Wednesday  26/01/2011/2011 Issue 13999

الاربعاء 22 صفر 1432  العدد  13999

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بعيداً عن الاحتجاجات الشعبية التي تموجت في شوارع المدن التونسية حتى هدرت ب(ثورة الياسمين) التي وصلت العاصمة التونسية في أقل من شهر، وأطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي بعد حكم شمولي دام أكثر من 23 عاماً بطريقة حيرّت السياسيين وأذهلت المراقبين، وشكلت علامة

فارقة في التاريخ العربي المعاصر في دولة كانت بعيدة عن كل أنظار الدنيا واهتمام إعلامها المشغول بانفصال السودان والمحكمة الدولية في لبنان، أقول بعيداً عن تفاصيل هذه الثورة المجيدة، فالشعب التونسي قال كلمته بطريقة حضارية وسلوك واع، فلم يمارس العبث بالممتلكات، أو تخريب مؤسسات الدولة، ولم يلوّث وجه تونس بالدم من خلال القتل، لهذا لم يسقط رجل أمن في خضم الأحداث رغم سقوط ضحايا من الشعب.

بعيداً عن كل ذلك لابد أن يُدرك هذا الشعب الكبير أن المهم بالنسبة له قد تحقق وفق إرادته الحرة التي نسج خيوطها ورسم خطوطها بدمه الزكي واحترمتها الدول العربية والأجنبية، ولكن (الأهم) لم يتحقق بعد، بل هو في مخاض عسير من واقع استمرار المظاهرات الشعبية وتباين المواقف السياسية للأحزاب التونسية، ودخول دول غربية على خط الأحداث الجارية، فعليه أن يعي هدفه الاستراتيجي الذي يسعى إليه، بحيث لا ُتختطف ثمرة الثورة من أي طرف، إنما يكون همّه الرئيس دولة عصرية تضم كل أطياف الشعب، وتحقق القيم الإنسانية العليا (الحرية العدالة المساواة)، خصوصاً أن موقف المؤسسة العسكرية من كل ما جرى ويجري موقف يستحق الاحترام والإشادة والاستثمار للصالح العام، فخلافاً لكل التجارب العربية السابقة للدول التي عبثت فيها الانقلابات العسكرية أو ماجت فيها الثورات الشعبية، نجد هذه المؤسسة تنزل إلى الشارع وتحترم إرادة شعبها، ولم تستدرك حظها من كعكة السلطة من خلال الجيش، بحيث تصادر إنجاز الشعب وترسم منطقة نفوذها حول طاولة النظام أو سدة الحكم.

فمن مشاهدات الأحداث يبدو أن الجيش التونسي نزل إلى الشارع في مهمة محددة دون الانحياز للنظام مقابل الجماهير أو طرف ضد آخر، والمهمة حماية البلد من الانفلات الأمني أمام هدير الاحتجاجات، وتجنيب مؤسسات الدولة السقوط، فالثورة مهما كانت راشدة قد ينفلت عقالها فتتحول إلى فتنة ُتحرق الأخضر واليابس، خاصةً أن وتيرة الأحداث اليومية في تونس كانت ولا تزال تصطبغ بعنصر المفاجأة في كل منعطفاتها، فبين خطابات الرئيس بن علي ومغادرته الأراضي التونسية ساعات، جاءت حافلة بمفاجآت سريعة.. فرار رئيس.. فراغ دستور.. إعلان حكومة..نزول الجيش.. قدوم معارضة.. وغير ذلك.

أيضاً ينبغي لهذا الشعب أن ُيدرك دور (الإعلام) الحضاري في مسيرته الجديدة، فهذا سلاح خطير ذو حدين، سواءً في يد الأنظمة القائمة، أو أحزاب المعارضة، أو الجماهير الهادرة، فقد كان هذا الإعلام بالأمس صوت النظام السابق وعينه، واليوم هو من يكتب نهايته ويعلنها على الملأ بالصوت والصورة. فليكن دوره الحقيقي للواقع الجديد حضارياً، في تعزيز هامش الحرية المسئولة، ونشر المعلومة الصحيحة، وإشاعة الكلمة الطيبة وتكريس الحوار الجاد بين الجميع، الهادف إلى مواصلة بناء تونس الخضراء.

تبقى الإشارة إلى أن إقدام البعض في دول عربية كمصر والجزائر وموريتانيا وغيرها على إحراق نفسه على غرار ما فعله محمد البوعزيزي، الذي أشعل النار في نفسه فاشتعلت تونس بنيران الاحتجاجات، وهو فعل غير سوي من حيث المبدأ كونه تعريض النفس للأذى أو الموت، وعمل لا يستقيم مع الظروف الواقعية لكل بلد، ناهيك عن الموقف الشرعي الحاسم لهذه المسألة، فظروف البوعزيزي (رحمه الله تعالى) سواءً الشخصية أو العائلية، فضلاً عن الواقع التونسي لا يمكن أن تكون مماثلة لظروف الآخرين . والأفضل من إحراق الأنفس في إطار الاحتجاج كما يكررها البعض، إحياؤها بالعمل الصالح والعطاء الإنساني والمساهمة الحضارية.

Kanaan999@hotmail.com
 

ثورة الياسمين ومستقبل تونس !
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة