Thursday  24/02/2011/2011 Issue 14028

الخميس 21 ربيع الأول 1432  العدد  14028

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

حينما تم إعدام معارض ليبي في ساحة عامة بطرابلس، ونقل ذلك مباشرة على شاشة التلفزيون الليبي، أمام الحشد المتفرّج الهائج بصخب، في رواية عنوانها «في مدن الرجال» للروائي البريطاني من أصل ليبي هشام مطر، كان القارئ الغربي مأخوذًا بوصف العنف وملاحقة المعارضة الليبية وتصفيتها.

هذا الروائي الشاب الذي قابلته قبل سنتين في لندن، والذي خطف البوكر البريطانية بروايته الحزينة تلك، ماذا سيفعل الآن وقد أدان النظام الليبي باختطاف والده وتغييبه، وتصفية الآخرين، ماذا سيفعل وهو الذي داهنه رجال المخابرات حين كان طفلاً بأصبع شوكولا، كي ينتزعوا منه معلومة؟ ماذا سيقول وهو يتذكّر كيف تم تزيين مجلس الرجال والصالون في بيتهم بصور العقيد قبيل دخول رجال المباحث كي لا يتهموا بأن لهم علاقة بالمعارضة؟.

من قرأ هذه الرواية حينما ترجمت إلى العربية قبل سنتين، وقارن بين أحداثها وبين ما يحدث الآن من قتل وحشي وإبادة جماعية مريعة يدرك أن الرواية، والفن عمومًا، حينما يحاول أن يعكس الواقع، يأتي أقل بكثير مما يحدث في الواقع المخيف، وأن مقطع «يوتيوب» التقطته كاميرا جوال شاهد عيان، أكثر تعبيرًا وصدقًا مما يقدمه فيلم طويل قامت به شركات إنتاج ضخمة!.

فماذا يحدث في بنغازي والبيضاء وطرابلس والزاوية؟ وأي حماقات يرتكبها هذا النظام الدموي هناك؟ وأي جرائم سيفعلها بعد أربعة عقود وحشية؟ وماذا تبقى بعد أن حوّل بنغازي إلى ساحة حرب ومجزرة بشرية لا يقبلها العقل؟.

بل ماذا بعد كلمته العجيبة، التي تكشف عن ذهنية دكتاتورية مستبدة، فبدلاً من الوعود - ولو كذبًا- بإجراء إصلاحات في البلاد، ها هو يهدد بفعل ساحق، كقصف البرلمان في روسيا أثناء وجود النواب بداخله، أو قصف حركة تيان انمين في بكين، أو قصف الأمريكان للفلوجة في العراق، بل إنه يستخدم القانون الذي يجيز إعدام من يرفع السلاح ضد الدولة، وكأنه يحتاج إلى القانون كي يفسّر تلك المجزرة المريعة!.

لماذا لم يفعل الغرب سوى إدانة خجولة، كأنما من باب رفع العتب؟ ومتى؟ بعد أيام من القمع الوحشي الشرس؟ أين التصريحات المتابعة عن كثب في حالتي مصر وتونس؟ أين مطالب الديمقراطية؟ وأين منظمات حقوق الإنسان؟ هل لأن ليبيا ليس من دول المواجهة ولا تعني شيئًا، أم أن هناك اتفاقات سرّية، من نوعية تصريح رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني، الذي لم يرد إزعاج الزعيم الليبي بشأن الاحتجاجات؟.

هل هذا الصمت له أسبابه ودوافعه، وهل معايير الديمقراطية وحريات الشعوب وحقوقها تختلف من بلد إلى آخر؟ تخضع لعلاقات دول الغرب بأنظمة هذه البلدان؟ ألا يجب أن تتحرك جميع المنظمات والهيئات الدولية لإيقاف هذه المجزرة الوحشية؟.

كم كانت تلك الرواية التي سردت حالة المعارضة في ليبيا الثمانينيات بسيطة جدًا أمام ما حدث خلال الأسبوع الماضي؟ وماذا لو قام المعارض الذي تم شنقه في ساحة عامة بتهمة الخيانة من قبره، ورأى ركام الجثث في بنغازي وطرابلس؟ ماذا سيقول؟ حتمًا سيزم شفتيه ويعود إلى قبره، أو إلى أوراق الرواية مطمئنًا إلى أن مصيره أخف بكثير من هذا الموت العبثي.

 

نزهات
المجزرة أكبر من رواية!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة