Monday  07/02/2011/2011 Issue 14011

الأثنين 04 ربيع الأول 1432  العدد  14011

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يمكن اعتبار الاحتجاجات في الشارع المصري هي ثورة من نوع غير مسبوق حيث إنها ثورة بلا تيار أو حركة سياسية أو حزب أو رمز أو قائد، بل يقودها الشارع الذي شكله الشباب عبر شبكة التواصل الإلكتروني.

الشارع الشبابي هو رأس الثورة.. فكيف تتعامل معه الحكومة؟ كيف تعرف وجهته وكيف تحتويه؟ تزايد على من وتتنازل لمن؟ بمن تبتدئ وبمن تنتهي؟ كيف تستقطبه أو تحجمه، وحركة الشارع تلقائية عفوية وسريعة تخطف الأنفاس؟ لا أحد يمكنه أن يتوقع خط سيرها وتشعبات أحداثها، بل لا أحد يتوقع ما سيحصل بالساعة المقبلة في تفاصيل كل حدث من أحداثها. هذا يعني أن الاحتواء أو المحاسبة التي كانت تجري عادة لمعاقبة الرموز المحركة للاحتجاجات أصبحت غير ممكنة، لأن المحرك الأساسي ليس الأحزاب ولا رموز المعارضة، بل إن المعارضة أصبحت تتحرك وفقاً للشارع وليس العكس كما في الثورات التقليدية.. ورأينا كيف تلهث الحكومة والمعارضة وراء حركة الشارع السريعة التي تسبق الوقت اللازم لصناعة القرار..

وإذا كانت مصر تتميز بعبقرية المكان، كما وصفها المفكر جمال حمدان، فعبقرية الزمان هنا أن هذه الثورة يمكن اعتبارها أول بدعة تلقائية ضد العولمة الرأسمالية.. فالإنترنت أحد مظاهر العولمة أنتج وسائل التواصل الاجتماعي لترتيب الثورة.

ومن جهة أخرى، فأهم صور العولمة، وأحد مآزقها، يكمن في أنها تتحرك بلا رأس.. فالإجراءات وصناعة القرار واتخاذه أصبحت مندمجة عالمياً مشكِّلة تياراً مندفعاً يصعب تحديد من يديره.. فالقوى المنظمة والمحتكرة للتجارة والإنتاج العالمي لم تعد واضحة ومحددة، ومن ثم لم تعد خاضعة للمحاسبة من المتضررين والمحتجين بالطرق التقليدية، فهذه القوى ليست حكومة أو إدارة شركات محددة يمكن مجابهتها والاحتجاج عليها، بل تتمثل في شبكة معقدة ومتداخلة عبر القارات كمجموعة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وول ستريت، والخزانة الأمريكية. ويحدد ماك مايكل الفئة الحاكمة للعولمة الرأسمالية بثلاث جهات: البيروقراطيون والسياسيون الذين يضطرون لاتباع التوجهات الاقتصادية العالمية الجديدة، ومالكو الشركات المعتددة الجنسية، ومديرو المنظمات المتعددة الأطراف..

كان المتضررون من ظلم الرأسمالية يتحدون في منظمات ونقابات عمالية أو مهنية أخرى، تواجه القوى الاحتكارية الرأسمالية بالطرق السلمية من إضراب واحتجاجات وغيرها، أو بالعنف المباشر ضد أهداف رأسمالية محددة، وكان لهذه العمليات تأثير مباشر في تعديل كثير من قوانين العمل ورفع سقف العدالة الاجتماعية، وسقوط أنظمة سياسية وقيام أخرى. ولكن حالياً هذه الطرق لم تعد بذات الجدوى، ولم تعد مغرية لأولئك الذين يرغبون في التغيير الثوري السلمي أو العنيف، فيغدو كما أشار ليسلي سكلير أن الحركات الوحيدة الفعّالة هي تلك التي تتمكن من إيقاع الفوضى في منظومة العولمة بطريقة فعّالة، وفي نفس الوقت لا تستطيع مراكز العولمة النافذة أن تتعامل معها ولا أن تحتويها ولا أن تستقطبها.

ففي الجمعة الماضية أبدى باراك أوباما خيبة أمله من جهاز المخابرات الأمريكية الذي تفاجأ بضخامة الاحتجاجات في مصر دون أن يتوقعها، رغم أنها بدأت بمبادرات علنية على شبكة الإنترنت! الثورة المصرية استنسخت عفوياً النمط الحركي للعولمة التي تسير بلا رأس، فظهرت حركة فعالة لا تستطيع السلطات توقعها ولا التعامل معها سوى برد فعل يأتي متأخراً. فعندما لم تتمكن المعارضة التقليدية بأحزابها ونقاباتها من مواجهة الظلم (القمع، الفقر، الفساد..)، وعندما تراكمت الحالة، وحين ظهرت الشرارة فإن الثورة اشتعلت تلقائياً بين الشباب بلا قيادة غير الوعي الجمعي الذي كان ناضجاً في الحالة المصرية..

الصفة الأخرى لهذه الثورة هي أنها الأولى (مع الثورة التونسية) في الزمن الرقمي الإلكتروني.. زمن انفجار المعلومات وسرعة انتشارها (الهاتف المحمول، الإنترنت، الفضائيات..)، ولا يغدو السؤال عن توفر المعلومات بل عن مدى مصداقيتها.. لم يعد من الممكن سحق الاحتجاجات في الخفاء بل تبريرها.. لم يعد من الممكن أن تذهب تضحية ما دون معرفة الناس.. ولم يعد من الممكن السيطرة على وسائل الإعلام والاتصال من جهة واحدة أياً كانت قوتها..

فعندما تم إيقاف خدمة الهاتف النقال والإنترنت في مصر قامت جوجل بالتنسيق مع تويتر لإيصال الرسائل الصوتية باختراع تكنولوجي جديد.. وجوجل هي نفسها التي تتصارع مع الصين منذ أعوام ضد الرقابة الصارمة عليها، وكان آخر المعارك قبل بضعة شهور أن جوجل تحايلت عليها بإطلاق خدماتها من هونج كونج التي لها استثناء في الصين بعدم خضوعها للرقابة المركزية.. ولم ينته الصراع بعد فالصين لا تزال معترضة على ذلك..

رأس المال جبان، كما يقال، وهذا ما دعا شركة الاتصالات بمصر أن تخضع للأوامر الحكومية، خوفاً على مصالحها، فما الذي جعل جوجل تتحدى الحكومات؟ بالتأكيد ليست المسألة أخلاقية، رغم أن جوجل تدعي ذلك. إنه زمن جديد لم يتضح بعد لكثيرين، لكن جوجل ترى أنها تعرفه في قرارة عقول إدارييها.. فهو زمن المعلومة الحرة، ومن يريد أن يحتكرها سيتحدى حركة التاريخ.. فلا أحد يمكنه احتكار المعلومة بعد اليوم.

اقرأ التهديدات في الإنترنت التي توجه للشركة التي قطعت الهاتف الجوال في مصر من مستخدميها لأنها يعتبرونها غدرت بهم وخالفت العقد معهم، لدرجة أن البعض يجزم أن هذه الشركة ستفلس بعدما تهدأ الأحوال. حتى شركتا فيزا وماستر كارد للبطاقات الائتمانية تعرضتا لأضرار جراء الغزو والقرنصة على موقعيهما من قبل مناصري موقع ويكيليكس عندما رفضت هاتان الشركتان قبول تحويلات المساعدات المالية على حساب ويكيليكس. هناك جمهور عريض من البسطاء أصبح له نفوذ هائل على شركات الإعلام والاتصال، فهو الذي يتوجه له الإعلان، والإعلان هو رأسمال شركات الإعلام. جوجل تدرك أنه عندما يقاطعها جزء من هذا الجمهور فقد تفلس في اليوم اللاحق، لأن الإعلانات لديها ستنخفض.

لم يعد الجمهور هو الطرف الأضعف والسلطات أو الشركات هي الطرف الأقوى على مستوى الإعلام، إنما العكس في بعض الحالات. الإعلام الآن يتحول من جهاز عمودي إلى أفقي.. من تراتب هرمي إلى انتشار أفقي بين الجماهير ولا سيما الشباب منهم.. المعلومة أصبحت حرة، والحرية هي أثمن القيم الإنسانية.. «الحرية» تلك الكلمة التي كانت الأكثر تكراراً في ثورتي تونس ومصر..

alhebib@yahoo.com
 

رأس الثورة: الشارع!
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة