Saturday  12/02/2011/2011 Issue 14016

السبت 09 ربيع الأول 1432  العدد  14016

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الأكاديمية العلمية- لمن يستحقها- ليس لها مثيل ولا يعرف قيمتها إلا من عاشها وذاق حلاوتها ومرارتها. هنا في إنجلترا وتحديداً في لندن- مدينة الضباب - عاودت تواصلي مع البحث والقراءة، والاطلاع على

الجديد في مجال الآثار والتراث وعالم المتاحف بعد أن غادرت جامعة ليدز في الشمال وجامعة لندن ومكتبتها العريقة في عام 1977م. وبالرغم من أن صلتي بالبحث العلمي والمؤتمرات والندوات لم تنقطع إلا أنَّ العودة للقراءة المتأنيِة والبحث بين دهاليز المكتبات في بريطانيا بعد هذه المدة الطويلة التي تزيد على ثلاثة عقود أصبح لها طعم غريب. في الفترة الزمنية المبكرة لدراستي العليا،كانت الحياة الأكاديمية لها نكهة مختلفة من حيث المناخ العلمي والبساطة في التكيف مع ظروف الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية ونظرة المجتمع البريطاني للغريب. فقد ألفنا علماء عايشناهم واستفدنا من خبراتهم، وسرنا على خطى من سبقنا من الأساتذة الأعلام في ليدز ولندن واكسفورد وكمبردج وأدنبرا وسانت اندروز ومانشستر وغيرها من الجامعات، ومن أولئك: عبد العزيز الخويطر وعبد الرحمن الطيب الأنصاري وأحمد الضبيب ومحمد سعيد الشعفي ومنصور الحازمي وعبد الله عنقاوي وأسعد عبده وآخرون. ولم نكن نكتفي بمكتبات الجامعات تلك بل كانت مكتبات البلديات ومكتبات الأحياء تجذبنا في عطلات الأسبوع والإجازات والأعياد. ولا شك أن حيوية الشاب الجامعي المبكرة إذا أخذت مسارها الصحيح ووجدت الدعم والتشجيع فإن مردودها لا يقدر بثمن. لقد كانت السنوات التي قضيتها في ربوع بريطانيا في مرحلة دراستي العليا من أمْتَع مراحل حياتي العلمية وما صحبها من ذكريات مفرحة ومؤلمة ذات صلة بأوضاع بلاد العرب والإسلام. كان عدد المبتعثين في تلك الفترة محدودا جداً مقارنة بما هو عليه اليوم حيث يزيد عدد المبتعثين إلى بريطانيا من الجنسين على حوالي عشرين ألف مبتعثاً ومبتعثة، وفي اختصاصات متعددة، وتبذل وزارة التعليم العالي والمكتب الثقافي السعودي جهوداً حثيثة لتسهيل أمور الطلاب المبتعثين ومرافقيهم في مختلف أرجاء المملكة المتحدة، والحق يقال: إن الصورة مختلفة بين الماضي والحاضر، فبريطانيا الأمس غير بريطانيا اليوم، حيث كلفة المعيشة، وتأثر البلاد بالمد والجزْرْ مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وخصخصة المؤسسات وارتفاع أجور التعليم. وبالرغم من ذلك فإن الحياة الجامعية والبحث العلمي له وضع مختلف من حيث التعامل الأكاديمي والاحترام.

عندما عاودت التواصل مع مكتبة جامعة لندن تَبين لي أن من يحمل تعريفا أو هوية أكاديمية يجد الترحيب مباشرة ويمنح بطاقة الكترونية كزائرٍ خارجي تسمح له باستخدام كافة مرافق المكتبة وإذا لم تتوفر لدى الزائر تعريف أكاديمي فإن عليه أن يدفع مبلغا مالياً عاليا لاستخدام المكتبة حسب المدة المرغوبة. قدَمْت لمسئولي المكتبة ما يتوفر لدي من بطاقات وهويات لكنها لم تشفع لي بأي حال من الأحوال وكل ما تحصلت عليه هو بطاقة دخول زائر مؤقتة وشعرت حينها بشيء من الحسرة بأني لا أحمل هوية أكاديمية من جامعتي، تشفع لي عند زيارة المكتبات الجامعية والمراكز البحثية العالمية. ودارت في ذاكرتي تلك الأيام الخوالي والسنوات التي قضيتها في الجامعة طالبا ومعيداً ومُبتعثاً وأسْتاذاً ومَسْئولاً، وتاريخ من الكفاح والعمل العلمي الدؤوب الذي أثمر وآتى أُكُله- وهذا كله لم يشفع لي بأن أحْتَفِظ ببطاقة تحمل اسمي وصلتي بجامعتي الحبيبة والقريبة إلى نفسي، والتي ما زال يربطني بها خيط رفيع من التواصل على استحياء، شعرت وأنا أتجول بين أرفف مكتبة جامعة لندن أن من واجبي التواصل مع معالي مدير الجامعة الدكتور/ عبد الله العثمان، الذي تجاوب سريعا مع اتصالي واستفسر مني مشكوراً عما إذا كنت قدمت طلباً للجامعة للحصول على هوية أكاديمية أم لا؟ فأجبت معاليه أن جامعة الملك سعود لا تُقَدم هذه الخدمة للأساتذة المتقاعدين من أمثالي حتي في حالة استمرار التعاون مع الجامعة (أستاذ متعاوناً)!! وبعد اتصالات متعددة وصلتني (بطاقة استعارة خارجية من المكتبة المركزية بجامعة الملك سعود)، ولكن للأسف لا قيمة لها لأنها صادرة لغير منسوبي الجامعة، واستخدامها ينحصر في إطار مكتبة جامعة الملك سعود فقط، وهي لا تُعَرِّف بهويتي الأكاديمية، ومن باب التأكيد على ذلك كُتِبَ عليها باللغة الإنجليزية أيضاً (None University Employees)، وعندها عاودت الاتصال بمعالي الدكتور العثمان، محيطا معاليه بالنتيجة فأحال رسالتي مشكوراً لسعادة عميد المكتبات الدكتور/ ناصر الحجيلان الذي شرح لي الظروف الإدارية والفنية وأنه سيطرح هذا الموضوع على متخذي القرار بالجامعة، لعل الأمر يعالج مستقبلاً.

ومع تقديري واحترامي لمعالي مدير الجامعة الذي أعرف حرصه وما يقوم به من جهودٍ جبارة لتطوير الجامعة ورفع مستواها العلمي والإداري إلى مصاف العالمية، إلا أن التجربة التي يمر بها أساتذة وعلماء الجامعة بعد تقاعدهم أو انتقالهم إلى خارج الجامعة تحتاج إلى تَأمُل، فإن صفحاتهم تطوى من سجلات الجامعة ويُصْبِحون نسياَ منسيا. وقد لفت نظري قبل عدة أشهر في مبنى إدارة الجامعة لوحة كتب عليها» وحدة استقطاب الباحثين وأساتذة الجامعة المتميزين» فتأمًلْتُ مضمون تلك اللوحة متسائلاً من هم أولئك المتميزون؟ وفي أي الاختصاصات العلمية؟ ويبدو للأسف أن مواصفات الاستقطاب لا تنطبق على المختصين في حقول الدراسات الإنسانية!!

وعودة على بدء فقد تيسرت أموري والشكر في ذلك للأصدقاء البريطانيين في المتحف البريطاني وجامعة لندن وأخص منهم البروفسور تشارلز تريب(Charles Tripp) أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن، الذي تكرم بتعريفي للمكتبات العلمية. وها أنا أستمتع بوقت جميل بين أروقة مكتبات الجامعات وغيرها من المراكز البحثية والمتاحف المتخصصة.

يا طالبَ العِلْمِ لا تَبْغِي به بَدَلاً

فَقَدْ ظَفَرْتَ ورَب اللًوْحِ والْقَلمِ

وقَدِسِ العِلْمَ واعْرفْ قدْرَ حُرْمته

في القوْلِ والفِعْلِ والآدابَ فالْتَزِمِ

وانْهَضْ بِعَزْمٍ قَويٍّ لا انْثِنَاءَ له

لوْ يَعْلَمُ المرْءُ قدْرَ العلم لَمْ يَنَمِ

وبالله التوفيق.

alrashid.saad@yahoo.com
 

«الهوية الأكاديمية»
د. سعد بن عبد العزيز الراشد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة