Saturday  26/02/2011/2011 Issue 14030

السبت 23 ربيع الأول 1432  العدد  14030

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بينما يبحث العرب بقلق بالغ عن حلول لأزمات لبنان المزمنة والمستعصية، التي تبدو بلا نهاية.. وفي حين يختلف المعنيون بالشأن اللبناني حول النقطة التي يجب البدء منها، والجهة التي ستتولى الحل أو الإشراف عليه أو على تنفيذه، وتتدخل قوى لها أول.. وليس لها آخر في كل كبيرة وصغيرة لبنانية،

ويبدو أن العالم لا يريد حل المشكلة بين اللبنانيين.. أو أنه عاجز عن حلها، شأنه في ذلك شأن العرب، العاجزين عن التحكم في مشكلاتهم، التي تتعاظم وتزداد عدداً وتعقيداً، ويتأكد يومياً أنهم يسيرون نحو وضع يجعل منهم ميداناً لاختبارات يجريها عليهم الآخرون، يدلي وزير خارجية إيران الجديد السيد علي أكبر صالحي بدلوه في بئر الأزمة عبر تصريح يقول: إن حل مشكلة لبنان لا يمكن أن يكون غير إقليمي، أي أنه ليس عربياً أو دولياً.. ومع أن التصريح يطرح سؤالاً رئيساً حول قدرة إيران على اختطاف المشكلة اللبنانية من أيدي العرب والعالم، فإنه يقول بلغة واضحة: لا حل في لبنان.. إذا لم يكن فيه دور لإيران.. لا حاجة إلى القول: إن أحداً لم يحتج.. أو يُعلِّق على هذا التصريح الخطير، الذي يلمح إلى قدرة طهران على تعقيد المشكلة ومنع حلها بما يتوفر لها من قوى لبنانية موالية أو مسايرة، إن هي لم تشارك في حلها باعتبارها مشكلة إقليمية يعزز دورها فيها مكانتها في مجمل المنطقة وحيال جميع دولها وكياناتها السياسية، وهذا موقف ليس مقبولاً من إيران.. أو من أية دولة أخرى، كفرنسا أو أمريكا أو روسيا أو الصين... إلخ، إلا إذا أثبتت إيران عبر حل تطرحه أنها فاعل خير يريد للبنان الخروج من استعصائه الداخلي، التي هي طرف رئيس جداً، وإن غير مباشر، فيه، وكان حلها مسانداً لحل عربي، ما دام لبنان عربياً، ومشكلاته جزءاً من مشكلات العرب الحالية، وحلها يسهم في حل غيرها من أزماتهم، وما دام دخول إيران على الخط سيفضي حتماً إلى دخول القوى المحلية والدولية المعادية لها إلى الميدان، بما لها من مواقف وصراعات بعضها ضد بعض، مما سيعقِّد وسيطيل مشكلة يُراد حلها بأقصى سرعة ممكنة، علماً بأن إسهامها في الحل قد قيَّد العمل السياسي ويطلق العنان لنوازع القوة وموازينها الداخلية والإقليمية والدولية، مع ما سيُلازم هذا كله من تعاظم أنماط من التغلغل المتنوع الأشكال والمصادر في لبنان والعالم العربي، تزيد من استباحتهما، ومن تزايد في استثمار نقاط ضعفهما الكثيرة، الأمر الذي سيتناقض مع تصريحات رسمية إيرانية دعت طيلة أسابيع إلى الهدوء والسلام، وأيدت تضييق الخرق الداخلي بين القوى اللبنانية، علماً بأن لبنان لا يحتمل، في ظل تفاقم خلافاته الخاصة واحتدامها وطابعها العنيف دخول جسم كبير كإيران إليه، وهو الذي يضيق منذ قرون ببناته وأبنائه، ولا يعرف كيف يوفق بينهم، أو كيف يستعيد قراره من أيدي الآخرين، إقليمياً ودولياً.

هل يعني تصريح الوزير أن إيران لن تسمح بحل عربي؟.. وهل يعني أن الحل الإقليمي لن يشارك فيه العرب، ما دام هؤلاء ليسوا من الإقليم بل هم أهل البيت؟.. وماذا يمكن أن تكون نتيجة حل إقليمي كهذا، ستطالب إسرائيل، القوة الإقليمية الأخرى، بالمشاركة فيه، ولو عن طريق طرف ثالث، في حين يرجح أن يكون المشارك الثالث، تركيا، هي الدولة الإقليمية بامتياز، التي تتطلع إلى احتواء أزمته مع الأطراف المختلفة، بما في ذلك العربية، وتريد تالياً ما لا يريده غيرها، لأنها ترفض تغيير هويته ودوره، بينما تريده كل من إيران وإسرائيل لمكان ودور مختلفين عن مكانه ودوره الحالي؟.. وماذا سيترتب على انخراط هذه الأطراف المتناقضة المتنافسة في حل سيلقي على كاهل اللبنانيين أعباء لا قِبل لهم بمواجهتها، ولا قدرة على تحمُّل نتائجها، علماً بأن لقاء هذه القوى لإيجاد حل لن ينتج غير مزيد من الصراعات والانقسامات داخل لبنان، وربما أدى إلى حرب أو حروب إقليمية - دولية ضارية يعلم الله وحده أية دول، فضلاً عن لبنان، ستعاني منها، وأية نظم قد تختفي من الوجود بسببها، لكونها فرصة ثمينة بالنسبة لإسرائيل المتربصة، التي لها ثأرات كثيرة في المنطقة، سيكون نشوب حرب في لبنان - لا قدَّر لله - مناسبة لأخذها؟.

ليس التعقيد سياسة مفيدة أو صائبة في أزمة لبنان أو غيره من دول المنطقة.. وليس من التسهيل أن يعلن الوزير صالحي مقولته في وقت يبدو معه أن الأزمة مرشحة لتصعيد جديد لا يعرف أحدٌ إلى أين سيقود، أو متى سينتهي؟.. بينما المطلوب تهدئة الأطراف اللبنانية ودفعها إلى ساحة قواسم وجوامع مشتركة تقوم على حلول وسط بين أطرافها، التي لا يجوز أن تتصارع، لأن صراعها يحوِّل بلدها إلى عقدة صراعات لا قرار لها فيها.. ولا قدرة على مواجهتها، ستتورط فيها القوى الخارجية المتصارعة، الباحثة عن حلول لأزمات أخرى في المنطقة على حساب لبنان الضعيف، مما سيدفعها إلى تسعير نيران معاركها فيه، مع أنه ليس بحاجة إلى صب مزيد من الوقود على لهيب خلافاته الخاصة، ولا يريد أن تنفرد بأموره تقوى تقصي غيرها منه، خاصة إن تم ذلك بالقوة.. إذا كان هناك من يريد حلاً للبنان، فإن حله يجب أن يكسب دولته مناعة ضد إسرائيل، ويضم صفوف أحزابها وطوائفها في مواجهة فتنة داخلية ستطيح به كوطن لجميع بناته وأبنائه وستفتته إلى كيانات متعادية تحكمها إسرائيل، فهي فتنة لا رابح فيها، باستثناء العدو المتربص، الذي يفترض بالجميع مقاومته ومواجهته.

هل جاء دور لبنان كي يصير ساحة الصراع الإقليمي - الدولي الرئيسة، بعد أن تم التوصل إلى طريقة في التعايش الأمريكي - الإيراني في العراق، ودخل التطور فيه إلى مسار جديد قد يتسم بالتنازع والتجاذب، لكنه يضمر كذلك إمكانية تفاهمات تساعد على توازن المصالح المتضاربة، التي إن حدث خلل فيها، وقع بصمت، دون أن يبدو كمعركة بين القوة الإقليمية والقوة الدولية؟.. هل يتحمَّل لبنان صراعاً أمريكياً - إيرانياً، بعد قرابة نصف قرن من الإنهاك والقتال والحروب الصغيرة والكبيرة، التي جعلته يبدو كبيت تقوضت أركانه وانهارت جدرانه وسقط سقفه، يحاول شعبه الخروج من تحت ركامه بأي ثمن، بينما تتراجع فسحة الأمل في قلوب مواطنيه، ويحارون فيما يفعلونه لمواجهة مصيرهم البائس.

لا مخرج أمام لبنان غير تفاهم أطرافه والأطراف العربية على حل عربي ينتشله من مأزقه.. فينجو العرب أيضاً من انعكاساته الخطيرة إلى أبعد حد عليهم، وإلا فإن الحل الإقليمي والدولي المطروح لن يكون حلاً، والبرهان أن هذه الحلول جُربت منذ قرون دون أن تنجح، ولو نجحت لما كنا اليوم أمام أزمة معقدة متفجرة، هي الأخطر دون شك في تاريخه، لأنها قد تأخذه إلى أماكن كثيرة، ليس بينها أي مكان يخدم شعبه!.

هل يبادر العرب من جديد، أم يقفون مكتوفي الأيدي للمرة الألف، بينما تشتعل النار في البيت اللبناني وتنتقل إلى بيوتهم، وإن تظاهروا بأنهم لا يشعرون بلهيبها!.

kilo.michel@gmail.com
 

حل إقليمي.. أم عربي؟
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة