Friday  04/02/2011/2011 Issue 14008

الجمعة 01 ربيع الأول 1432  العدد  14008

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

حقن العبقرية
محمد الفقيه

رجوع

 

استقبله مدير المستشفى في الجناح الوثير بعد أن أرسل لذويه مقدما لهم خدمات المستشفى المجانية بالدرجة الممتازة مقابل طلب واحد، بعد أن يتوفاه الله بعد عمر طويل.

ومع كون الطلب بدا غريبا من نوعه لأول وهلة فقد وافق ذووه على ذلك العرض لتوفير المصاريف الباهظة لهذه العناية المميزة من جهة، ولما رأوا واقتنعوا في هذا العرض الغريب باستمرار آثاره ومآثره بعد وفاته فيبقى بينهم حيا بذكراه، مما ينتقل من نبوغه وعبقريته للأعلام والمشاهير داخل وطنه وخارجه في شتى الاتجاهات والتخصصات، لما يتمتع به من نبوغ وعبقرية في مجالات عدة، وما قام به من اكتشافات فذة وفريدة، تركت بصمات واضحة وآثارا جلية لجميع الباحثين والمختصين، فهو يعتبر بحق ثورة ثقافية وثروة وطنية وموسوعة علمية، ورائد اكتشافات طبية واختراعات نووية.

إنه موسوعة مميزة وفريدة، جمعت تخصصات متعددة من علم وطب وهندسة وأدب وفلسفة...... وغيرها، ليس له منافس علمي من عصور عديدة داخل الوطن ولا حتى خارجه.

رجح الظن في خلد ذويه وأقربائه بداية أن المقصود ببقائه حيا بينهم بآثاره ومآثره، يكون بتوزيع كتبه ونسخ أبحاثه وتسجيل ندواته وتعميم محاضراته ونشر اكتشافاته، والتعريف باختراعاته وابتكاراته، لكن مدير المستشفى أوضح لهم بأنه يفكر بطريقة أخرى أبعد من ذلك بكثير، تحقق له خلودا أطول، وانجازاته ستبقى متواصلة، واختراعاته مستمرة لن تتوقف، والاكتشافات العلمية بسببه ستفاجئ الجميع حتى بعد وفاته !

ولما أسرّ لهم موضحا ذلك بما يفكر به من استخلاص وتصنيع حقن وكبسولات العبقرية من دماغه المميز والفريد من نوعه، وتوزيعها بأسعار تشجيعية على المشاهير والنابغين من أبناء الوطن والعالم، فإن ذلك سيكون بمثابة توريث حقيقي لنبوغه وعبقريته الفريدة وعلمه المميز، وبعد أن عقدت الدهشة والحيرة ألسنتهم لهذا العرض الغريب والمفاجئ،إلا أنهم أبدوا موافقتهم أخيرا بعد قليل من التردد،وبعد أن اشترطوا نسبة من الموارد المالية من هذه الحقن والكبسولات الطبية، ثم استحسنوا هذا الأمر بعد ذلك، لا بل تحمسوا له وشجعوا عليه بشدة !

وبعد أن تردت به الأوضاع الصحية في المستشفى وساءت - أو أساءوها - وأصبح تحت العناية المركزة ينتظر الموت البطيء، بعد أن غاب في سبات عميق وأضحت حياته من تنفسه ودقات قلبه تحت رحمة هذه الأجهزة المحيطة به.

أرسل مدير المستشفى رسائل خاصة بالبريد الإلكتروني عبر الحاسبات الألية (الكومبيوترات) إلى جميع المشاهير داخل الوطن وخارجه من رجال أعمال وأثرياء مشهورين، وأطباء ومهندسين، وعلماء وفنانين، وكتاب وباحثين و....... عن بيع حقن وكبسولات العبقرية بأسعار تشجيعية.

وما إن سكنت دقات قلبه وتوقف تنفسه - أو أوقف - تحت الأجهزة الطبية، حتى أسرع المختصون بتشكيل فريق طبي واستخرجوا دماغه، وبعد أن صوروه وقاسوا حجمه ووزنوه، ودرسوا كل تفاصيله وشكله وأعداد فصوصه وتلافيفه، قاموا بأبحاث التشريح الداخلية فشطروه إلى قسمين متناظرين، أودعوا قسمه الشمالي في مواد حافظة لأبحاث المستقبل أو الاحتفاظ به لتشريف كبار الباحثين والعلماء بالاطلاع عليه من خلال الأحواض الزجاجية داخل المواد الحافظة في المتحف الوطني، إن لم يتم تأجيره للمتاحف العالمية !.

ثم أجروا جميع أبحاثهم التشريحية على الشطر الأيمن وسجلوا النتائج واحتفظوا بنسخ منها لتباع في المستقبل لمراكز البحوث الطبية والتشريح، وأخيرا أخذوا هذا القسم وحولوه إلى المختبرات الطبية فسحقوه وأذابوه وأضافوا إليه وعالجوه، ثم تم تحويله إلى كبسولات وحبوب أو حقن وريدية من عيارات قيراطية مختلفة الحجم والتأثير أو القوة والتركيز، تبدأ بالقيراط وتنتهي بالمائة، وحددوا السعر مائة درهم للقيراط الواحد عدا أجور الشحن والجمارك والضرائب وغيرها، وأسموها جرعات النبوغ والعبقرية.

الغريب في الأمر أن الذين تناولوا هذه القراريط العبقرية من حقن أو حبوب أو كبسولات، لم تتطور عقولهم ولم يقم أحد منهم باكتشاف فذ أو اختراع جديد، والملفت للنظر إن أكثر الذين تشجعو او أقبلوا على شراء هذه العقارات العبقرية كانوا من رجال الأعمال والمشاهير من متوسطي الذكاء والقدرات العقلية المتواضعة، بل كان تأثيره على البعض سلبيا فقد أودى ببعض الأدعياء منهم من أنصاف المتعلمين وعشاق الشهرة والزعامة إلى الهلوسة والجنون!.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة