Tuesday  08/02/2011/2011 Issue 14012

الثلاثاء 05 ربيع الأول 1432  العدد  14012

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

نزهة في يوم ماطر
نورا العلي

 

رجوع

 

كل هذه المساحات الشاسعة، وأنا أشكو الضيق والضجر

كل هذا الهواء والنسيم العليل، وأنا أشكو انقباض الأضلاع وكتمة الصدر.

ليتني أتجرد من الذكريات، لأنعم بلحظات صفاء لا يخالطها كدر، حيث كل شيء في هذه الأماكن يثيرها بصمت لا يشعر بصخبه غيري، أتراها رحلة الأحزان الصامتة!

منظر الهضاب الصغيرة المتقاربة يثير أحزاني، لكأنها أودعت أحزانها قرارة ذاتها، وقبعت في سفح الجبل وانثنت على جراحها، والجبل يتوسطها، ما أكبر حزنه، وما أشد صبره.

ترى... أي حزن يسكنه، أي جرح هذا الذي انتصب من سفحه لقمته، فجعله صامتا جلدا، مقاوما لكل أنواع القهر والقمع، باقيا بآلامه وذكرياته ما بقي الوجود.

آه أيها الجبل... أتذكرهم ؟، أتذكر من كانوا أُنس الديار، وزينة السمار!.

سيل ذكرياتهم يأتي من كل الاتجاهات، يصب في شعاب الروح، فيكشف ثلمة في القلب، وثغرة في الحشى.

في مفازات ذاتي لا أسمع إلا أصواتهم، مدوية، تسري بين أضلعي كما اللسعات الكهربائية، توقظ فيّ نوبات الوله، وتنصب أمام عيني أكوام الذكريات.

حبات المطر تقرع نافذة المركبة، لكأنها تنبهني أو تناديني لأواسيها وأسألها لم كل هذه الدموع.

صوت المطر، صقيع الهواء، منظر الغيم، كلها تستثير الذاكرة، تستنطق الأماكن، توقظ الوجع.

رائحة التراب، مشبعة بذكرياتهم، حتى لأكاد أقسم بأن النسمات التي هبت، مرت بهم قبلي، حيث معها طيوبهم، أعرفها جيدا، تغلغلت في أعماقي حد النخاع، هذه الرائحة كانت تنعشني، وتبيد همي، وأمست توقظ جراحي، وتزيد ألمي.

وتفوح من طيب الثناء روائحٌ

لهم بكل مكانةٍ تستنشقُ

مسكية النفحات إلا انها

وحشية، بسواهم لا تعبقُ

أسراب الطيور تحوم حول رأسي كأنها تريد أن تحدثني بشيء، أو ربما علمت بحزني فتواسيني.

البرق يلمع، يسلط الضوء على جميل الذكريات، ويذهب.

الطريق الطويل يهدهدني، يساير حزني وحيرتي.

المساحات الشاسعة، طيّعة مسترخية منبسطة، كأنها تعرض جراحها على الملأ، علّها تجد العزاء فتسلى، أتراها طبيعة ثكلى !.

أم هي السماء، تذكرت أحزانها فأجهشت بالبكاء، وأمطرتنا بوابل الدمع.

لكأن الرعد سئم صمتهم، ضاق ذرعا بهذه الأحزان، وزأر كما المروع، وكأنه للتو بحبيب مفجوع.

كل هذا الشجن تبعثه الطبيعة، أم أنه المطر، صيبه يصب في مغارات النفس، يصيب القروح والجروح، فتتجدد أوجاعها، ويتفتق ما التأم منها.

يهطل ويهطل فيجرف الزيف ويبين الجروح التي رمت على فساد، يكشف خرائب الأرواح والأماكن، يزيل أثر المسكنات فيعود الألم، يصعقنا، يستحثنا البحث عن علاج.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة