Monday  28/02/2011/2011 Issue 14032

الأثنين 25 ربيع الأول 1432  العدد  14032

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

كان من المفترض أن أواصل هذا الأسبوع في المسيرة لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الريال والدولار والنفط والوحدة النقدية من أجل بناء ثقافة اقتصادية واعية حول الاقتصادي النقدي بشقيه المحلي والدولي (monetary economics الجزيرةinternational monetary economics). وقد مررنا بإيجاز خلال الأسابيع الأربعة الماضية حول العلاقات التي تربط الريال بالدولار

وأثر ذلك على السوق النقدية المحلية والسياسات النقدية المتعلقة بها. وكان من المفترض في هذا الأسبوع وما بعده أن نكشف اللثام عن كثير من الأمور الضبابية التي يكثر فيها الخلط والخطأ عن الإمكانية النظرية والإمكانية العملية لبيع النفط بالريال أو بالعملة الخليجية سواء في المدى الزمني المتوسط أو البعيد أو من حيث التخطيط الاستراتيجي للاستعداد للمتغيرات. وبيع النفط بغير الدولار نظريا أو عمليا، استراتيجيا أو ضرورة سيجرنا إلى الخوض في العملة الخليجية الموحدة وأثرها الاستراتيجي المحتمل في المدى الطويل وإمكانيته من الناحية العملية وفوائدها وأضرارها. هذه المواضيع ستأخذ منا أشهرا عدة وقد كثر الإلحاح علي أن أؤجلها وأقدم عليها طرق حساب كلفة التمويلات والحيل البنكية العالمية والمحلية التي كثرت بسبب غياب الثقافة التمويلية عن كثير من كبار المستثمرين فضلا عن صغارهم وبسبب خلط كثير من الأكاديميين المتخصصين فضلا عن غيرهم. كل ذلك بسبب الجهل المركب الذي تسببت به فوضى ما يسمى بالصيرفة الإسلامية حتى انتشر داء هذا الجهل إلى موظفي البنوك من الإدارة المتوسطة بل والعليا في كثير من الأحوال.

وقد وعدت القراء في زاويتي الأسبوعية في الأخيرة في مقال سابق بعنوان «الرهن العقاري وسيناريوهاته المحتملة» بأن أشرح كل ما يدور حول الرهن العقاري وطرق تمويله وأفصل كثير من السيناريوهات بمختلف الفرضيات الممكنة وبأمثلة رقمية، مع توضيح كثير من أساليب التمويل والخدع البنكية الممارسة وغير الممارسة، وما هي أرخص طرق التمويل، وطرق إمكانية تخفيض الفوائد عن طريق ضمانات الحكومة أو إعاناتها وإمكانية استخدام الضمانات والتسهيلات الحكومية لمنع رفع أسعار الأراضي وغير ذلك، فكثر علي الإلحاح بالتعجيل لذا فهذا هو المقال الأول في الاقتصاد المالي (financial economics) فإذا سرنا به ما شاء الله لنا أن نسير سنعود إن شاء الله لإكمال ما وعدنا به في الاقتصاد النقدي الدولي (international monetary economics) من حيث علاقة الريال بالنفط وعلاقتهما بالوحدة النقدية.

طريقة حساب بنوكنا لمعدل الفائدة

أول ما يجب أن نبدأ به في هذا الموضوع هو تبيين طريقة حساب بنوكنا للفائدة التي يسمونها «هامش المرابحة». بنوكنا كغيرها من البنوك بياعة فلوس لا بياعة سلع. لذا فكل أنظمة وقوانين بيع الفلوس تطبق عند بنوكنا.

1 - شرح مفهوم التمويل من حيث حساب سعر الفائدة:

ولكي أقرب مفهوم التمويل للأذهان فيسهل فهم ما سأقوله، فإن وصف تأجير الفلوس على التمويلات هو الأكثر قربا للفهم من وصف بيع الفلوس. فلنفترض أن مليون ريال هي عبارة عن مبنى فيه 10 أدوار. وأن البنك هو صاحب المليون (أي المبنى) وأن المستثمر يريد استئجار المبنى كله لمدة عشر سنوات. واتفق على أن الإيجار هو مئة ألف ريال سنويا، كل دور بعشرة آلاف ريال. فهناك سيناريوهان أساسيان محتملان (يتفرع منها عشرات الموديلات التمويلية):

السيناريو الأول: فإذا كان المستثمر سيحتفظ بالمبنى كاملا لمدة عشر سنوات يدفع آخر كل سنة مئة ألف ريال ثم في السنة الأخيرة يرد المبنى مع أجرة إجارة آخر سنة فهذا الموديل هو كنظام السندات أو ما يسمونه عندنا تدليسا (صكوك). أو قد يكون تمويلا استهلاكيا أو استثماريا أو رهنا على عقار ولكن لا يدفع من رأس القرض شيئا بل تدفع الفائدة فقط حتى موعد انتهاء فترة التمويل فيدفع كامل القرض بالكامل.

السيناريو الثاني: إذا كان المستثمر يريد التخلي عن دور من المبنى كل سنة وإرجاعه للبنك فهو سيدفع في آخر السنة الأولى المائة ألف قيمة الإجارة (الفائدة) ويعيد دورا كاملا وقيمته مائة ألف (على أساس أن المبنى هو مليون ريال مقسم على عشرة أدوار). ففي السنة الثانية سيدفع المستثمر في آخرها إجارة (فائدة) قيمتها تسعين ألفا فقط لأنه استعمل تسعة أدوار (900 ألف باقي في ذمته) وسيتخلى عن دور آخر أي يعيد 100 ألف من أصل التمويل وهكذا حتى السنة العاشرة لم يبق له إلا دور واحد (أي مئة ألف) سيرجعها مع إجارة دور واحد أي عشرة آلاف ريال أي أنه سيدفع 110 آلاف في آخر السنة العاشرة وينتهي من سداد كامل التمويل.

اضطررت إلى هذا التمثيل المفصل من أجل أن أزرع في القارئ مفهوما يجب أن يجعله دائما وأبدا في ذهنه عند النظر في أي مسألة من مسائل التمويل مهما اختلفت المسميات والأشكال والموديلات، وهو أنه دائما وأبدا الفائدة على ما تبقى في الذمة من رأس المال الممول. وهو مفهوم سهل لولا أن ألاعيب الصيرفة الإسلامية قد أفسدت على الناس تصورها وأفهامها حتى أصبح المنطق البسيط عسير الفهم والإدراك.

أمثلة رقمية توضيحية لطريقة حساب بنوكنا للفائدة (ما يسمونها بهامش الربح):

إذا فهمنا منطق أن التمويل هو عبارة عن إجارة للفلوس سنستطيع أن نكشف بعض الضبابية عن تمويلات بنوكنا. كل البنوك بلا استثناء (مهما زعمت أنها إسلامية ومهما ابتعدت عن الصورية) تحسب الفائدة على ما تبقى من رأس المال (كمثال إجارة العمارة)، وهذا هو العدل والإنصاف. فلا يصح أن تأخذ مني فائدة على مال أرجعته إليك. ولكن بنوكنا من أجل الادعاء بأسلمة التمويلات يقولون إنهم باعوك سلعة بالتقسيط ثم شروها منك هم أو شريك لهم أو وكيل أو من يتفقون معه (عينة ثلاثية). والاستصناع والاستزراع وإلى آخر اللائحة، كلها من هذا النوع، وليس هنا مجال الخوض في ذلك.

فتجنبا لقوا بأنهم يأخذون الفائدة على ما تبقى من رأس مال التمويل فهم يحسبون كم هو مجموع الفوائد ثم يحولونه إلى هامش مرابحة. وبالمثال وعكسه تتضح الرؤيا إن شاء الله.

المثال الأول: قرض استهلاكي لمدة خمس سنوات قيمته 100 ألف ريال والسداد على أساس شهري بحيث يسدد التمويل وفائدته عبر دفعات ثابتة (أي كالتمويلات التي اعتاد الناس عليها اليوم).

1 - ينظر البنك إلى كلفة هذا المال عليه، لأن قيمة القرض من المفترض أنها لم تدخل على البنك مجانا. وبشكل مبسط فهو سيضع فائدة عبارة عن مجموع من الآتي: (الفائدة على الودائع أي الريبو العكسي + عوامل العرض والطلب على الفلوس والمدة حتى عام واحد أي السايبر + مخاطر تغير الفائدة (في حالة أن الفائدة ثابتة) + مخاطر عدم التسديد أو التأخر في الدفعات + التغيرات الأخرى كالتغيرات القانونية والسياسية والذوقية وغيره + التضخم المتوقع خلال الخمس سنوات + الربح).

فلنفترض أن مجموع الفائدة المطلوب بعد جمع كل هذه العوامل وصل إلى 7%. (ودائما وأبدا إذا ذكرت الفائدة فهي على أساس سنوي أي 365 يوما (360 في حالات سوق الأوراق المالية القريبة من الكاش أي عالية السيولة وهذا لا يهمنا هنا).

2 - يحسب البنك الدفعة الشهرية على أساس 7%. ولكي يفعل ذلك فهو يحتاج إلى ثلاثة معطيات أخرى هي:

أ - هل هناك دفعة ستبقى من أصل القرض سيدفعها المقترض في آخر الخمس سنوات (كالإجارة المنتهية بالتمليك).

ب - ما هو رأس المال الذي سيأخذه الزبون.

ج - ما هو عدد دفعات السداد.

إذن فهي خمسة أمور (مجاهيل، معطيات) إذا حصلنا على أربعة منها نستطيع حساب الخامس.

وفي مثالنا الأول عدد الدفعات هو 60 (12 شهرا × 5 سنوات). وسعر الفائدة هو 7%. وقيمة التمويل هي 100 ألف ريال وليس هناك دفعة أخيرة (مثل الإجارة المنتهية بالتمليك). فنستطيع باستخدام أنواع كثيرة من الحاسبات والبرامج قيمة الدفعة الشهرية وهي في هذه الحالة 1980 ريالا شهريا.

3 - يقوم البنك باستخراج ما يسمونه بهامش الربح عن طريق فصل مجموع قيمة الفوائد عن أصل قيمة التمويل وذلك بالآتي: حساب مجمل المبلغ الذي سيتم تسديده أي 1980× 60 =118.807 ريالات سعودية. وبما أن أصل التمويل هو 100 ألف ريال إذن مجموع الفوائد هو 18.807 ريالات خلال خمس سنوات. لذا يحسب البنك حساب الربح في السنة الواحدة بتقسيم مجموع الفوائد على خمسة أعوام أي 3.761 ريالا سنويا. وبتقسيمها على أصل القرض (100 ألف) تصبح الفائدة التي يسمونها هامش الربح 3.761 %. ثم يسوِّقونه على أنه تمويل الخير ببيع سلعة ما.

4 - إذا أراد المقترض الخروج من القرض وسداد الدين بالكامل فإن البنك بالطبع لا يعترف بالفائدة التي سوقها على الناس ودلس بها وهي 3.761 % والتي أسماها هامش ربح. ولكن بالفائدة الحقيقية وهي 7% وهي التي تمثل كلفة التمويل على البنك مع ربحه. (وهذا على افتراض أنه لم تكن هناك أي عقوبات على السداد المبكر). فلو أراد المقترض الخروج من الدين بعد عام أي بعد سداد 12 دفعة شهرية مجموعها 23.761 ريالا فإن البنك سيحسب منها ما قيمته 6.451 ريالا كفوائد سنوية وهي تمثل 7% وليس كما هو معلن بأن الفوائد السنوية (هامش الربح) هي 3.761 ريالا. وباستحضار مثال المبنى الذي يعيد المستأجر جزء منه نستطيع أن نفهم لماذا كانت الفائدة السنوية في السنة الأولى 6.451 ريالا وليس سبعة آلاف، لأن السداد بدأ مع أول شهر والفائدة دائما وأبداً على ما تبقى من رأس المال.

ملاحظة:

1 - دائما تكون فائدة 7% = 3.761 لا تختلف باختلاف رأس مال التمويل ولكنها تختلف كثيرا باختلاف المدة الزمنية (على اعتبار ثبات المعطيات الأخرى ككون الفائدة متراكبة شهريا والالتزام بهذا الموديل من التمويل).

2 - باستحضار مثال المبنى ندرك بأنه طالما أن الدفعة الشهرية ثابتة فإن نسبة قيمة الفائدة منها شهريا تتناقص على حساب زيادة نسبة قيمة سداد أصل الدين. وبالنظر إلى جدول السداد سنرى أن في الدفعة الشهرية الأولى كان منها 583 ريالا فائدة و1397 ريالا سدادا لأصل القرض. بينما الدفعة الأخيرة كان منها 11 ريالا للفائدة و1969 ريالا لسداد أصل القرض. واستحضر مثال المبنى السابق لتتمكن من المسألة.

وقد عرفنا الآن طريقة حساب هامش الربح في بنوكنا وفهمنا كيف أن الفائدة تحسب دائما على ما تبقى في الذمة من رأس المال بقي علينا أن نأتي بمعكوس هذا المثال وهو إذا أردت أن تتسوق لتبحث عن أقل التمويلات غلاء وبنوكنا لا تفصح مقدما عن سعر الفائدة الحقيقي متسترة بصورية هامش الربح فكيف تستطيع أن تميز بين كلفة التمويلات مع اختلاف مدد السداد على افتراض هذا الموديل البسيط الذي تعلمناه اليوم؟ هذا ما سنتطرق إليه الأسبوع القادم بعد البدء بإدخال حيلة بنكية تلو أخرى على مر الأسابيع والله الميسر وإلى اللقاء.

hamzaalsalem@gmail.com
 

من أجل بناء ثقافة اقتصادية واعية
طرق حساب كلفة التمويلات والحيل البنكية «في طريقة حساب بنوكنا لمعدل الفائدة» 1-15
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة