Friday  04/02/2011/2011 Issue 14008

الجمعة 01 ربيع الأول 1432  العدد  14008

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

العدالة مفردة فائقة الجمال في عالم التنظير والأحلام، قيمة عليا سامية هبطت من عالم المُثُل إلى العالم المحسوس، نجيد سبر أغوار فلسفتها، ونبدع في تخريج تعريفاتها واستنطاق مفاهيمها، نتفق عليها اصطلاحاً ونتحسر عليها اختلافاً، نزخرف مبادئها وننمقها وننقشها في عقول الناس؛ لينطلقوا في الحياة بأمان مزيف توفره لهم أحلام العدالة وأوهامها.

تبدأ العدالة بالمساواة في توزيع كسرة الخبز ورغيف العيش وجالون الماء، ولا تنتهي بكفالة حقوق التعليم والوظيفة والرفاهية الاجتماعية بل تتوج عطاءاتها باحترام آدمية الفرد وحريته في الرأي وحقه في المشاركة.. تلك هي هرمية العدالة، كلما تصاعدت فيها الأُمَّة كانت أقرب لأن تكون أُمَّة متحضرة.

العدالة حُلْم أي إنسان على وجه الأرض يسعى جاهداً طيلة حياته في البحث عنها والفوز بأنصافها إلا أنها للغني أقرب منها للفقير، وللقوي أرجى منها للضعيف، والقريب أولى بها من البعيد..

في بلدان كثيرة تجاهد شعوب مسحوقة للحصول على الماء ورغيف العيش ومساحة لا تزيد على بضعة أمتار للسكنى وقليل من الألواح الخشبية يكتب عليها الأطفال حروف بداياتهم مع التعليم التقليدي، وتستنجد بالعدالة لإنصافها وانتزاع حقوقها من حكوماتها الفقيرة البائسة التي لا تملك لها حولاً ولا قوة.

تظهر العدالة في أزمنة تمرير الأجندات وإلهاء الشعوب ولفت الأنظار، يرفعها أصحاب المصالح والنفعيون، ويتباكون على غيابها في وسائل غير مكشوفة لكسب تأييد الآلاف من المسحوقين والمحرومين، حتى الجلادون والطغاة يذرفون عليها دموع التماسيح.

العدالة بطبيعتها وفطرتها كما خلقها الله لا تميل، لكن الإنسان قد يطوعها كما يريد إذا كانت بيده سلطة، ينحرها ويزهق روحها مسؤول جائر إذا تعارضت مع رغباته وأهوائه فلا ينصف موظفيه بحرمانهم من حقوقهم، ويسمح بتفشي الواسطات والمحسوبيات، ولا يتورع عن كسر الأنظمة، ويستخف بها زوج ظالم يقهر زوجته ولا يساوي بين أبنائه، وتنهشها مخالب الظلم والفساد والأطماع الشخصية.

تبحث المرأة التي تجاهد وتكابد في الحياة من أجل لقمة العيش والستر عن العدالة عند أهل الفتوى لإنصافها وتمكينها من العمل الشريف، لكن عدالتهم تكشر عن أنيابها لتطردها بائعة على الرصيف وتنصر عليها الذكر البنغالي؛ لأنها حسب وجهة نظر تلك العدالة مفتاح الشر ومصدر الفتنة.

بغياب العدالة بمعاييرها التي لا تعترف إلا بالأحق والأكفأ والأجدر لن تجد وظيفة تؤمِّن لك معاشك في الحياة، ولا بضعة أمتار من الأرض تتوارى بها مع أسرتك عن أنظار الناس وفضولهم، ولا علاجاً في مستشفى حتى ولو كنت أكثر خلق الله احتياجاً، لن ترحمك كاميرات العم ساهر التي جاءت في غير زمانها؛ لتأتي على بقية من وريقات نقدية من معزتها عندنا نحسبها ونعدها بكل حرص عند طلوع الشمس وعند غروبها وأيدينا ترتعش من الخوف عليها من سطوة ساهر الذي لا يرحم.

حماية العدالة لا تكون إلا بفرض القوانين والأنظمة على الجميع؛ فالكل تحت القانون؛ فالاقتصار على فئات محددة من المجتمع وإرغامها على احترام القوانين دون فئات أخرى تنفرد بمزايا الجاه والسلطة والمال والنفوذ يفرغ العدالة من قيمتها الإنسانية والاجتماعية والحقوقية.

العدالة ببساطة تتمثل في وقوف الناس سواسية أمام الشرع والقانون. ما حدث في تونس، وما يجري في مصر ما هو إلا بحث مستميت عن العدالة الغائبة.

 

مسارات
البحث عن العدالة
د. عبد الرحمن الشلاش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة