Tuesday  08/02/2011/2011 Issue 14012

الثلاثاء 05 ربيع الأول 1432  العدد  14012

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

«كوست بلص» هي نقحرة (نقل حرفي) لتعبير إنجليزي متداول في عالم المقاولات هو cost plus، ويعني باقتضاب أن يكلف مقاول ما بتنفيذ مشروع ما بالكلفة التي يراها، ثم يعوض فيما بعد عن كلفة تنفيذه ال cost وربح معين لا يقل عن 15 % هو البلص plus.

والمقاول هنا لا يدخل في دوشة المناقصات العقدية ولا العطاءات الأولية حسب ما تقتضيه الأنظمة، فيرسىّ عليه العقد مباشرة.

وقد لجأت الدولة لمثل هذه الترسية في عدد من المشاريع التي تطلبت سرعة تنفيذ وحسب مواصفات معينة، وتفهم الناس ذلك بداية.

وقد بدأ العمل بهذا الأسلوب عند إنشاء فندق قبل ثلاثين عاماً لحاجة عقد مؤتمر عاجل فيه.

ونفذه مقاول صغير آنذاك بمساعدة شركة فرنسية على وشك الإفلاس لينجز الفندق في وقت قياسي، ويكبر المقاول بشكل صاروخي ليصبح من أكبر شركات المقاولات الدولية؛ لأنه استمر في الحصول على مشاريع كبيرة بالأسلوب ذاته.

الآن، وكما يعرف الجميع يوجد ثلاث أو أربع شركات مقاولات كوست بلص تستحوذ على ما يزيد عن 80 % من قطاع المقاولات الحكومي.

الكوست ماينص cost minus ينطبق على بقية المقاولين الذين يتزاحمون على بقية عقود الإنشاء بمبدأ الأرخص هو الأفضل.

أي إن مواصفات الكوست بلص لا تنطبق عليهم وهم يتسابقون على خفض الكلفة للفوز بالعقود، حتى ولو كان ذلك على حساب العمل، وأفضلهم يعمل بمبدأ تقديم أضعف الإيمان، والله يعلم ما يحصل عند التنفيذ.

فمقاول «الكوست ماينص» في منتهى الأمر يقارن نفسه ربحياً بالكوست بلص، وقد وضع ذلك نصب عينه أن يفعل ذلك، (والله لا يعوق بشر).

والكثير منا يعتقد أن لأسلوب مناقصات «الكوست ماينص» الذي تنتهجه وزارة المالية اليد الطولى في نشر ثقافة الالتفاف على العقود الكبيرة حالياً في قطاع المقولات لدينا.

والغريب في الأمر أن بعض شركات «الكوست بلص» تعيد ترسية جوانب المقاولات الأقل ربحية وجهوزية من الباطن على بعض مقاولي الكوست ماينص بشكل أكثر مرونة من ترسيتها مباشرة من الدولة، وهذا ما يفسر عملية التعايش المكهرب بين هذه الفئتين من المقاولين رغم المنافسة المحتدمة بينهم.

مقاول الكوست بلص، وأحدهم حصل بحسبة بسيطة على ما يزيد عن المئة وعشرين مليار ريال لمشاريع مقاولات مختلفة الشكل والغايات هذا العام فقط، اللهم لا حسد، لم يعد يكترث بالأرقام التي تنقص عن تسع خانات رقمية ورغم ذلك فزيادة أرقام المقاولات تتناسب أحياناً عكسياً مع مواصفات التنفيذ، فالمهم هو السرعة، والرخام الخارجي، والتشجير (أحياناً بأشجار الزيتون؟!) وغير ذلك من مظاهر التشطيب الخارجي، أي كما يقال شعبياً: «من برا الله الله ومن الداخل يعلم الله».

والقلم مرفوع عن مقاول «الكوست بلص» في ما يتعلق بالاستقدام أو السعودة أو حتى طائل تشغيل العمالة الهاربة.

فلكل مقاول كوست بلص فئة عربية أو أجنبية يعتمد عليها بينما لا يحصل السعوديون إلا على غبار ودخان المشاريع في الشوارع.

ومعروف للجميع أن المديرين، والمحاسبين، والقانونيين الوافدين أصبحوا ضرورة للتستر على بعض الإجراءات المشبوهة أو التي يريد المسئول إخفاءها عن السعوديين الآخرين.

وقد ازداد الطلب على هذه الفئة مؤخراً بشكل لافت، مع العلم، ورغم كل ما يقدم من أعذار واهية، يوجد من يتفوق عليهم كفاءة وإخلاصاً من المواطنين، وبعضهم للأسف عاطل عن العمل.

وبعض مقاولي الكوست بلص لم يكتف بذلك بل إنهم وقعوا عقود التفاف مع بعض المتسترين لتزويدهم بالعمالة الهاربة والمخالفة، والعقود المليارية تخيف أجهزة السعودة وملاحقة العمالة من الاقتراب من مواقعهم.

والملفت أيضاً، ولأسباب غير مفهومة، أن بعض مقاولي «الكوست بلص» يستخدم معدات مستعملة بالية مستوردة من الخارج كخردة بعد أن انتهت صلاحيتها في الخارج، وأصبحت تشكل خطراً على البيئة وصحة المواطنين في بلد المنشأ، تستورد بعد أن تنزع منها أجهزة تنقية العوادم وتصفية الديزل، التي توجهها للأعلى وذلك لحفض قيمتها، فقيمة جهاز تنقية العادم أصبحت تفوق قيمة العربة البالية.

وهذه العربات تجوب شوارعنا ليل نهار، وتنفث عوادمها الملوثة في وجه المارة والسائقين مباشرة.

وهو لا يكلف نفسه شراء آلات كنس للشوارع لتنظف أطنان الغبار التي تخلفها حفريات المشاريع، فبحيرات الغبار أصابت المستضعفين من خلق الله بجميع أدواء الجهاز التنفسي.

«فالكوست بلص» أصبح أيضاً كوست بلص على صحتنا وسلامتنا، وهنا أدعو وزارة الصحة لتزودنا بنسب تزايد إحصاءات معدلات الإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي بعد تنفيذ بعض مشاريعنا الفلكية، فنحن عرضة ليس فقط للغبار الطبيعي، بل نظيف له الغبار الصناعي أيضاً.

أما الكوست ماينص فهو كما يقال: «حشف وسوء كيل»، ينفذ بشكل سيئ، وبطيء، بالطبع بسرعة بطء سرعة مسيرات المستخلصات من دهاليز الإدارات الحكومية.

وهو يحيل مواقع المشاريع إلى مزابل فعلية، وبقع من الزيوت والشحوم، وأكوام من الخشب والمسامير والمخلفات ومقاولي «الكوست ماينص» يعملون تقريباً كشركات لتعليم وتدريب العمالة الأجنبية الرخيصة على حساب المشاريع الحكومية والفرد يستطيع أحياناً تحديد ديرة المقاول بمجرد معرفة ديرة مدير الإدارة التي تتعاقد للمشاريع.

والبعض يجد طريقة طرح مقاولات «الكوست ماينص» عذراً جاهزاً يبرر به سوء التتفيذ، وسلوكيات إزعاج سكان الأحياء، وتدمير الطرقات.

العجيب في الأمر أننا وبعد أكثر من خمسين عاماً من العقود الفلكية في الإنشاءات لم نتوصل، أو حتى نحاول أن نتوصل لمعادلة صحيحة، معادلة وسطية لترسية مشاريعنا الحكومية وخاصة الكبيرة منها، ونكرر أحياناً ترسية مشاريع على مقاولين سبق ونفذوا مشاريع ضخمة بطريقة «مشي حالك، والجود من الماجود».

ففي جميع دول العالم، المتخلف، والمتقدم والمتأرجح، يعد قطاع المقاولات من أهم قطاعات توظيف المواطنين، وهنا لا أتحدث عن العمالة غير المدربة، بل العمالة المدربة من مديرين ومهندسين، ومعماريين ومصممين، ومنفذين، ومتابعين، ومحاسبين، ومستشارين، وخبراء وغير ذلك لدينا، فالمستفيد عادة هو المقاول وأولاده الذين يشغلون مناصب المديرين، والشركات الأجنبية المتحالفة معه، ومن يقدمون له العون الإداري اللوجستي البيروقراطي في دهاليز الإدارات الحكومية.

فهل يعقل أن يكون لدينا مشاريع مقاولات بمئات مليارت الريالات في كل ميزانية سنوية، ويوجد لدينا مهندسون عاطلون عن العمل؟ أو شباب مدرب في مجال المقاولات يبحث عن عمل؟

لماذا لا تنشأ لدينا وزارة اسمها وزارة الإنشاءات أسوة ببعض الدول الأخرى؟ ولا بأس أن يرأسها «مقاول كوست بلص» حاضراً أو سابقاً، ليستفيد الوطن كله من هذه المشروعات، ولترشد التكاليف، وتنفذ المشاريع حسب المواصفات المتوخاة لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، مشاريع متعثرة أو مواصفات مبتسرة، أو تكاليف خيالية ثم نبحث عمن نلومه في الوقت الضائع.

ولماذا لا تجدد وزارة المالية سياسة التعاقدات على المشاريع الحكومية لتنفذ بكلفة مقاربة لكلفة مشروعات القطاع الخاص.

فكلفة مدرسة واحدة، أو كلية واحدة تعادل كلفة مجمع مدارس كامل أو جامعة كاملة ينفذها القطاع الخاص.

ولماذا لا تقارن المالية كلفة بعض المشاريع الخاصة، أو المشاريع المنفذة لدينا بمثيلاتها في دول مجاورة لتحديد القيمة الحقيقية والمعقولة لها.

والأدهى والأمر أن بعض مشاريع الأرقام الفلكية لدينا من فئة «الكوست بلص» لم تصمد أمام مطرة أو مطرتين، وبعضها غرق وتساقطت سقوفه لأن ميوله أو عزله الله بالخير، وبعضها تصدعت جدرانه وهبطت ممراته ورغم انكشاف مثل هذه العيوب وقعت محاضر استلام المشاريع وكأنما هي على أعلى المواصفات, ولا أريد أن أسمي مشاريع بعينها فهي كثر، وأصبح أمرها معروف للجميع، وكلفتها علينا بلص بينما مواصفاتها ماينص.

 

«كوست بلص كوست ماينص»
د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة