Monday  31/01/2011/2011 Issue 14004

الأثنين 27 صفر 1432  العدد  14004

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في أحد خطبه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا»..، ووزن النفس أو الذات دعوة للنقد الذاتي المبكر، وعلم النفس يدرس سلوك الكائن الحي، بوصفه يرغب ويندفع ويحسّ ويدرك ويفعل وينفعل ويتلاءم مع المحيط الخارجي..

في عهد الرومان كان يطلق على من يخالف الدولة الرومانية بأنه ارتكب جريمة «المساس بالذات المعظمة»، وعندما نشأ العهد الامبراطوري الروماني، أصبح مفهوم «المساس بالذات»، يعني أي شخص يخالف الامبراطور، وكان يعاقب بالحرمان من الأكل والشرب أو الحرق، وبعد انهيار الامبراطورية جاء عصر الإقطاع، وصارت الأراضي التي يملكها الولاة الاقطاعيون تمثل ذات الدولة، وأنهم حراس تلك الذات التي لا يمكن محاسبتها..

في تراث العرب القديم تمثلت ذات القبيلة في شيخها وزعيمها، وكان تبجيلهم له أمرا محمودا، بينما كان نقده أمرا مذموما، ولا يقدم عليه إلا عدو مبغض، يحارب وحدتها، ويهاجم مصدر قوتها، وفي عصور الإسلام ظهرت الفرق والملل والنحل، وصار تقديس رموزها ومبادئها أمراً ملزماً، وكل خارج عن ذلك يصبح ضالاً عن الطريق السوي، فصار الولاء للمذهب، كالولاء للعشيرة لا يقبل على الإطلاق أي تمرد من داخلها أو حتى محاولة نقد معرفي من أجل كشف تفاصيل منهجها..

كان تقاطع تلك الولاءات أحد أهم أسباب صعود الدولة وسقوطها على مر عصور التاريخ الإسلامي.، ولا تزال تلك المفاهيم متداخلة في مفاهيم العصر العربي الحديث، فالدولة أو الوطن تخترقه يمنة وشمالاً، ذوات القبائل وشخوص المذاهب والفرق، وتقلل من وضوح حدوده ولاءاتهما المتعددة.

بعد الثورة الفرنسية راح فلاسفة الفكر الإنساني في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يقدمون الذات بمفهومها الاجتماعي، على أنها الدولة بكونها ظاهرة اجتماعية حديثة، ومحيط متكامل للتعامل والتواصل بين أفراد المجتمع، وأن أي مساس بها يعتبر خيانة للوطن وخروجاً عن وحدته، وكان هذا التطور في ذلك الزمن فيه تجاوز لولاءات العرق والقبيلة والدين. تطور مفهوم النفس أو الذات عبر العصور المتأخرة، ليشمل المجتمع أوالوطن، فصار ينظر الى الشعوب على أنها كائن حي متكامل، لا يختلف جوهرياً عن أي كائن حي آخر، تكمن فيه انفعالات وأحاسيس ورغبات وقدرات تحاول جاهدة ان تتلاءم مع محيطها الخارجي، وأحياناً تخرج منه مشاعر، وتحدث تأثيرات إيجابية أو سلبية..، وأصبح هناك علم يعنى بدراسة أحوال المجتمع الثقافية والاقتصادية والسياسية وانفعالاته وصعوده ومنحنيات سقوطه..

إلى وقت قريب كان الإنسان المسلم أو العربي يتصادم مع وطنه لأجل أهداف أخرى مثل الأمة أو العروبة، وبالتالي قد يتصرف أحياناً بطرق عنيفة ضد مصالح وطنه، وفي أحيان أخرى قد يرى أن مبادئه الدينية تأمره لمحاربة وطنه وكان ذلك ولا زال الخطر والتحدي الذي يهدد المفاهيم العصرية الجديدة للدولة، لتخرج الاطروحات الثقافية المضادة وتطالب بتقديم الوطنية على الأممية والقومية، وأن يعمل المواطن من خلال علاقات الحقوق والواجبات بين الدولة والأفراد..لأنها كفيلة بتحقيق التوازن الوصول إلى هدف سمو ولاء الوطن فوق ولاءات القبيلة والمذهب.

ما يحدث مؤخرا في بعض البلاد العربية هو في حقيقة الأمر استجابة في غاية التطرف لأطروحات الوطنية، وأن الوطن يأتي أولاً، فما حدث من طرح ثقافي مضاد للتطرف الديني والقومي وتقاطعه مع الولاء للوطن وصل لرجل الشارع وظهر ذلك في استجابته غير المتوقعة لنداءات الوطنية ضد الأممية الدينية أو القومية، فكان الخروج الكبير إلى الشارع ضد الذين يعملون ضد الذات الوطنية حسب فهم المواطن البسيط.

خلاصة الأمر أن الوطن وصل لمرحلة الذات عند العربي، وصار النقد الذاتي فرس رهان المرحلة، وهو منهج إيجابي يستهدف رصد السلبيات ثم السعي نحو تحويلها إلى إيجابيات، أو تحجيم الأضرار التي تظهر بسببها، ثم حصرها في أضيق نطاق ممكن، لكن تظل قبل ذلك المعرفة وتوثيق المعلومات الصحيحة الوسيلة الأهم، فمعرفة المجتمع ومشكلاته فيه احترام وتقدير لذات الوطن.، وفيها اكتمال في وعي الإنسان والمجتمع والدولة، يليها مرحلة وزن الهفوات والأخطاء ثم تصحيحها من أجل مستقبل أكثر استقراراً.

 

بين الكلمات
الوطن والنقد الذاتي..
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة