Monday  31/01/2011/2011 Issue 14004

الأثنين 27 صفر 1432  العدد  14004

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

يشتكي بعض الأبناء من شح وبخل آبائهم حينما يكون الأب ميسور الحال والأبناء يعانون لوعة الفقر وشغف العيش، بل ربما يمدون أيديهم للغير من الحاجة وقد يكونون أحسن حالاً من ذلك لكنهم من ذوي الدخل المحدود الذين لا يملكون سكناً وقد أثقلهم الإيجار السنوي تحت طمع وجشع ملاك العقار.. فأقول للآباء الأغنياء الذين هذه حال أبنائهم: اتقوا الله في أنفسكم وفي من تحت أيديكم ممن ولاكم الله أمرهم وجعلكم مسؤولون عن رعايتهم، كيف ترضى أيها الأب أن تعيش في رغد من العيش وسعة من المال وأبناؤك عالة يتكففون الناس، أو (تحسبهم أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا)، ألم تعلم أن المال مال الله، ومن شكر هذه النعمة معرفة حق الله فيه، والإنفاق منه في وجوه الخير، وأولى الناس بهذا الإنفاق هم أولادك الذين هم زينة الحياة الدنيا، وحاجتهم إليك لا تنتهي بالنفقة عليهم في الصغر، فقد يظن بعض الآباء أن الابن إذا كبر وتزوج واستقل بنفسه انتهت مسؤوليته ولا حق لابنه عليه وتركه يعتمد على نفسه في مواجهة تكاليف الحياة ويعاني من الفقر والمسكنة.

هذا فهم خاطئ ويتعارض مع وصية الله لنا في أولادنا، وأن نجعلهم أغنياء خير من أن نجعلهم في ضيق ومعاناة بسبب قلة ذات اليد.

إني لأعجب من أب يملك ملايين الريالات وأبناؤه لا يجدون كفايتهم، ألا يعلم هذا الأب أنه بمثابة الحارس الأمين لهذا المال حتى يتوفاه الله ثم تعود تلك الأموال إلى ورثته من أبنائه وغيرهم كما قسم الله، إذا كانت هذه هي الحقيقة فلم لا يبادر الأب بأن يكسب رضا الله سبحانه وتعالى أولاً ثم رضا أبنائه فينفعهم في حياته ويقسم جزءاً من المال بينهم بالتساوي بحيث يستطيع كل ابن سداد ديونه وشراء حاجاته الضرورية، أو يقوم بالمتاجرة بهذا المال ليعيش من كسبه، ويكون الأب بهذا التصرف كسب ود أبنائه وحقق لهم مطالبهم في الحياة وحفظهم من سؤال الناس، ورفع من معنوياتهم، وسيكون لذلك أثر كبير في زيادة برهم بأبيهم، وفي ذلك - أيضاً - حفظ للأسرة من الضياع وصيانة لعرض الأب من الهمز واللمز، إذ كيف يعيش في سعة من المال وأولاده في حرج وضيق.

ما أجمل أن نسمع في مجتمعنا عطية الأولاد العادلة في كل أسرة في حياة الأبوين تفوح منها رائحة المودة والرحمة، فبدل أن يتحمل الابن إيجار السكن وأقساط السيارة وتبعات الزواج يدفع ذلك كله من عطية أبيه له، من المال الذي مآله إليه في المستقبل. فمن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، فكيف إذا كان هذا المسلم أحد أولادك.

إنها حقيقة غفل عنها كثير من الآباء، بسبب ضعف النفس وحب الذات وغلبة الشح وضعف الشعور بالمسؤولية، والتفكك الأسري الذي تعاني منه أغلب الأسر.

جلست ذات يوم عند رجل يعد من رجال الأعمال الموسرين فجرى الحديث بيننا في مشاكل الحياة من غلاء المهور وغلاء السكن والمعيشة والفراغ لدى بعض الشباب، فقلت له: لو أن كل رجل مثلك ينفع الشباب ويعينهم على تحمل المسؤولية وشق طريقهم في الحياة لقضينا على كثير من تلك المشاكل، وذكرته بقول الرسول - صلى لله عليه وسلم -: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) وأحق الناس بذلك هم أبناؤك، فسألته عن أبنائه فعرفت أنهم من ذوي الدخل المحدود جداً ويسكنون بالإيجار ولديهم سيارات بالتقسيط، فقلت: سبحان الله كيف يكون ذلك وأنت أبوهم، هم اليوم أحوج ما يكون إلى عطفك ومساعدتك، ومتى أعنتهم في حياتك فلك الفضل عليهم بعد فضل الله، أما بعد وفاتك فلا فضل لك عليهم، والفضل كله لله الذي ملكهم أموالك بالإرث بلا منة من أحد، فدخلت الموعظة في قلبه، وكان له ثلاثة أبناء فقط فحرر لكل واحد منهم شيكاً بمبلغ (300) ألف ريال وطلب منهم السماح عما حصل منه من تقصير في جانبهم، ووعدهم بمتابعة أحوالهم في المستقبل.

هكذا ينبغي أن تكون علاقة الأب بأبنائه بعيداً عن البخل والأنانية، وهكذا ينبغي أن تكون كل أسرة على قدر كبير من التلاحم والتعاطف والشعور بالمسؤولية، إذ لو سلك هذا المسلك كل أب موسر لتوصلنا إلى حل معاناة شريحة كبيرة من شرائح المجتمع المحتاجة.

فعلى كل أب أنعم الله عليه بنعمة المال أن يراعي هذا الجانب، ولا يجعل أبناءه عالة على غيرهم، أو لقمة سائغة للديون البنكية التي أثقلت كاهل كثير من شبابنا اليوم، تحت وطأة ما يسمى بالقرض المريح.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

- المعهد العالي للقضاء

 

عطية الأولاد.. همسة في أذن كل أب ميسور الحال
د. إبراهيم بن ناصر الحمود

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة