بهذه القصيدة الرائعة بل بتلك الملحمة العظيمة صدح الراحل نزار قباني، بمرثيته {بطه حسين} وكأن حالة العشق ماثلة اليوم مفعمة بمخافة عاشق فيما رأيته وسمعته عند محبي مصر الشقيقة على مستوى المواطن وأبناء مصر ممن تحتضنهم بلادهم الأخرى السعودية، وكأن لسان حال الجميع يلهج مخافة وعشقا لمصر مرددين هذين البيتين!!

مصر يا مصر إن عشقي خطير

فاغفري لي إذ أضعت اتزاني

سامحيني يا مصر إن جمح الشعر

فطعم الحريق تحت لساني

فالعشق هو مقياس الشعور عند الإنسان العاشق والمحرك المحرض لجملة اختلاجات نفسية ترجمته شعرا أو نثرا، فمن منابع العشق تتشكل الأهواء والأمزجة، فلعل أقرب مصداقية على ذلك قول (وللناس فيما يعشقون مذاهب) وأكاد أجزم بأن الكثير من الناس في الوطن العربي كان عشقهم وذهابهم مجتمعا في محبة مصر، فهي المؤثرة في الوجدان العربي، ولازالت منذ الأزل هي بيت العرب الكبير، حاضنة التاريخ العربي والثقافة العربية التي امتدت للدول الشقيقة وتأصلت في وجدانيات أدبائها عشقا وأدبا في محاكاة علومها وآدابها الزاخرة الغنية بشتى المعارف والآداب قديما وحديثا من عهد الفاطميين لعصر الحقب التي مرت بها ملكية وجمهورية من محمد نجيب لعبد الناصر للسادات لمبارك، فبقيت مصر متماسكة ببسالة وعزم رجالها الذين تصدوا للأعاصير والأنواء التي كادت أن تعصف بها شبح الكوارث المدمرة!!

فحب المصري لبلده مصر لا يعلى عليه، وإن كانت هناك بعض شوائب عكرت صفو الحياة هذه الأيام (بأم الدنيا)، فإن النهر الخالد (النيل) كفيل بغسل الأدران والأحقاد والضغائن، فليغتسل به هؤلاء الشباب ويتطهروا ويتبرؤون من أعمال شياطين الإنس المندسين معهم، عما أتى من توجهات خاطئة ألحقت الكثير من الضرر بسمعة مصر، فالرسالة وصلت وعليهم درء الضرر الجسيم الذي يكاد أن يفتك بجسد الأمة والوطن، فكادت مصر أن تفقد صوابها فيما أصابها ب- زلزال - مفاجئ مدفوع بتدافع غضب شباب طموح فيما عاناه من البطالة، فساقتهم أقدارهم بمظاهرة حاشدة بوجه الحكومة، خالية من صفة التنظيم ولا تحمل أدنى صيغة مرجعية تتحدث باسمها، فكان همهم ومطلبهم ترحيل الحكومة، على غرار ما حصل بتونس, رغم اختلاف الحالة والمطالبة!!

فالزلزال الذي لا تزال تعيش تداعياته وأبعاده مصر، كان بمثابة فرصة عظيمة أتت للأحزاب المصرية حينما فاجأتها المظاهرات، مثلما كانت مفاجأة للعالم أجمع، فاستثمرت هذه الأحزاب المناهضة للحكومة التحرك بعلو صوتها.. وفرصة أخرى سنحت وفسحت لأعداء مصر للاندساس بين هؤلاء الشباب الغاضب، وبدأت عملية التلقين بجملة من المطالب غير المعقولة التنفيذ الفوري، فليس بين ضحية وعشاها أن يتم استبدال الأمور بأمور وأوامر حكومية عاجلة ربما يكون ضررها أكثر من نفعها، فالمسألة تحتاج لبعض الوقت.. إلا أن الشباب السائرين بركب المظاهرة رفضوا الاستجابة للعقل ونداءات الحكومة فظلوا معتصمين بميدان - التحرير - بل بميادين أخرى بالقاهرة والمحافظات، وهو ما شكل أكبر عائق للسيطرة على الوضع من الناحية الأمنية، خصوصا وقد دخل التظاهرات الكثير من المندسين من الحرامية والبلطجيين، ناهيك عن هروب الآلاف من السجون وهم يحملون السواطير والسكاكين والبنادق وكان السلب والنهب قد طاول الأهالي الأمنين في بيوتهم، ولولا التدخل السريع من قبل الجيش بعدما استغاث به الأهالي لكانت الحالة تحولت - لمذبحة - فتم ضبط الخارجين عن القانون والمستغلين للمظاهرات الشبابية!!

فالشيء المتعارف عليه حسب القوانين والأعراف الدولية، بأن هذا شأن مصري داخلي، ليس لأحد علاقة التدخل به، ولكن ما يغيض هو ما أتى من فيض التدخلات بالتصريحات الأمريكية والأوروبية الفجة والمتناقضة في معظم الأحيان، ولتأتي ثالثة أثافي الشر المستطير تصريحات المرشد الإيراني (خامنئي) في تصريحاته المحرضة للجيش والشعب المصري فكيف تهلل إيران لمظاهرة الشباب المصري!؟ بينما هي سحلت شباب المظاهرات الإيرانية ونكلت بأهاليهم، ولكن ليس هذا بمستغرب من المكر الخبيث من (الفرس) الكارهين للعرب بل الدول العربية من المحيط للخليج العربي!!

نسأل الله أين يجنب مصر العربية الشقيقة، الفتن والزلازل والمحن، وأن تخرج سالمة معافاة من هذه الأزمة الخانقة الراهنة!!