Thursday  03/02/2011/2011 Issue 14007

الخميس 30 صفر 1432  العدد  14007

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كانت جزيرة العرب مركز طرد للسكان منذ الفتح الإسلامي، ولم تتحول إلى مركز جذب إلا في العقود المتأخرة، بسبب توفر الأمن، واكتشاف النفط، وكانت الأمم المتحدة تقدر نسبة سكان البوادي والأرياف في المملكة إلى ما قبل أربعين سنة بأكثر من 80 % وكان السكان في تلك الفترة،

رغم فقرهم وحاجتهم، ينتجون معظم ما يحتاجون إليه من غذاء، وبمرور الأيام توافد الناس على المدن والمراكز الحضرية، وتعطل الكثير من المزارع وتناقصت كميات الإنتاج الزراعي، وتناقصت أعداد الثروة الحيوانية، وعُكست نسبة السكان فأصبح 80 % تقريباً يعيشون في المدن والمراكز الحضرية، بدلا من الأرياف والبوادي، وتحولت الأسر من أسر منتجة إلى أسر مستهلكة، وأصبح الاستهلاك غير رشيد عند نسبة غير قليلة من السكان، يشاهد ذلك في استهلاك الغذاء الذي يذهب ما يقارب 40 % منه إلى صناديق النفايات، ونشاهد ذلك في اللباس، وقد تجاوزت بعض فئات المجتمع حدود شكر النعم في هذا الجانب، فأصبحت المرأة في بعض الحفلات تغير فساتينها عدة مرات في الليلة الواحدة، وكأنها في حفل لعرض الأزياء، وبعض أولئك النسوة أدركن جزءاً من زمن الفاقة والحاجة، وبعضهن كن يلبسن ثياباً مرقعة، وهذا ليس عيباً فقد لبسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن العيب أن ننسى ذلك وأن نكفر بالنعم، وعندما نتمعن في أوضاعنا نجد أن طعامنا ولباسنا والأدوات التي نستخدمها تأتينا من الخارج إلا ما ندر منها، ونحن نعتمد في اقتصادنا على ثروة ناضبة لا محالة، ويمكن أن يوجد لها بديل في المستقبل القريب أو البعيد، ولهذا كله فإننا مهددون بخيانة الرخاء أكثر من غيرنا، وهذا يوجب علينا أن نفكر بعمق، وجد في المستقبل، وما يقتضيه من تخطيط واحتياطات، وفي تصوري المتواضع أن مستقبلنا في هذه البلاد الكريمة يعتمد - بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى - على ثلاثة عناصر رئيسة، الأول يتمثل في العنصر البشري والاستثمار فيه، وتنمية قدراته وإمكاناته، وتحويله من عنصر مستهلك إلى عنصر منتج، وهناك علماء ومفكرون جعلوا قوة اقتصاد الدولة ليس فيما تملكه من معادن نفيسة وثروات طبيعة غير متجددة، ولكن في فعالية الشعب وقوته الإنتاجية، وفي مقدمتهم ابن خلدون، وآدم سمث، ولقد أثبتت التجارب والأيام صحة هذا الرأي، فاليابان وألمانيا خرجتا من تحت الأنقاض في الحرب العالمية الثانية، وأعادتا بناء الحياة والاقتصاد والمدن والمصانع، واستطاعتا أن تنتصرا في المعركة التنافسية في ميدان الاقتصاد والإنتاج، وما ذلك إلا لأن الشعب كان شعباً مدرباً ومنضبطاً ومنتجاً، وما نشاهده من حال شبابنا وتراخيهم، وعدم جدية معظمهم لا يجعلنا نتفاءل بأننا نستطيع أن ننافس بهم، ولهذا لابد من الاهتمام بهذا البعد، ووضع الخطط لاستخراج طاقات الشباب وفعالياتهم في البناء والإنتاج والعمل الجاد والانضباط، أما البعد الثاني الذي يجب أن نركز عليه فهو متعلق بالبعد الأول ومتصل به، وهو التركيز على إعطاء القطاع الخاص الفرصة الكاملة لتولي عملية الإنتاج، وتدريب الكوادر الوطنية، واستخراج طاقاتها الكامنة، بدلا من هذا الركود والتراخي، إن جميع الدول المتقدمة تعتمد على القطاع الخاص في اقتصاداتها وإنتاجها، والدولة تقوم بعملية التنظيم والمراقبة، وسن القوانين، وتسهيل الإجراءات، وحفظ النظام، وإقامة العدل، ومحاربة الفساد، إن الشاب السعودي الذي يعمل في القطاع الخاص ينتج أضعاف ما ينتج زميله في القطاع العام، إننا نملك ميزة نسبية في مجال النفط والغاز، ولكن توزيع الغاز عندنا ربما كان الأسوأ في العالم لأن القطاع العام يتولاه، وفي المقابل لا نملك أي مؤشرات لميزة نسبية في إنتاج الألبان، فالأمطار والمراعي قليلة، ولا يوجد أنهار ولا بحيرات في بلادنا، ولكن إنتاج الألبان عندنا ربما كان الأفضل في العالم العربي، وكانت الاتصالات عندنا سيئة إلى أن تولاها القطاع الخاص، فأصبحت ميسرة، والحصول عليها سهل، وتقدم بكفاءة وتنافسية عالية، أما المجال الثالث الذي يجب أن نركز عليه، وأن نستغل جزءا كبيرا من الثروة في تطويره فيتمثل في تحلية مياه البحر، فإذا نجحنا في إنتاجها بكميات تجارية وكبيرة، وبطرق غير مكلفة ماديا فإن بلادنا تستطيع أن تؤمن الغذاء لأعداد كبيرة من البشر، ونحن نعلم أن نسبة كبيرة من الصناعات تعتمد على الزراعة، فضلا عن أن الزراعة تمثل العنصر الوحيد لتوفير الأمن الغذائي الذي يعتبر من أهم إن لم يكن أهم جوانب الأمن، وهناك ميزة أخرى في البحار غير تحلية مياهها وتتمثل في استغلال أسماكها بكفاءة عالية، وبناء مفاقس على شواطئ المملكة التي تزيد أطوالها عن ألفي كيلومتر، وقد نجح مشروع الراجحي لإنتاج الربيان بكميات تجارية في محافظة الليث، وأصبح جزء كبير منه يُصدر إلى خارج المملكة، وتعتبر الثروة السمكية من أكبر مصادر دخل اليابان، فهناك سفن تقوم بصيد الأسماك في المحيطات، وتقوم بتنظيفها وتعليبها، وتصديرها من هناك، إننا إذا لم نخطط للمستقبل بجدية، وحزم، وصرامة، وإذا لم نتكاتف ونتعاون، ونحافظ على أمننا واستقرارنا ووحدتنا، فسوف نعاني من خيانة الرخاء في يوم ما، ولاة ساعة مندم، ويجب علينا شكر نعم الله، واستخدامها استخداما رشيداً وعاقلاً، وأن نتذكر دائما قوله سبحانه: ?وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ? (112) سورة النحل.

أدام الله على الجميع الأمن والرخاء والاستقرار ورزقنا شكر النعم وحفظها.

- رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام

zahrani111@yahoo.com
 

كيف نواجه خيانة الرخاء
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة