Wednesday  02/02/2011/2011 Issue 14006

الاربعاء 29 صفر 1432  العدد  14006

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

 

«فحَلَّ بغير جارميه العقاب» رسالة إلى إدارة المرور مع التحية
بقلم د. راشد المبارك

 

رجوع

 

من الأمور التي يجب أن تُذكرفتشكر تنبيه مسؤول إلى خلل في دائرة مسؤوليته فيُصلح أو يلحظ نقصاً في أداء من توكل إليهم هذه المسؤولية فيُسد، وغني عن القول أن هذا التنبيه والمراقبة يكونان جهداً محموداً متى كانت المعالجة نافعة لا ضارة وعادلة

ليس فيها مظلمة أو تكون - في أقل حالاتها وأدنى درجاتها - تحمل من النفع أكثر مما تنطوي عليه من الضرر، أما إذا جاءت على عكس ذلك أو كانت المعالجة لا تجدي في إزالة الشكوى والقضاء على أسباب حدوثها فحينئذ يكون ما اتُخذ العلاج الذي هو أسوأ من المرض، والذي أخشاه أن ما تم من إجراء قامت به إدارة المرور في المدة الأخيرة أوما كُلِّفت بتنفيذه وهو إجراء ظنته معالجة لمشكلةكبيرة طالما اشتكى الناس منها وعانوا من كثرة وتكرر حدوثها وهي حوادث المرور التي بلغت حداً يسبب الفزع.

إن الفرد منا يسافر إلى كثير من الدول المتقدمة في أنظمتها وإدارتها ومعالجتها لما تتوقع أن تتعرض له فتمر عليه الأيام لا يشاهد فيها حادثاً واحداً وقد يقيم أسابيع أو شهوراً فيها لا يرى من الحوادث إلا القليل، على أن الحال لدينا أنه قل أن يخرج فرد لعمله أو لزيارة صديق أو قضاء حاجة ويعود إلى منزله دون أن يُصدم بمشاهدة حادث أو أكثر في الرحلة الواحدة داخل المدينة الواحدة، ومن المظنون أنه لو كانت الحوادث مما يُعتز به لجاز لنا دخول سجل السبق الذي تصدره موسوعة Guinness لنحظى بقصب السبق، يحدث ذلك لا لأن شوارع مدننا أضيق من شوارع المدن الأخرى ولا لأن هذه المدن أكثر من سواها سكاناً ولكن حدث ذلك ويحدث بسبب قد يصعب على علماء النفس والاجتماع تسويغه أو تفسيره، وهذا السبب أن السيارة لدينا لا تزال هي الوسيلة الأولى والأخيرة للانتقال (وهذا أمر يحتاج إلى وقفة أخرى إن شاء الله).

لمعالجة تلك الحالة لم يجد المسؤولون سوى وسيلة لم يبتكروها ولكنهم استوردوها وهي ما أسموه (نظام ساهر) لكي يقوم برصد وتسجيل مخالفات السير، وإدارة المرور من أكثر الإدارات صلة بالناس وتعاملاً مباشراً معهم، ولذلك فإن أي عمل تقوم به سيكون ذا أثركبير من حيث نفعه أو ضرره، وإذا كان من المؤكد أن ما قامت به إدارة المرور أو ما كُلفوا به جاء عن حسن قصد إلا أن ليس كل مجتهد مصيباً، وإذا كان لهم أن يشكروا على حسن القصد فإن من المنتظر تقبلهم النقد على الخطأ في إصابته.

من المؤكد أن هذا النظام شيء ذو تحمل لا يكل وصبر لا يمل وعمل لا يتوقف ويقظة لا تنام، إنه لا يكل ولا يمل ولا ينام، ولكن الإخوة نسوا أن يضيفوا إلى فضائله فضيلة أخرى وهي أنه أيضاً لا يعقل، وإذا كان من الصعب أن يفترض المرء أن يغيب عن فطنة من اقترح هذه الوسيلة التي لو كانت ملائمة في بلادنا فيها الإدارة الحازمة والنظام الصارم، وأهم من ذلك كله أن ليس نصف من يقوم بقيادة السيارة لديهم - إن لم يكن أكثر - غير المالكين لها بل كل فرد - رجل أو امرأة - يملك سيارته ويقودها فلن تكون هذه الوسيلة صالحة في بلد نصف أو ثلثا من يقود السيارات فيه ليسوا مالكيها بل هم ممن استقدموا من كل أطراف الأرض لضرورة اقتضاها إلزامنا أنفسنا ب(لزوم ما لا يلزم)، كيف لم يدرك من اقترح هذه الوسيلة أن هذا الساهر غير الماهر سيلتقط رقم سيارة وهو دقيق في ذلك وصادق من جهة أنه سيبين وقت وتاريخ المخالفة، ولكن المشكلة أن هذه المخالفة ستوجه إلى من يملك السيارة لا إلى من يقودها، والمالك في هذه الحالة سيقع في مأزقين أحلاهما مر، إما أن يتحمل مجازاة على جناية لم يقترفها وهذا أمر ليس نوعاً من العدالة جديداً ولكنه مع ذلك لا يحقق الغاية وهي ردع الجاني إذ لم يلحقه أذى، والاحتمال الثاني وهو أمرُّ من الأول ان الكافل سيحمِّلُ مكفوله جزاء مخالفته، وهنا إذا أمكن أن يتحمل هذا المكفول مرة فإنه لن يتحملها مرات إذ إن الغرامة قد تستغرق كل أو جُلّ راتبه - غير المحسود عليه - وهنا ليس أمام هذا المكفول إلا ترك العمل بالاستقالة من كافله أو الهروب منه وبذلك تكون هذه المعالجة (الذكية جداً) حققت المقولة القديمة عن المسعى غير الرشيد الذي لم يقطع صاحبه أرضاً ولم يبق راحلة (المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) فهل هذا الأمر من خفائه وصعوبة إدراكه بحيث يكون من المحتمل أنه خفي على من اقترحه أو تبناه، وإذا كان هناك شيء يسوغ ما اتخذ ويخفى على ذوي الإدراك العادي من عباد الله أفلم يكون من الأولى أن يظهر هذا الأمرحتى يفهم ومن ثم يعذر مقترحه ومتبنيه.

إلى جانب هذا الخطأ الذي يبدو جسيماً هناك ثغرات أخرى في هذا النظام أولها ارتفاع الجزاء وأشد من ذلك مضاعفة مقداره لو تأخر دفعه يوماً واحداً عن الحد الذي وضع له، وثانيها أنه لم يسبق تنفيذ هذا النظام إعلام كاف عنه يبين مفرداته ودواعيه، وثالثها أن السرعة المأذون بها في الشارع الواحد، بل في مسافة منه لا تزيد عن بضعة كيلومترات تتغير أكثر من مرة، وإذا كان من الممكن أن يقال: إن بعض الشوارع توجد في أماكن منها اختناقات توجب تقليل السرعة - وهذا أمر مشهود - ولكن ألا يكون من الأفضل أن تقلل السرعة في الشارع بأكمله ما دامت المسافة فيه ليست مئات، بل ولا عشرات الكيلومترات فيكون ذلك أولى من إبقاء السائق متوتر الأعصاب ملاحقاً بعينيه اللوحات المحددة للسرعة لا يدري متى يتغير مقدارها، وهذا مما يصرف انتباهه للطريق بسبب هذه الملاحقة. يأتي بعد ذلك وقبله السؤال المهم وهو أليس هناك وسيلة أفضل وأفعل لمعالجة أمر يتعلق بحياة الناس وسلامتهم، لماذا استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، لماذا استبدلوا الراصد غير العاقل بالراصد العاقل وهو رجل المرور، وإذا كان الواجب الذي يردد غالباً أن ليس هناك من أفراد المرور من يكفي للقيام بهذه المهمة في الوقت الحاضر فهل من المتعذر زيادة عدد رجال المرور ورفع كفاءتهم بتزويدهم بما يعينهم على عملهم من الوسائل.

الشكوى الدائمة من البطالة وما يستتبعها من عوز أمر تسيل به الصحف ويتكرر على الألسن وتتحدث به وسائل الإعلام ونحن لسنا أكثر الناس عدداً ولا أقلهم مصادر ثروة، وزيادة عدد موظفي الدولة في مواضع الحاجة أمر لا يجوز التردد في اتخاذه.

إذا كان الراصد رجل المرور لا آلة تصوير فإنه يستطيع إذا كان السائق من المستقدمين أن يبلغ كافله ويقتاد ذلك السائق للتوقيف مدة أيام ثلاثة أو نحوها، وهذا الإجراء وحده كفيل بأن يردع هذا الصنف من المخالفين ولا ينزل العقوبة بغير الجاني، ومن المرجح أن الإعلان عن بعض حالات من العقوبة كفيلة بردع الآخرين، أما إذا كان قائد السيارة هو مالكها من المواطنين أو سواهم فتؤخذ منه الغرامة التي غايتها الحماية لا الجباية.

أما مجيء هذا النظام وتطبيقه بالصورة التي هو عليها فإنه يصلح أن يكون شرحاً وتصويراً لقول الأول:

غيري جنى وأنا المؤاخذ فيكم

فكأنني سبابة المتندم

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة