Thursday  17/02/2011/2011 Issue 14021

الخميس 14 ربيع الأول 1432  العدد  14021

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من غرائب السياسة الأوروبية ذلك الموقف الذي أعلنته السيدة كاثرين أشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، المسؤولة عن سياساته الأمنية، أي عن استراتيجياته العليا، ومواقفه من مختلف المشكلات والمسائل العالمية، وخاصة منها تلك الخاصة بالمناطق القريبة من القارة الأوروبية، وبالأخص منها بلداننا العربية. قالت السيدة أشتون إنها قلقة على....

..... إسرائيل من تطورات المنطقة العربية. حدث هذا بعد سلسلة فظيعة من الجرائم التي ارتكبتها الدولة العدوانية بامتياز ليس فقط ضد شعب فلسطين، بل كذلك ضد تركيا ومواطنيها.

السيدة أشتون قلقة، والحجة هي الخشية على الاتفاقيات الدولية، وخاصة منها اتفاقية كامب ديفيد للسلام. واللافت أن الاتحاد الأوروبي أصدر قبل التصريح بأيام قليلة حول فرص السلام في فلسطين، فإذا بوثيقته ليست فقط أقل بكثير من آمال الفلسطينيين وحقوقهم، بل ومخالفة مخالفة جذرية للقرارات الدولية وللشرعية العالمية. ومع أنني لا أحب الحديث المألوف عن الكيل بمكيالين، فإنني لا أجد مهربا من تذكير السيدة أشتون بهذه المفارقة المحيرة، التي جعلتها تعلن خوفها على إسرائيل وأمنها، دون أن يبدو في الأفق ما يهددهما، بينما هي تبطش يوميا بالشعب الفلسطيني وتقوض تماما أمنه، وتعتقل بناته وأبناءه، وتدك مدنه وقراه، بل إنها قتلت غيلة وغدرا، خلال غارة جوية بأحدث الطائرات، أربعة شبان عزل يوم إدلاء السيدة الأوروبية بتصريحها الخائف.

ليست معزوفة الخوف على إسرائيل جديدة. إنها اسطوانة مشروخة لكثرة ما استخدمت ضد العرب، ضحايا العدوان المتواصل منذ قرابة قرن ونيف، الذين تعلم أوروبا علم اليقين أنهم لم يشكلوا في أي يوم مصدر خطر على أحد، بمن في ذلك الكيان الغاصب، الذي بادر إلى الاعتداء عليهم مرات متكررة، واحتل أراضيهم وطرد سكانها، وها هو يتوسع في فلسطين، التي غير اسم ما احتله من أرضها عام 1967 وجعله «يهودا والسامرة»، فهي ليست في نظره وممارساته أرضا عربية، ولا بد من أن يسطو عليها بعد احتلاها، وهو ما يحدث كل يوم وساعة ودقيقة، كما يرى العالم بأسره، ونأمل أن السيدة تراه بدورها دون أعين أيديولوجية أو أفكار مسبقة. ومن الطريف أن التمسك بأسطورة أمن إسرائيل يتعارض أشد التعارض مع ما يقوله ويفكر فيه قادتها، الذين أعلنوا آلاف المرات تفوقهم العسكري الكاسح على العرب، حتى أن رئيس وزرائهم الأسبق شارون قال عام 1982 متبجحا: إن جيشه يستطيع احتلال المنطقة بين الجزائر والعراق، بينما أعلن جنرالات كثيرون أنهم يتحينون الفرص لتدمير الدول والبلدان العربية المجاورة وإعادتها إلى العصر الحجري، فعلى من يجب أن يخاف الأوروبيون، وعن أي خوف يتحدثون، ومما يخافون؟!.

يمر العرب في لحظة فائقة الأهمية تضمر ممكنات كثيرة لا يعرف أحد بعد هويتها. وقد كان من حقنا على جيراننا الأوروبيون أن يخافوا علينا نحن، وليس على إسرائيل التي لم تعلن هي نفسها أنها خائفة. كما كان حريا بهم أن يبادروا إلى فهم ما يحدث، ولو من بعيد، وإلى إرسال وفد يجول في المنطقة ليحاور ويناقش ويسمع ويفهم، قبل أن يتخذ موقفا، خاصة وأن صفحة تطوى الآن في كل مكان، ربما كان الأوروبيون يخشون نتائجها، مع أنهم لا يعرفون بعد أبعاد ما يجري، وحري بهم أن يعرفوا قبل أن يتحدثوا، مثلما يفعل عادة العقلاء من الناس!.

هل استجاب الأوروبيون لطلب إسرائيلي، فأعلنوا موقفهم بناء على طلبهم؟. هذه إمكانية، لكنه كان على أوروبا استغلالها لإفهام الإسرائيليين أنهم يقوضون أمنهم بأيديهم، من خلال السياسات التي يتبعونها ضد العرب، وهي عدوانية صرف. كما كان بوسعهم تذكير المعتدين بحقيقة أن خير ضمانة لأمن الخائفين تكمن في إقلاعهم عن انتهاك أمن الشعب الفلسطيني، وسلب حقوقه واستيطان أرضه، كي يخرجوا من معادلة غبية تجعلهم يرون السلام من خلال أمنهم، بينما يرى العالم المتحضر كله أن الأمن وظيفة من وظائف السلام واحترام حقوق الغير والإقرار بشرعيتها. ومع أن بعض الأوروبيين فهموا خطورة المعادلة الصهيونية، على إسرائيل وجيرانها، فإنهم على ما يبدو غير مؤثرين على سياسة القارة العجوز الرسمية، المبنية على تجاهل سياسات إسرائيل كمصدر خطر وحيد على المنطقة، والتي تحملنا نحن المسؤولية عن ادعاء العدو أنه خائف، بينما هو في الواقع يضلل العالم، كي يفعل ما يريده في كل مكان من أرض العرب عامة، وفلسطين والجولان وجنوب لبنان خاصة.

بالأمس، قالت وزيرة خارجية سويسرا إن مشكلة المياه هي التي تحول دون السلام عندنا. يبدو أنه سيكون علينا من الآن فصاعدا أن نعطي العدو مياهنا، أو نسلم له بمياه الأراضي المحتلة، في حال انسحب منها، كي لا يحتاج هو إليها، ونموت نحن من العطش، علما بأن استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه يعادل تسعة أضعاف استهلاك الفرد العربي !. قال الوزيرة السويسرية ما قالته، بمجرد أن أعلن ناطق رسمي إسرائيلي أن الصهاينة سيشترون المياه من الخارج، خلال عشرة أعوام!.

لا نريد أن نشكو بعد اليوم. إذا كانت إسرائيل خائفة، فلتخف كما يحلو لها. كل ما يرجوه المرء هو أن نتحول فعلا إلى أمة بوسعها أن تخيف حقا وإلى أبعد حد أعداءها ومن يعتدون أو يفكرون بالاعتداء عليها، وليهلك الصهاينة من الخوف!.

 

إنهم يخافون على إسرائيل!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة