Thursday  10/02/2011/2011 Issue 14014

الخميس 07 ربيع الأول 1432  العدد  14014

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

«في عنيزة نهار غاب.. وفي جدة ليل حضر» (12)
الإهداء إلى التي سقط من يدها درع «لا» فانغرس في صدري خنجر «نعم»

رجوع

 

هنا في عنيزة

في بيتنا.. جلست في غرفتي الصغيرة «منتجعي المسقوف» ألملم أشيائي المبعثرة... أعيد ترتيب سريري ومنضدة قوارير عطري وحبري

كنت مبتهجاً... أصغي للرائعة «نجاة الصغيرة» وأغني معها... «إلا فراق الأحباب»

الليلة منتصف الشهر... فيه تطل حبيبتي «جوهرة» علي من بين غيمة حنيني وشوقي... بل واحتياجي!!!

«الجوهرة» قمر له قلب... أحب نبضه وأصغي له..

قمر.. يأتي إلى عبر مدارات الوفاء ..

الليلة... لقاء سيدة القلب.. نتقاسم رغيف البوح حين نحلم نكتب رواية فيها كل المشاهد باسمة...

رواية... لا فراق فيها ولا بعاد...لا ألم ولا أنين.. لا نزف ولا دموع... في فصل المساءات سمر لا سهر... مطر لا سراب..!!!

حين نلتقي تكون أعماقنا مقمرة... أحلامنا مقمرة... بنور نقائنا وعفافنا نستمتع بأفكارنا البسيطة وتفكيرنا الصعب... حتى وإن تعاتبنا... وربما تشاجرنا... عدنا كالأطفال.. تسامحنا.. وضحكنا معاً!!

وحين ينتابنا «وسواس الفراق».. نضطرب ونخاف... وتقول لي جوهرة... (عبد الرحمن) هل أنت خائف مثلي.. هاجس الفراق يكاد يقتلني؟

حينها نضع أيدينا بأيدي بعض.. وتلتقي نظراتنا...ثم نتلو في خشوع....

(قل أعوذ برب الفلق.... قل أعوذ برب الناس... ونختمها بتلاوة الفاتحة).

الليلة يصل القمر مع القمر.. أنظر إلى الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط في غرفتي أغضب منها وأسخر... أيتها السلحفاة أنت وعقاربك بطيئون.... ليتك تعلمين كم أتوق إلى شيخوخة هذا المساء.... حين يأتيني بقمري الوحيد!!!

أنتهي من ترتيب غرفتي.... أسترخي على سريري وأقوم بتشغيل أغنية أخرى لنجاة «ارجع إلي»

يا من يفكر في صمت ويتركني

في البحر أرفع مرساتي وألقيها

كفاك تلعب دور العاشقين معي

وتنتقي كلمات لست تعنيها

سمعت جرس الباب..

أقفلت «المسجل».... وذهبت مسرعاً لأفتح الباب يا الله لقد كان العم «محمد» أبو جوهرة... متبسماً

قلت له.... مساء الخير... تفضل

قال... أشكرك.... أنت عبد الرحمن...؟

قلت... نعم... تفضل اشرب القهوة..

قال.. أنا مستعجل ومشغول... غداً زواج إحدى بناتي... وعندي توزيع بطاقات الدعوة لحضور الزواج.. تصدق أن ابنتي العروس حرصتني على أن تكون أول بطاقات توزع لكم... خذها للوالد.. ولك... ولإخوانك...

المهم تحضرون ترى فيه «طرب وسامري عنيزة»..

قلت له... (سم) طال عمرك.... أنتم أهل.. قلتها مودعا له وأنا لا أنظر إليه أخاف أن يرى جوهرة في عيناي فينادي عليها.. أنت هنا ابنتي.!! خيال يهذي بالحقيقة؟

غريبة...!!. جوهرة لم تقل لي عن خطوبة أو زواج أختها... ربما الغالية نسيت... لها العذر عندما نلتقي ننسى كل إنسان سوانا!!!

عدت إلى غرفتي وبطاقات الدعوة بيدي..

أوه... يوجد بطاقة باسمي... البطاقة الوحيدة التي كتب عليها بخط يد حبيبتي «جوهرة»

فتحت البطاقة لأقرأها... وكانت الصدمة شديدة العروس حبيبتي «جوهرة»...!!!!

رميت جسمي على سريري... ووضعت رأسي على وسادتي.... لست أدري لحظتها كيف يعبر المقتول عن ذاته.. والعاقل عن جنونه..!!!

آه... كنت عاجزاً عن البكاء. أهداب عيني لعبت دور السجان كي لا يفر الدمع من العيون

ما أصعب أن تفجع في نور عينيك.... لحظتها تتشرد وتكون أنت... «التائه الضرير»

وفي مجاهل الحركة... عدت لقراءة البطاقة من جديد كمن يتأمل سوط جلاده... ورأيت خلف البطاقة كتابة بيد الجوهرة... وقد كتبت:

عبد الرحمن.. اعذرني حبيبي... أعلم أنه من الصعب حضورك لن أعتب لغيابك... لأنه يعبر عني وعنك!!!

أتخيل يا أعز الناس.. لو حضرت أنت... هل سيعلم الناس الحاضرون أنك لا تشبههم لأنهم جاءوا ليشاركوا في سعادتي وفرحي إلا أنت جئت لتشاركني تعاستي وحزني وعميق ألمي...!

عبد الرحمن.. سافر حبيبي غداً... لأن عنيزة بكل أضواء ليلها ستترمد في عينيك

آه.. كم أنا خائفة عليك!!!

يا لعمق مأساتي فيك.. ليت أمي حين أنجبتني أنجبتك!!!

أمي تطرق باب غرفتي

أسرع أمسح دمعي الزجاجي في عيناي

تفضلي أمي الغالية... دخلت كعادتها مبتسمة ومعها كأس حليب... «اشرب بني الحليب بالزنجبيل الجو بارد».

قلت لها أشكرك أمي الحنون

نظرت إلي أمي بدهاء أمومتها

ثم قالت... ما بك عبد الرحمن..!؟

أبداً أمي أنا بخير... ليتك تعدين حقيبة السفر الصغيرة أنا مسافر غداً... إلى جدة

قالت... حسناً ستجد ضمن ملابسك معطفاً جديداً اشتريته لك... البسه لأن شتاء المدن الساحلية قاس وإن بدا غير ذلك.

أمي... هذه بطاقات زواج لكم ولإخواني (العم محمد) أحضرها قبل قليل بنفسه وطلب التأكيد عليكم للحضور... هل ستذهبين يا أمي..؟

قالت أمي... سألبي الدعوة وأحضر حفل زفافهم.

نظرت أمي إلي من جديد... وقالت هل أنت بخير.. قلت لها... الحمد لله أنا بخير... دعاؤك لي بسفر سعيد..

غادرت أمي غرفتي وضلت ظنونها ومخاوفها معي !!

ذهبت إلى مطار القصيم

دلفت إلى صالة السفر.. وقفت في الطابور.. وعندما جاء دوري قال الموظف.. إلى أين أنت مسافر !؟

قلت له أريد تذكرة على أي رحلة مغادرة الآن..!!!

ابتسم الموظف مندهشا... وقال رحلة جدة توشك على الإقلاع وفيها مقعد... قلت له... هذا جيد أسافر إلى جدة عروس البحر الأحمر..

بعد ذلك أعلن عن موعد رحلة رقم (1259) المغادرة إلى جدة.. وذهبت مسرعاً بوابة رقم (2) وعندما دخلت إلى ساحة المطار... كنت أركض كأني أريد أن أطير وهل يطير عصفور بعثرت ريش جناحيه الجراح!!!!

ركبت الطائرة المقعد (31A) بجوار الشباك.. نظرت من خلاله..

وكان الغروب في ربيع قسوته حين التهم خريف الأصيل قرص الشمس باصفراره

آه.. جوهرة

ها أنذا... أحلق بعيداً... أريد الهروب بقلبي الطفل عن مشهد احتراق أحلامه الكبيرة فيك... أريد أن أغرس عيناي في غيمة سوداء لعل ما بين أهدابها يورق أمل كفيف ليستبد يأسي منك!

ربطت الحزام حولي... وقيد الكآبة يكبل أعماقي.. وضعت يدي اليمنى على صدري... أتحسس قلبي كأني بشفقة جنوني أريد أن أتأكد أن قلبي معي... وإذا بقلبي كالعصفور المجهد يرتعش ويخفق... قلبي معي ليلة التشرد والضياع على الأرصفة المعتمة والدروب التي لا عناوين لها!!

حاولت أن أنام.. كي لا أفكر بك «جوهرتي» التي سرقت من كنز العمر.

توسلت النعاس... لكن طيفك مارس أعدل احتلال لكل مناماتي... أغمضت عيناي لا أبصر ذاكرني وأصغي لصراخها..!!!

جوهرة... تذكرت عندما كنت لي ومعي.. نرسم بيتاً صغير وحين انتهينا من وضع كل فنون ولمسات هندسة معمارية الأحلام فيه... لحظتها التفت إليك مبتسماً وابتسمت عيناك... وقلت لك حبيبتي انتهينا من رسم اللوحة هل لك أي إضافة..؟

قلت لي.. عبد الرحمن.. يا قرة عيني أنت تبقى اسم اللوحة أريده أن يكون من كلمتين

أنت تكتب الكلمة الأولى.. وأنا أكمل وأكتب الكلمة الثانية.!!

أجبتك حسناً موافق.. ثم أخذت القلم وكتبت «الدفء....» ثم أخرجتي قلم الكحل من حقيبة يدك وكتبتي لنا... اسم اللوحة «الدفء لنا»

ثم وضعتي رأسك على كتفي وبكيتي... وعندما سمعت بكاءك...بكيت أنا..!

آه يا إلهي.... في هذه اللحظة الصعبة... وأنا راحل عن مرسم لوحتنا أدركت أن ذلك البكاء لم يكن حزناً.. لكنه خوفا من أن تسرق الأيام أمانينا!!!

وفي هذا المساء تحتفل الأيام بفراقنا..!!!

آه... الذكريات الحلوة.. في يوم الفراق تصبح علقماً في حلوقنا... حاد المرارة!!!

فتحت عيناي من جديد

أريد أن أفرغ من ذاكرتي كل خناجر ذل تطعن كبريائي وكبرياء حبي.

عدت رغما عني إلى أكذوبة النعاس... لا أرى طيف أعز النساء... جوهرة من جديد... حين كانت شمسنا تشرق طيلة ساعات الليل ولا تغرب إلا عند الفجر..!!

نكتب قصيدة ونعيد قراءتها..ونسقي حوض الزهور في شرفة الليل من نهر نهار قلوبنا..!!!

آه... سيدة قلبي أنتِ

هذه الليلة العاصفة تهب علينا... تقصف البيت الصغير الذي في مرسم أحلامنا... وتبعثرت القوافي والمعاني.. وتمزقت كل العهود والوعود.. وتحطم مهد الزهور الرخامي وتساقطت أشلاء الزهور والغصون.. ليتشكل اللحد والذبول والضمأ..!!

أين أنتِ حبيبتي!!!

ما بين ضجيج صمتي وأزير مطية الغروب التي أركبها وما بين كرسيك الفاخر تحت شجرة العنب الكهربائي ألف خطوة وغيمة وحاجز وجرح..!!!

سيدتي... يا عروسة ليل جديد

تلونت كفاك بالحناء.. كتلون قلبي بنزف جراحي

تأنقتي بثوبك الأبيض الطويل.. الذي يسحب حين تمشين من الخلف كأنه يريد أن يخفي آثار سيرك عني!!!

كأن الحناء بيديك.. والكحل بعينيك.. وخضاب قدميك وابتسامتك وصمتك.. والغناء والرقص من حولك.. كأنها تسخر مني ومنك.. لو كان لي أن أسمي هذا المشهد لقلت.. «مشهد مخاض ميلاد واحتضار قلب»

جاءت المضيفة... وبكل لطف... قدمت لي كأس القهوة أطلت النظر فيها... حتى اندهشت.. وقالت أي خدمة أخرى سيدي...؟

قلت لها... لا وأشكرك.. لكن لفت انتباهي اسمك الكتوب على «الجاكيت» تبسمت وقالت أنا جوهرة.. اسمي جوهرة... قلت اسم رائع أحب هذا الاسم ابتسمت وانصرفت.. يا إلهي الجوهرة التي معي بالفضاء ليست لي.. والجوهرة التي بالأرض لم تعد لي... وقد سرقت مني!!!

آه... ما بين ذهول عقلي وهذيان قلبي وحيرة عيناي... نظرت إلى الفضاء من النافذة... وإذا هذا الفضاء الواسع الذي نحلق به ويملؤه الظل أشعر أنه يضيق!!!

أعلن قائد الطائرة... بدء الهبوط في مطار الملك عبد العزيز بجدة وطلب ربط الأحزمة

ربطت الحزام... وكنت أريد أن لا تصل الطائرة... أريد أن تحلق بي طيلة ساعات الليل حتى تصل إلى مدرج الفجر لعل أنياب الإعياء تفترس صحوة حزني وفجيعتي كي أنام!!!

نظرت من النافذة... رائع منظر جدة العروس في الليل المباني مضاءة.. شرايين المدينة مضاءة... فوانيس الشاطئ مضاءة.. الجياد الحديدية مضاءة

تمتمت باسمك حبيبتي وقلت ساخراً من خيالي... حتى في (عنيزة) هناك خيمة عروس حسناء مضاءة!!

هبطت الطائرة

حملنا الباص إلى صالة القدوم.. أخذت حقيبة سفري

هاتفت أمي.. أجابتني قبل أن أتكلم «الحمد لله على السلامة انتبه لنفسك!!!

قلت لها إن شاء الله.. أمي هل ستذهبين إلى الزواج هذه الليلة.. قالت أجل لم السؤال.!؟

فقط أمي أريد أن تذهبي لتفرحي مع الآخرين... مع السلامة.

ركبت (سيارة الأجرة) حييت السائق وقلت له أريد أن توصلني إلى أي فندق يطل على البحر!

ونحن في الطريق.. كان الزحام والصخب وضجيج الشوارع لكن كل ذلك لم يستطع أن يطرد هاجس وحدتي واغترابي وحزني وانكساري!!!

عبرنا.. طريق «الكورنيش» حتى وصلنا إلى بوابة فندق كبير... دفعت الأجرة للسائق وشكرته..

عزيزي القارئ..

في الأسبوع القادم نتابع الجزء الثاني من القصة لنرى كيف سيمضي أبطال قصتنا ليلهم الممتد من عنيزة إلى جدة..

ayamcan@hotmail.com

- عنيزة

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة