Monday  28/02/2011/2011 Issue 14032

الأثنين 25 ربيع الأول 1432  العدد  14032

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

أحد الأسئلة الكبيرة، وربما أكبر الأسئلة التي تدور في رؤوس ثلاثمائة مليون عربي هو: ما الذي يجعل الحكام العرب أكثر من غيرهم من الحكام، ومنذ آماد طويلة ينحازون للاستحواذ والمحسوبية وتفضيل العيش تحت الحراسة المشددة، مضحين بإمكانية الجمع بين الحياة السعيدة الرغيدة والقرب من قلوب الناس والنوم دون حاجة إلى أسوار عالية وحراس مخيفين؟.

السؤال هكذا ربما يفتقر إلى الدقة التاريخية، ولكن الناس يسألونه بهذه الطريقة. للدقة التاريخية يجب أن يكون السؤال: لماذا تأخر أغلب الحكام العرب عن غيرهم من حكام العالم واستمروا متمسكين بالطريقة التقليدية حسب المواصفات المذكورة أعلاه في أسلوب الحكم؟. جميع شعوب العالم كانت تحكم تقليدياً بطريقة الجمع بين القوة والبطش ومصادر الرزق في يد واحدة. لم يمض أكثر من مئة سنة بعد، وهي فترة قصيرة نسبياً في المسيرة البشرية، منذ أن تخلت دول كثيرة عن هذه الطريقة لصالح طرق أقرب، كثيراً أو قليلاً، إلى مصالح الناس وقلوبهم وهمومهم الوطنية.

أكثر الحكومات والقيادات في البلاد العربية وأكثر البلدان الإسلامية بقيت متخلفة عن مسيرة التطور التاريخي في أساليب الحكم وإدارة الدولة واستمرت متمسكة بكل المفاتيح، متحملة مسؤولية ما يترتب على ذلك من الابتعاد عن الشعوب اتقاء لغضبها وانتقامها.

منذ شهور قليلة فقط بدأ يتضح أن التطور التاريخي في التعامل مع مصالح الناس والأوطان والمستقبل استطاع أن يطل برأسه في العالم العربي أيضاً، ليس على استحياء وإنما بعنف شديد. لكن السؤال الكبير الذي طرحته في أول المقال مازال يدور في عقول الناس في كل البلاد العربية لأنه سؤال مهم ومحير وليس من السهل العثور له على جواب في مفاهيم الإنسانية والالتزام الوطني بالصالح العام. الناس يتساءلون عن السبب الذي جعل حاكماً كالرئيس التونسي السابق مثلاً يخبئ أطناناً من المال والمجوهرات في جدران قصره غير الأموال التي هرَّبها إلى الخارج، بينما شعبه جائع. ما حاجته إلى كل هذه الأموال وما الذي جعله يفتح خزائن بلده لأقربائه ومحاسيبه ويترك شعبه للجوع والإحباط والغضب منتظراً اللحظة المناسبة للانقضاض عليه. ألم يكن زين العابدين بن علي يدرك أنه يقترف بحق نفسه وعائلته ووطنه خطأً تاريخياً كبيراً جعله يعيش داخل أطواق متتابعة من أنظمة الحراسة، حتى أصبح هو وأفراد عائلته وخاصته في الواقع مساجين لمن يقومون على حراستهم؟. أكبر برهان على واقعه ذاك كان ما أدركه في لحظاته الأخيرة بعد ثلاث وعشرين سنة على حكم تونس حين اعترف بأنه لم يكن يعرف واقع الشعب الفعلي وأنه فقط في تلك اللحظات المتفجرة بدأ يفهم. حراسه كانوا يلعبون معه دور الحارس والسجان، بحيث قطعوا عنه التواصل مع الناس وجعلوه يعيش داخل ثلاثة أوهام خطيرة. أوهموه أن الناس مبسوطة وراضية بأحوالها، وأنه يتمتع بشعبية جارفة، وأنه في عزلته تلك يتمتع بأمان أبدي لن يستطيع أن يتجاوزه إليه سوى الموت الطبيعي.

ما الذي جعل الحاكم العربي حتى اليوم، هكذا يتساءل الناس، يغض النظر عن أقاربه وخواصه ومحاسيبه ويتركهم يتنافسون في الوصول إلى أكبر قدر من الممتلكات والأطيان والثروات، بينما يمكن بجزء صغير منها توفير أفضل أنواع الحياة الكريمة لهم ويبقى الناس عنهم راضون. ما الذي أقنع الحاكم العربي، بخلاف الحكام الآخرين بالاستمرار في اعتقاده بأنه لن يكون مهاباً ومقدراً إلا إذا كان متجبراً جامعاً لكل مفاتيح البلد في يده؟.

حالياً يشاهد العالم كله ما يحدث بين معمر القذافي وشعبه. هذا الرجل يحكم منذ اثنتين وأربعين سنة بالبوليس السري والحديد والنار، وجعل من نفسه وأولاده وأسرته كائنات شبه خرافية بمقاييس الثروة والسطوة والبطش. القذافي عندما فعل هذا ترك شعبه وبلاده في حالة محزنة ومزرية، وما أن أتيحت الفرصة حتى انفجر البركان المكبوت. على الأرجح سوف ينتهي القذافي قريباً ومعه من تعلق به نهاية فاجعة ولن تنفعه أمواله ولا الذين زينوا له جنون العظمة وعزلوه عن الناس.

لعله من لطف الله بنا ثم بحكمة ووطنية الملك المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز أن نكون قد بدأنا صفحة جديدة تناسب الزمن الجديد والعقليات الجديدة.

 

إلى الأمام
المواصفات الجديدة للتعامل مع الشعوب
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة