Thursday  17/02/2011/2011 Issue 14021

الخميس 14 ربيع الأول 1432  العدد  14021

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في نهاية الثمانينات من القرن العشرين المنصرم، أبصر النُّور مصطلح «الشراكة» وذلك في أروقة مؤتمر الأمم المتَّحدة للتِّجارة والتنمية. تلا ذلك بدء مرحلة العناية العلمية والمنهجية بتأصيل مضمونه، فتحول إلى

مَّادة خصبة للباحثين ومراكز البحوث والدراسات، وعنصراً مهماً على جدول أعمال النَّدوات والمؤتمرات، ثمَّ في مرحلة لاحقة اتخذته بعض المؤسسات والهيئات العامة والخاصَّة شعاراً لبرامجها ومبادراتها الاجتماعية والاقتصادية.

ولأنَّ مصطلح «الشراكة» يرتبط بالمجتمع وقضاياه ومشكلاته، فقد عُرف كذلك بمصطلح «الشراكة المجتمعية».

وتحمل الأدبيات العربية والإنجليزية مجموعة من الألفاظ المترادفة لهذا المصطلح، ومن ذلك المشاركة الاجتماعية، والمسؤولية المجتمعية، والمسؤولية الاجتماعية.

ولا يوجد على مستوى المنظومة العالمية اتفاق عام على تحديدٍ دقيقٍ لمباني هذا المصطلح ومعانيه. ففي حين يتسع مضمون هذه الشراكة عند فريق من المفكرين والباحثين بحيث يستوعب مختلف أنماط التعاون والتنسيق. فإنَّه عند فريق آخر يقتصر مضمونه على مجرد الالتزام المالي الذي تقدمه مؤسسات القطاع الخاص لتمويل برامج محددة لبعض المؤسسات الاجتماعية والخيرية.

وخروجاً من هذا التضارب الفكري في معنى ومبنى الشراكة المجتمعية، تميل الدراسات الحديثة إلى اعتبارها إطار عملٍ، أو عقد اجتماعي، تتقاسم بموجبه مؤسسات عامة أو خاصة أو خيرية، أو نُخب مجتمعية الأدوار والمسؤوليات والمصالح المشتركة، لتحقيق أهداف معينة، والقيام ببرامج ونشاطات محددة، تنسجم مع احتياجات المجتمع وتوقعاته، وتسهم في إيجاد حلول عملية لما قد يعانيه من مشكلات، في مجالات الإدارة، والاقتصاد، والتعليم، والخدمات، والبيئة، ومشكلات البطالة، ونحو ذلك.

هذه النوعية من العمل المجتمعي أكثر شمولية، وشفافية، وأوسع أُفقاً، وتعتمد النهج التكاملي في إدارة النشاط المؤسسي، وترتكز في الغالب على القيم الدينية والإنسانية والاجتماعية، كمحددات رئيسة في آلية عمل مؤسسات المجتمع وكياناته المتنوعة، والتي قد يصعب كثيراً على جهة أو قطاعٍ بعينه القيام بها دون الشراكة مع جهات أو قطاعات أخرى. كما أنَّها من جهة أخرى تتيح المزيد من الفرص لتوثيق الصلات والمبادرات بغرض التعاون وتبادل الخبرات. ومن ثمَّ فهي أداة مهمة لتفعيل العلاقة بين هذه المؤسسات، وتحفيزها ودعم أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية، بما يُعزّز من جهود التنمية، وبرامجها، ويدعم استقرار المجتمع وتماسكه.

ولعلَّ من أبرز ثمرات ونتائج تطبيقات الشراكة المجتمعية على المستوى الكلي:

- تطوير المجتمع والارتقاء بمؤشرات إنجازه، وتحسين إجراءات وبيئة العمل، وتهيئة قاعدة صُلْبة لتمكين المجتمع من تحقيق أهدافه التنموية، وتطلعاته المستقبلية.

- تلاقح الأفكار، وتبادل الخبرات، وأدوات التكنولوجيا، وتنمية ثقافة المسؤولية الاجتماعية.

- تفعيل العلاقة بين مؤسسات المجتمع، حول حدٍ أدنى من المرجعيات المشتركة، للنهوض بأدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية والإنسانية.

- الشراكة في آليات التخطيط والتصميم والتنفيذ، والتنسيق، للمشروعات والاتفاقيات والبرامج والأنشطة المشتركة، بما يساعد على تحقيق مصالح أطراف الشراكة، ويسهم في الوقت نفسه في تطوير القدرات الذاتية للمؤسسات الداخلة في نطاق هذه الشراكة، ويزيد من حصيلتها المعرفية.

- التوسع في القِيم المضافة لمخرجات هذه الشراكة لتشمل القِيم الإنسانية، والاجتماعية، والقانونية والبيئية.

في المشهد السعودي هناك حراكٌ فكريٌ مُتِّقد لتأصيل مضامين الشراكة المجتمعية، بما تشتمله من دراسات وحوارات وخُططٍ وإستراتيجيات، وبما تشتمله كذلك من فعاليات وأنشطة مصاحبة، مثل الندوات والمؤتمرات والملتقيات، فلا يكاد المشهد السعودي يخلو من فعالية هنا وندوة ومؤتمر هناك، يخص هذه القضية أو تلك.

هذا الأمر بطبيعة الحال له معطياته الإيجابية من جهة إثراء جوانب المعرفة، وبناء الدراسات، وتبادل التجارب والخبرات.

ولكن هل ذلك كافٍ!

في تقديري أننا بحاجة إلى تفعيل هذا المنجز الفكري والتأصيلي إلى واقعٍ مادي محسوس، ينعكس إيجاباً على قضايا المجتمع ومشكلاته وهمومه. وتحويل المبادرات ببرامجها وجداولها الزمنية المستهدفة إلى تطبيقات تتسم بدرجة عالية من الشفافية، والمصداقية، والفاعلية، والحيوية.

فحتى تاريخه لم يفلح هذا المنجز في إحداث اختراق واضح لجُدُر القضايا والهموم المجتمعية. والنماذج في ذلك كثيرة، منها: البطالة، بإرهاصاتها السلبية على أمن المجتمع واستقراره. والتضخم في عناصر وأدوات البيروقراطية والمحسوبية، والفساد الإداري والمالي، والانخفاض العام في مستويات الأداء والإنتاجية. والتآكل في البُنى التحتية والخدمية لبعض المدن والمناطق. وضعف الطاقة الاستيعابية لمنظومة الرعاية الصحية والطبابة، وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجات المواطنين. وتدني مستويات الرعاية الاجتماعية، واستمرار اتساع دائرة خط الفقر. والمشكلات والاختناقات المرورية تعصف بالمدن الرئيسة، ومشاريع النقل العام وتنظيم طرائق السير تراوح مكانها. والقائمة تطول!

عليه، فإنَّ إهمال معالجة هذه القضايا والمشكلات الساخنة يقودنا بشكلٍ أو بآخر، إلى تراجعات حادَّة في معايير وجودة مخرجات التنمية، ومنظومة البُنى التحتية والخدمية، فضلاً عن المنظومة الإدارية والمالية.

في المحصلة النهائية علينا أن نعيد رسم ثقافتنا عن مفاهيم الشراكة المجتمعية، وأهدافها وغاياتها، وأن ننأى بها عن المصالح الضيقة، والأهداف والأنشطة ذات الطابع الإعلامي التي تستنزف الجهود والموارد. وأن نتعامل معها بأهداف وغايات وشفافية تخدم مصالح العباد والبلاد، وتتجاوز كل الاعتبارات الأخرى، وتلامس بالدرجة الكافية والمطلوبة قضايا المجتمع ومشكلاته، وتعتمد الطرح الفكري الموضوعي، والحلول والبدائل المناسبة، التي يتوق إليها كل مواطن على ثرى هذا الوطن العزيز.

 

الشراكة والملفات الساخنة !
د. عبد المجيد بن محمد الجلاَّل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة