Sunday  13/02/2011/2011 Issue 14017

الأحد 10 ربيع الأول 1432  العدد  14017

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

نظرا لتباعد المسافات، وتباين الثقافات، ظلت كل أمة من الأمم التي تعمر الأرض على مر العصور محافظة على هويتها، لكن في هذا الزمن وفي ظل التقدم التقني، سهلت على الأمم سبل التواصل، وغدت كل البلدان وكأنها قرية واحدة الكل يعلم ما يدور عند الآخر، ويتفاعل معه، ولهذا كل شمر عن ساعديه جاهدا مجتهدا في تسويق ما لديه ثقافيا وحضاريا، وبكل الوسائل الممكنة، وهذا مما عزز هاجس الخوف والتوجس من الاختراق والإفساد، وتشويه الهويات بما يفسد عليها أصالتها ونقاءها، ومما يؤسف له أن أصحاب الأيديولوجيات المنحرفة هم أكثر جلدا وإصرارا وقدرة على التأثير والاستقطاب من غيرهم، سواء في الجانب العقدي أو الفكري على الرغم من كونه في منتهى الخرافة والسذاجة.

الناس مختلفون في مرجعياتهم الدينية، فمنهم من يؤمن بإحدى الديانات السماوية، ومنهم من يؤمن بفلسفات وضعية، والديانة السماوية الواحدة تفرعت إلى العديد من المذاهب والنحل، وصار بعضها يعارض الآخر ويصادمه، بل وصلت الحال إلى الكراهية والتكفير والإقصاء، والحال نفسها عند أتباع الفلسفات الوضعية، فحالهم لا تقل اضطرابا عن غيرهم، بطبيعة الحال هذه سنة الله في خلقه، فقد جعل الله الناس مختلفين، في أديانهم، في أجناسهم، في ألوانهم، في أشكالهم، في لغاتهم، يجمعهم رابط واحد، رابط البشرية، كلهم بشر، يتسمون بسمات وخصائص تميزهم عن سائر المخلوقات، فالبشر أعلى مرتبة من كافة المخلوقات، حيث حباهم الله عقلا مفكرا، وقدرة على التمييز والتفضيل ومن ثم التقبل والاختيار، وذلك بناء على معايير وضوابط تتوافق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

ومن هذا المنطلق فإن المرء مهما كانت قدراته العقلية، ومهما بلغت سعة خياله، وانفتاح عقله، ومرونة فهمه، وتسامحه وتقبله، إلا أنه لن يجد مسوغا يتوافق مع عقله ومنطقه يبسط له فهم لماذا يسعى البعض بكل إصرار إلى نشر ما يفسد على الإنسان دينه وروحه وفكره وعقله؟ سوف يتوه في غياهب التفسير والتأويل ولن يجد جوابا مقنعا، وسوف يحتار في التسويغ والتبرير، ولم يعد يستوعب لماذا كل هذا الجهد الشيطاني المصر على إخراج الناس من فطرهم السليمة؟ لقد تكاثرت صور الإفساد فغدت أكثر من أن يحاط بها علما، أو أن يحصى لها عددا، وكلها يتدثر بعباءة التغيير والتطوير، والإصلاح والهداية، وتحت شعار الرسالة النبيلة، والغاية السامية، ولهذا يبدو أنه من المتعذر المواءمة بين مضامين ما ينشر وما يعتقد أنه رسالة نبيلة وغاية سامية، لأن تلك المضامين تستعصي على الرضا والقبول لكونها تتعارض مع محكات النبل والسمو التي تستمد من ثوابت الشرع، ومن القيم والأخلاق.

لهذا وبناء ما هو معلوم بالشرع نقلا، ومدرك لدى العقلاء فهما، وما هو متوافق مع الفطرة أصلا، على الإنسان أن يوظف ما يمتلكه من مقومات وقدرات، كي تعرفه وتهديه وتساعده وتدله وترشده أي النجدين يختار ويسلك، وفق المعايير والمحكات التي تتوافق مع فطرته وعقله، فطريق الخير بينة معالمه، واضحة سبله وغاياته، وطريق الشر بينة معالمه، واضحة سبله وغاياته، ولكل واحد من الطريقين معاييره، وله سماته الخاصة، وخصائصه التي تميزه عن الآخر، والإنسان بصفته كائنا يمتلك عقلا مفكرا، وفهما حاذقا، يستطيع أن يقرر طواعية أي النجدين يسلك، وإلى أيهما يأنس ويميل، طائعا مختارا بإرادته، دون قهر أو إلزام، فلا أحد مهما كانت قوته وجبروته، قدرته وإمكاناته، سطوته وسلطته، أن يلزم أحدا ما بأن يفعل خلاف ما يؤمن به، أو أن يجبره بأن يسلك طريقا لا يرتضيه، هذا أمر محال، فكل مسؤول عن خياراته، وما يترتب عليها من خير وشر.

رحم الله الإمامين، الإمام محمد بن سعود، والإمام محمد بن عبد الوهاب، فقد حملا لواء إحياء الدعوة المحمدية وتجديدها وتخليصها مما شابها من بدع كفرية وضلالات وخرافات أخرجت الناس من الطريق الحق، طريق الإيمان بالله ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فصار الناس بفضل الله ثم بفضل دعوتها، صافية عقيدتهم، صحيحة عباداتهم، مستقيمة حياتهم، منسجمين مع فطرتهم التي تؤمن بأن الله تعالى القادر على كل شيء العالم بكل شيء، وأن غيره يظل في دائرته البشرية لا يرقى بحال إلى مكانة غير مؤهل لها بحكم التكوين والدور.

 

أما بعد
رحم الله الإمامين
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة