Sunday  23/01/2011/2011 Issue 13996

الأحد 19 صفر 1432  العدد  13996

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إذا كان هناك من شعر ب الحزن» وربما «الخوف» أو - في الأقل - الأسف العميق من إعلان الإدارة الأمريكية المبطن ب «انسحابها» من القضية الفلسطينية أو المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. عندما أبلغت السلطة الفلسطينية في السابع من الشهر الماضي - ديسمبر - ب (أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض

استئناف تجميد الاستيطان)، وهو ما يعني لها (أن حكومة نتنياهو اختارت الاستيطان وترفض السلام).. وعليه فإنها ستنسحب من هذه «المفاوضات» أو «القضية» برمتها.. فقد كنت من بين السعداء حقاً بهذا «الإعلان».. بهذا «الانسحاب» الأمريكي «من «القضية» برمتها بأكثر من سعادتي فيما لو أن انسحابها توقف عند «المفاوضات المباشرة».. تخصيصاً، الذي ربما أرادته الإدارة الأمريكية أداة تحذير ناعمة - وهو أقصى ما تستطيعه - ل «نتنياهو» - إن جاملناها -.. فحوله «إيهود باراك» وزير الدفاع الإسرائيلي - قبل انسحابه أخيراً من حكومة نتنياهو - إلى أداة تخويف أو استخفاف بالسلطة الفلسطينية.. عندما تفضل - ودون طلب من أحد - بتفسير أسباب الإعلان الأمريكي الموجه للسلطة الفلسطينية.. قائلاً: (لأن الولايات المتحدة غير متفرغة الآن للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وأنها متفرغة الآن.. لتقارير موقع ويكليكس والنزاع بين الكوريتين).. متعمداً - بطبيعة الحال - عدم الإشارة لانشغالها الفعلي ب»فصل» جنوب السودان عن شماله.. وقد تزامن الأمران في توقيت واحد تقريباً، وأن على الفلسطينيين أن يذهبوا إلى حيث يشاءون: إلى البحر.. أو حتى إلى الشيطان!! ف «الولايات المتحدة غير متفرغة الآن للمفاوضات»..!!

فإن كانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. أرادت بهذا «الإعلان» الانسحاب من «القضية» برمتها، وليس من المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي ترعاها.. فإنها تكون بهذا «الإعلان» قد قدمت للقضية الفلسطينية.. أجل وأعظم خدمة لها وهي ترفع الحرج عن معظم الفلسطينيين وبعض العرب ممن لا يرون وسيطاً في هذا النزاع غير الوسيط الأمريكي.. ولا وساطة غير الوساطة الأمريكية، وربما يغفر لها هذا الانسحاب - على جانب آخر - سلسلة مظالمها التي ارتكبتها بصور مباشرة وغير مباشرة.. بحق فلسطين والفلسطينيين طوال خمسة وستين عاماً، قبل قيام «منظمة الأمم المتحدة»، الخلف ل «عصبة الأمم»، وبعدها.. وإلى يومنا هذا، أو من حين أن طلب الرئيس الأمريكي روزفلت في ختام الحرب العالمية الثانية من الملك عبدالعزيز عند لقائه به في البحيرات المرة بقناة السويس.. مساعدته في إقناع (العرب) بقبول هجرة مائة ألف يهودي - ممن عانوا من الاضطهاد النازي لهم - إلى فلسطين، فلم يجبه إلى طلبه، إلى أن اشترى خلفه الرئيس هاري ترومان ب «المال الأمريكي».. أصوات ثلاثة عشر دولة لصالح قرار تقسيم فلسطين بين أصحابها العرب والمهاجرين إليها من يهود روسيا وأمريكا وأوروبا الشرقية، إلى أن أذنت أمريكا ليندون جونسون وبدعم سياسي واقتصادي وعسكري مفتوح.. لإسرائيل باحتلال كامل مدن الضفة الغربية والقدس وغزة عام 1967م، مستغلة (ظاهرياً) خلافها مع مصر عبدالناصر حول حق المرور بمضائق تيران في خليج العقبة، وإلى حرب النصر العربي في أكتوبر 73م.. الذي أفرغته الولايات المتحدة من محتواه في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته - الألماني اليهودي الصهيوني - هنري كيسنجر.. وإلى حد تسليم الرئيس السادات له في النهاية - وهو بطل العبور -: ب «أن 99% من أوراق حل الصراع العربي الإسرائيلي هي في يد الولايات المتحدة الأمريكية»، ولم يكذب الدكتور كيسنجر.. ما قاله الرئيس السادات، بل ظل يلعب بتلك الأوراق ويعبث بها.. إلى أن غادر الخارجية الأمريكية في أعقاب استقالة رئيسه نيكسون، ليجد الرئيس السادات نفسه.. في كامب ديفيد مع رئاسة جيمي كارتر، ليوقع على معاهدة السلام مع إسرائيل.. التي أعادت إليه سيناء، وأضاعت كل ما عداها.. وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة..!!

نعم.. كانت (بريطانيا العظمى)، هي (القابلة) التي ولدت على يديها «إسرائيل».. ب «وعد» وزير خارجيتها «جيمس بيلفور» في نوفمبر عام 1917م.. أما بقية القصة التي امتدت بامتداد سنوات عصبة الأمم فهي معروفة.. إلى أن قامت منظمة الأمم المتحدة، وجرى (التقسيم) ف (الاعتراف) بإسرائيل، وب «عضويتها» في المنظمة الأممية باعتبارها من الدول المحبة و(الراعية) للسلام.. تحت رعاية أمريكية تامة، حيث جرى تسليم «راية» الحفاظ عليها في النهاية ل «الولايات المتحدة الأمريكية»، التي ظل موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي ملتبساً عند الأكثرية من العرب.. خاصة بعد مواقفها النزيهة من العدوان الثلاثي على مصر، الذي لم توافق عليه بداية، ولم تشارك فيه نهاية.. بل وأرغمت حليفتيها الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) على الانسحاب من الأراضي المصرية الذي طال أيضاً «إسرائيل»، التي أُكرهت على الانسحاب من سيناء ولعابها يسيل نحو آبار (نفطها)..!

لكن العرب جميعاً - إلا قلة منهم - بدأوا يكتشفون جهاراً نهاراً.. طبيعة الدور الأمريكي في المنطقة العربية مع نكسة 67م، وما تلاها من مواقف سياسية أمريكية ظالمة.. لم يكن ليهمها غير الحفاظ على مكتسبات «إسرائيل» الإقليمية من حرب الأيام الستة.. كما أسمتها، وهو ما تحقق لها طيلة الثلاث والأربعين سنة الماضية.. إذا استثنينا عودة سيناء بشروط معاهدة كامب ديفيد، ليترسخ عبر عقدي السبعينات والثمانينات لدى العرب جميعاً وإن صمتوا.. والفلسطينيين خصوصاً وإن جهروا به: بأن إسرائيل وأمريكا.. شيء واحد.. وجهان لعملة واحدة، فما جرى في تلك العقود فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة كان بعلم ودراية ومباركة الولايات المتحدة.. التي برعت - دون شك - في استهلاك الوقت لصالح إسرائيل، فبعد قدوم (يارنخ).. جاء (تينيت).. وبعده جاء (ميتشل) من أجل المساعدة في تطبيق القرارات الدولية، التي لم تستطع أي دولة من دول العالم الخروج عليها إلا (إسرائيل) المحفوظة دائماً بالدعم الأمريكي، والمصانة أبداً بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن.. إلى أن جاء العدوان العراقي الغاشم على الكويت عام 1990م.. فتنادى المجتمع الدولي لتحرير الكويت، واقتلاع جيش صدام (المليوني) بتحالف قادته الولايات المتحدة من أكثر من أربعين دولة، وعندما تحقق النصر.. ألقى الرئيس جورج بوش الأب خطابه المنتظر الذي أعجب وحيَّر الجميع، وهو يأمل أن تخرج من (رعب الحروب لحظات ميلاد جديدة.. للسلام).. منادياً بإقامة سلام شامل للصراع العربي الإسرائيلي (يقوم على قراري مجلس الأمن 242، 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام)، فصدق العرب جميعاً، ومن بينهم الفلسطينيون الذين رأوا في الخطاب ملامح فجر جديد قد ينهي ليل احتلالهم الطويل، ثم جاء لقاء «مدريد» التاريخي.. وبدأت المفاوضات مع إسرائيل في واشنطن وتحت مظلة الوفد الأردني.. لأن الولايات المتحدة كانت حتى ذلك الوقت - كإسرائيل - لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ولا بالفلسطينيين الإرهابيين وممثليهم حتى وإن كانوا أساتذة يحملون درجات الدكتوراه من جامعات الولايات المتحدة نفسها كحنان عشراوي - في تلك المفاوضات التي جرت في ممرات الخارجية الأمريكية وليس في أي غرفة من غرف مبناها الضخم، ومع ذلك صبر الفلسطينيون.. على أمل أن يصلوا في النهاية إلى تلك القرارات التي تحدث عنها الرئيس بوش.. وإلى تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام، ومع بلوغ المحادثات شهرها الحادي عشر.. كان يتأكد للفلسطينيين أنهم لن يصلوا إلى أي شيء في خارجية «واشنطن»، لتبدأ نخبة من الأكاديميين والمحامين وبعض الساسة العقلاء.. حوارات في أحد فنادق العاصمة البريطانية «لندن» للبحث عن فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لتولد فكرة استكمال تلك الحوارات بين العقلاء من الجانبين في العاصمة النرويجية (أوسلو) وبسرية لا يعلم بها حتى المفاوضون الفلسطينيون في واشنطن، ليتم إنجاز (اتفاق أوسلو) بمراحله الثلاث في تسعة أشهر.. كان معها (حكم ذاتي لخمس سنوات، فانتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية، فبحث للمواضيع النهائية (الحدود واللاجئين والقدس) في الثلاث سنوات الأخيرة.. لتقوم بعدها الدولة الفلسطينية)، ولكن وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق (20-8-1993م).. كان لابد من إخطار «راعي» السلام الأمريكي الذي ما زال حديثه عن «إنهاء النزاع» والأرض مقابل السلام يدوي في آذان العالم.. مع البحث عن مخرج لهذا الإنجاز الذي تم من وراء ظهر «الراعي»، فكان الدكتور فاروق الباز.. جاهزاً بهذا «المخرج» بأن ما أنجز في أوسلو كان بإشراف ورعاية الولايات المتحدة، وهكذا أعيد التوقيع على الاتفاق ثانية في حديقة البيت الأبيض (في 23-9-1993م).. وكان الموقعان عليه هما شيمون بيريز (رئيس دولة إسرائيل.. الآن) ومحمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية الآن)..!!

لكن «أكذوبة» راعي السلام الأمريكي استمرت.. إلى أن جاءت المبادرة السعودية بكل ما يعنيه قدومها من دولة الحرمين الشريفين، فتبني قمة بيروت العربية لها عام 2002م.. لتسقط ورقة التوت عن أكذوبة راعي السلام الأمريكي.. الذي رفضها كما رفضتها إسرائيل من قبل، وهي تعلم كما يعلم الراعي الأمريكي.. بأنها لو عُرضت على «هيرتزوغ» أو «بن جوريون» أو «بيجن» لخروا ساجدين حمداً لله، إلا أن الراعي الأمريكي.. لم يخرج من القضية مع ذلك، بل قدم بديلا (حل الدولتين اللتان تعيشان جنباً إلى جنب في سلام)!! مع الإذن لإسرائيل بأن تقيم في أسرع وأقصر وقت ما تشاء من المستوطنات في أراضي الدولة الفلسطينية.. التي ستعيش معها جنباً إلى جنب في سلام!! فكان أن قادت تيمة هذا البديل، وسحرها العرب والفلسطينيين حباً أو كرهاً إلى مفاوضات غير مباشرة.. ف «مباشرة».. فأخرى غير مباشرة، وهكذا دواليك.. حتى يمضي من الوقت ما يتفق مع أجندة الراعي الأمريكي.. ليفاجئ الفلسطينيين برغبته المبهمة أو الصريحة في الانسحاب من «المفاوضات» أو «القضية» برمتها، التي أسعدت الكثيرين من العالمين بطبيعة الوجود الأمريكي في القضية، وأنه لم يمكن لحلها.. بقدر ما كان لإبقائها على ما هي عليه، وبما يمنحه وجوداً رفيعاً مبرراً في المنطقة.. لإدارة مصالحه والمصالح الإسرائيلية معاً، بينما أثارت تلك الرغبة الأمريكية قلق المتشائمين.. عندما يجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع السؤال الصعب عن «البديل».. ما هو؟

لقد جاء هذا «البديل» على لسان القيادي الفلسطيني الأسير - في سجون الاحتلال - مروان البرغوثي.. عندما دعا من سجنه في ليلة الاحتفال بالعام الميلادي الجديد إلى «إنهاء الاحتكار الأمريكي لملف القضية»، و»للمصالحة الفلسطينية»، و»بناء موقف عربي صلب»، و»تصعيد المقاومة الشعبية» و»بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية».

وإذا كان الطريق إلى هذا «البديل».. قد يبدو طويلاً شاقاً، فإن ل «الحرية» ثمنها الباهظ.. الذي دفعته معظم شعوب الأرض وأممها في سبيل استقلالها ورفاهها، ولن يكون عسيراً على الفلسطينيين دفعه!!

 

الخروج الأمريكي من «القضية».. بداية «الحَلْ»..!
د. عبد الله سليمان مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة