Friday  18/02/2011/2011 Issue 14022

الجمعة 15 ربيع الأول 1432  العدد  14022

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سأضع أمام القارئ قصة طريفة ليعقوب ابن الأمير عبدالرحمن الأوسط، أحد أمراء بني أمية في الأندلس الذي كان عهده مباهج، واستقرار وبروز مكارم الأخلاق في بعض المواقف، لاسيما إن كان الزاد متوفراً، والاستقرار حالاً، فيكثر التسامح، وتظهر المآثر، وتقول تلك القصة: إن أحد الشعراء مدح يعقوب بأبيات من الشعر، فأمر له بمال جزيل، فلما كان مثل ذلك الوقت جاءه بمدح آخر، فقال أحد خدام يعقوب: هذا اللئيم له دين عندنا جاء يقتضيه، فقال الأمير: يا هذا! إن كان الله تعالى خلقك مجبولاً على كره ردّ الصنائع فاجرِ على ما جبلت عليه نفسك، ولا تكن كالأجرب يعدي غيره، وإنَّ هذا الرجل قصدنا قبل، فكان منَّا له ما أنس به وحمله على العودة، وقد ظن فينا خيراً، فلا نخيب ظنه، والحديث أبداً يحفظ القديم، وقد جاءنا على جهة التهنئة بالعمر، ونحن نسأل الله تعالى أن يطيل عمرنا حتى يكثر ترداده، ويديم نعمنا حتى نجد ما ننعم به عليه، ويحفظ علينا مروءتنا حتى يعيننا على التجمل معه، ولا يبلينا بجليس مثلك يقبض أيدينا عن إسداء الأيادي. وأمر للشاعر بما أمر له به قبل، وأوصاه بالعود عند حلول ذلك الأوان ما دام العمر. وقال شعراً:

إذا أنا لم أجد يوماً وقومِي

لهم في الجُودِ آثارٌ عِظامُ

فمَنْ يُرجَى لِتَشييدِ المعَالي

إذا قعَدَتْ عَنِ الخيرْ الكِرامِ

وأقول: هكذا يكون الرجال وبمثل يعقوب تسود الأمم، فمع كرمه وعلو همته كان محباً للعلوم حاثاً عليها، ومع أن جليسه قد قال ما قال حرصاً على مال يعقوب، أو حسداً لذلك الشاعر - فالله أعلم بالمقصد - فإن يعقوب قد غلبته خصال جُبلَ عليها فلم يأخذ بحديث جليسه.

أما الأمير المنذر أخو الأمير محمد بن عبدالرحمن الأوسط فقد كان سيَّء الخلق شديد الكبر والتيه، عزله والده في قصر بعيد عن الناس تأديباً له، ومنع عنه النساء والشراب ثم أعاده بعدما عاهد والده على تجنب الصلف والكبر.

أهدى له أحد التجار جارية بارعة الحسن، واسمها «طرب» ولها صنعة في الغناء حسنة، وعندما وقع بصره على حسنها ثم أذنه على غنائها أخذت بمجامع قلبه، فقال لأحد خدامه: ما ترى أن ندفع لهذا التاجر عوضاً عن هذه الجارية التي وقعت منا أحسن موقع؟ فقال: تقدر ما تساوي من الثمن وتدفع له بقدرها، فقومت بخمسمائة دينار، فقال المنذر للخديم: ما عندك فيما ندفع له؟ فقال: الخمسمائة، فقال: إنَّ هذا للؤم، رجل أهدى لنا جارية، فوقعت منا موقع استحسان، نقابله بثمنها، ولو أنه باعها من يهودي لوجد عنده هذا، فقال له: إن هؤلاء التجار لؤماء بخلاء، وأقل القليل يقنعهم، فقال: وإنا كرماء سمحاء، فلا يقنعنا القليل لمن نجود عليه، فادفع له ألف دينار، واشكره على كونه خصنا بها، وأعلمه بأنها وقعت منا موقع رضى.

ولذا فاختيار الجلساء من دلالات الحكمة وكثيراً ما كان الجلساء مصدر نجاح أو فشل للمرء في حياته أو للعالم في عمله، أو للحاكم في حكمه. والمرء من جليسه.

 

نوازع
الجليس
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة