحكومة وكلما تأخرت الحكومة في التفاعل مع شكاوى ومطالب الناس كلما اختلت الثقة لدى الناس بقدرة أورغبة الحكومة الاستجابة لهم، وتبعاً لذلك اختلت العلاقات وبات الشعب يختزن بصورة مستمرة مشاعر الإحباط والضغينة للحكومة وكلما سنحت فرصة للتعبير يكون التعبير فوضوياً وانفجارياً سرعان ما يقمع من قبل السلطة حتى يأتي يوم يكون الانفجار أكبر من قدرة السلطة على احتوائه فتخور همة السلطويين وتسود الفوضى عندها تنهار العلاقات بصورة مماثلة لما حدث في تونس وعندها سيقول رئيس الدولة «غلطوني» ولكن بلهجة مختلفة تناسب مجتمعه.

mindsbeat@mail.com
 

نبض الخاطر
أين الخلل؟
محمد المهنا أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة