Saturday  12/02/2011/2011 Issue 14016

السبت 09 ربيع الأول 1432  العدد  14016

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل أن أبدأ بالكتابة عن قناة الجزيرة التي نكن لها التقدير المهني نحن المنتسبين للإعلام، فأود أن أشيد بقناة العربية التي وصلت إلى درجة عالية من الحيادية في تغطيتها لأحداث مصر التي انطلقت منذ 25 يناير وإلى اليوم.. ودليل الحيادية انعكس في عدم رضا الطرفين، الحكومة المصرية من ناحية والمتظاهرون من ناحية أخرى..

فكلا الطرفين كان يرى أن قناة العربية لم تلبِّ تطلعاته.. أما قناة الجزيرة في المقابل، فقد سقطت من بداية التغطية حيث انحازت بالكامل نحو المتظاهرين، وأصبحت قناة تتحدث باسم تظاهرات ميدان التحرير، بعيدا عن أي موضوعية، وبعيدا عن شعارها الذي أطلقته من بداية تأسيسها «الرأي والرأي الآخر»..

من أبجديات الإعلام مبدآن أساسيان تتمحور حولهما جميع مبادئ الإعلام، هما الحيادية والموضوعية.. وفي ظني أن الجزيرة سقطت وفق هذين المبدأين، فلم تكن حيادية، كما لم تكن موضوعية.. وقد اختطت لنفسها اتجاها غير حيادي من البداية، حيث وقفت وقفة استثنائية في دعم التظاهرة بكل الوسائل الممكنة، واستطاعت أن تجيش كوادر هائلة في سبيل دعم هذا التوجه وتغذيته من خلال مصادر من الشارع، ومصادر داعمة من شخصيات ذات مواقف ثابتة ضد الطرف الأول، وهو الحكومة المصرية.. وعبرت بوضوح ودون مواربة أنها في خندق واحد مع طرف ضد طرف.. والحيادية تعني أن الوسيلة الإعلامية يجب ألا يظهر من محتواها ومضمونها أنها منحازة لطرف ضد طرف آخر.. كما أن الموضوعية قد سقطت من البداية، فلم تعمل الجزيرة على عرض وجهات النظر الكاملة في الموضوع (حسب شعارها: الرأي والرأي الآخر).. وحصرت ذاتها في عرض وجهة نظر واحدة، مستبعدة وبعمد وإصرار وجهة النظر الأخرى، وفي أفضل حالاتها قامت بتهميش كامل ومتعمد لوجهات النظر الأخرى في النزاع القائم..

ونحن كمشاهدين للجزيرة، ونعدها من القنوات الرائدة في العالم العربي، ولها مكانتها العالمية بين القنوات الدولية، بدأنا نبحث عن بدائل أخرى، لأننا نرغب في معرفة الرأي الآخر، كنا نريد أن نعرف الطرف الآخر، ونريد أن نستشف رأيه ومواقفه، وتوجهاته الحقيقية.. ولكن كانت الجزيرة على إصرار تام، ومواقف متشددة على حجب الرأي الآخر.. ولهذا دخلت في سلم المشاهدة قنوات أخرى مثل قناة العربية التي اجتهدت في بناء صورة متكاملة، وعرضت وجهتي النظر بحيادية قدر الإمكان.. وهذا ما جعلها تقف بمسافة متساوية بين الطرفين، وعانت العربية من انتقاد وتهديد ووعيد وإقفال وتحطيم كمرات وضرب مراسلين من كلا طرفي النزاع.. وفي نظري أن هذا شهادة على حياديتها في هذه الأحداث..

وقد سقطت قناة الجزيرة سقطة مهنية كبيرة في أحداث مصر، حيث أصبح المذيعون - معظمهم - وقبل المعدين والقائمين على القناة طرفا مباشرا في النزاع، يبحثون في أسئلتهم عن ما يدعم وجهة نظر واحدة فقط.. ويتم إيقاف أو تحويل الحوار أو وقف الاتصال عندما يعرض لوجهة النظر الأخرى.. ويرتفع صوت المذيع أو المذيعة ويعلو صوت الضيف عندما لا يتفق مع وجهة نظر القناة في تبني موقف التظاهرة.. كما ابتدعت القناة أسئلة إيحائية متكررة لمصادرها في الشارع أو مكاتبها أو في مقرها أو مع مراسليها.. والجميع بدأ يتفهم موقف القناة، ولهذا أصبحوا يؤيدون اتجاهات الجزيرة، وتغذيتها بما تريده من تحليلات ومواقف وآراء مساندة.. كما عملت الجزيرة على استقطاب أصحاب الرأي الواحد، وأصحاب المواقف العدائية من أجل تأكيد ودعم موقفها المساندة لطرف ضد طرف آخر..

وفي رأيي أن منسوبي الجزيرة عليهم أن يفكروا في داخلهم بموضوعية وتجرد، ليكتشفوا في ذواتهم أنهم أخفقوا فعلا، وأنهم سقطوا في القاعدة المهنية، التي تعد أهم أسلحتهم التي عادة ما يواجهون بها خصومهم السياسيين والإعلاميين.. يجب أن يعيدوا اكتشاف أنفسهم من جراء هذه الأحداث.. وسيجدون أن مثل هذا السقوط كان مدويا، ومؤثرا على سمعة القناة، ومهنيتها، ومكانتها بين جميع الأطراف..

وفي نظري أن شعار الجزيرة بعد أحداث مصر قد اهتز كثيرا، ولربما تحتاج أن تعيد النظر فيه، وتبدأ مرحلة جديدة من حقبتها الإعلامية.. فلم يعد شعار «الرأي والرأي الآخر» مناسبا لها مع توجهاتها الجديدة.. فقد انتقلت الجزيرة من وسيلة إعلام عامة، إلى وسيلة إعلام بديلة أو ما أسميه - ترجمة - بإعلام الميترو underground media الذي يعمل تحت الأرض، ولا يستنشق الهواء من فوق الأرض.. وعادة ما يكون هذا النوع من الصحافة والإعلام هو إعلام أحادي يقف دائما ضد المؤسسات، وضد الشرعيات، وضد المجتمعات.. وينتشر مثل هذا الإعلام في الأزقة الضيقة، وفي الشوارع الخلفية، وبين المهمشين في المجتمعات، رغم انتشار صوته ودويه بين وقت وآخر، وخاصة في ظل الأزمات والصراعات..

* * *

(*) المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

alkami@ksu.edu.sa
 

السقوط المهني المدوي لقناة الجزيرة
د. علي بن شويل القرني(*)

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة