Tuesday  01/03/2011/2011 Issue 14033

الثلاثاء 26 ربيع الأول 1432  العدد  14033

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

سواد أبيض
زياد عبدالله السويلم

رجوع

 

نفد الحبر من المطبعة فقرر المناوب عن تلك الليلة في صحيفة الواقع إرسال الصحف بيضاء تماماً إلى قسم التوزيع. على مكتب رئيس التحرير صباحاً، وبعد اطلاعه على عدد اليوم لم يصدق عينيه، صرخ في وجه السكرتير، بيضاء، بيضاء تماماً، أتسخر يا هذا!

لم يدر ماذا يقول، وأردف متوتراً: ولكن يا سعادة الرئيس هذه هي حقاً صحيفة اليوم، هي ذاتها على مكتبي، وعلى مكاتب الزملاء، وعلى رفوف المحلات، بيضاء تماماً.

- هذا مستحيل، أين اللعين مسؤول الطباعة، احضره حالاً.

أتى مسؤول الطباعة، وببلادة سأل: ماذا هناك؟ أستطيع أن أجزم ان هذه هي أنصع صحيفة على مر التاريخ، خالية تماماً من أي لطخة حبر خاطئة!

عليك اللعنة، ما بالك، هل جننت لتفعل مثلما فعلت!... سعادة الرئيس سعادة الرئيس، قاطعهما السكرتير.

وأنت ماذا تريد؟

اتصل مسؤول التوزيع، يقول إن الصحيفة نفدت من جميع مراكز البيع، وأمام مقر الصحيفة عدد لا نهائي من البشر يصرخون طلباً لصحيفة اليوم. انظر من النافذة.

هذا لا يمكن - يطل من النافذة ويشاهد الجمع الغفير -

يخرج إليهم ويسمع الأصوات، كلُ يقحم رأسه في من يحمل صحيفة الواقع، والتعليقات تنهال عليه:

هذا ما أسميه سبقاً صحفياً... هذا أعظم تحقيق صحفي قرأته في حياتي... هكذا تكون المقالات التي تعري الفساد وتشير إليه... لا أصدق أن صحافتنا أصبحت حرة إلى هذه الدرجة.

يعود رئيس التحرير إلى مكتبه ويستنفر جهود كل موظفي الصحيفة للعمل على عدد الغد على أكمل وجه، ثم يقبل رأس مسؤول الطباعة.

الموظفون على مكاتبهم، كلٌ يحملق في الآخر، ولا يدري ماذا يكتب، يقول أحدهم: الصحيفة بيضاء تماماً! ويعقب آخر: جن الرئيس، وجن قبله مسؤول الطباعة، أي خطاً هذا الذي اقترفه في حقنا، ماذا نكتب الآن! يعلق آخر: كل شيء أبيض، لا نحمل أقلاماً بيضاء، وينفجرون جميعاً في الضحك. ثم يردف آخر: كل ما علينا فعله هو تسليم الأوراق البيضاء بيضاء تماماً، ولا يوجد ما هو أسهل من ذلك، آن لنا أن نستريح. ولكن مهلاً، ماذا عن زاويتي اليومية، اسمي، صورتي، رقم حسابي، أقصد بريدي الإلكتروني.

هذه كانت أول مرة يحضر فيها جميع كتاب الصحيفة، الغياب الوحيد كان حكراً على مصححي الأخطاء.

وقبيل الفجر، قبيل تحميل الأعداد التي كانت بعدد الشعب يصل خطاب مستعجل ومكتوب من رئيس الدولة، يحمله السكرتير إلى رئيس التحرير.

رئيس التحرير ولأول مرة واقفاً على قسم التوزيع يأخذ الخطاب ويقرأ:

قررنا إيقاف صحيفة الواقع، لأنها تقول أكثر من اللازم.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة