Friday  04/03/2011/2011 Issue 14036

الجمعة 29 ربيع الأول 1432  العدد  14036

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل تعمّق بعض الناس، في النوم ما كنهه، وكيف يهجم على الإنسان، وما الفارق وبين نوم النهار، ونوم الليل، ولماذا يرتاح الإنسان للنوم في الظلام وبدون ضجيج، أو عندما يأتي ليخلد للراحة، يحب الهدوء، وبدون أصوات مزعجة.. وما فائدة النوم للجسم؟! وللعقل والمخ؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات عملية عن هذا النوم، الذي هو من أسرار النفس البشرية بل عند الكائنات الأخرى من حيوان وطير وحشرات.

لكن كل من تلك الكائنات لها طابعها وتفاعلها مع النوم، كثرة أو قلة وكيفية وتهيئاً، فبعض الطيور يأخذ قسطه من النوم على غصن شجرة، وبعضها ينام أثناء تحليقه في الجو، نأخذ نموذجاً الذئب لحذره وخوفه من الإنسان، أو الكلاب، والسباع التي هي أشجع منه، أو أكبر منه لأن شريعة الغاب، يتغذى الأكبر بالأصغر منه، والأضعف، فكان من الأضعف ما هو حذر ليدافع عن نفسه، فيصف الشاعر العربي الذئب بحذره من الإنسان عندما ينام بقوله:

يَنام بإحدى مقلتيه وَيَتقي

بأُخرى الأعادي فهو يَقظان نائم

والدّميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى، والجاحظ في كتابه الحيوان، قد تعرضا لأشياء من ذلك في طبائع الحيوانات والطيور وغيرها.

والله سبحانه وتعالى قد نفى عن ذاته الكريمة النوم، بل السِّنة التي تعبّر عن القليل من النوم، فكيف بكثيره والتي تعنى الفضلة فهو سبحانه منزه عن ذلك، فقال سبحانه في آية الكرسي التي هي أعظم الآيات في القرآن: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} (البقرة 255).

قال السيوطي في تفسيره: السِّنة النعاس، والسّنة والوسنان، الذي هو نائم وليس بنائم، واستشهد عليه بأن العرب تعرفه، يقول الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:

ولا سِنَةٌ طوال الدّهر تأخذه

ولا ينام وما في أمره فند

(الدر المنثور 1-16).

وقد أعان الله رسوله الكريم، بالتفرغ للعبادة، وتبليغ رسالة ربّه جل وعلا، وكان من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أن عينه تنام وقلبه مستيقظ، كما أعانه خالقه جل وعلا، على قيام الليل حتى تفطرت قدماه، وصيام النهار ليكون عبداً شكوراً.

ومن نعمة الله على عباده، أنه أودع سبحانه أسراراً، وعجائب، تعجز الوسائل العلمية الحديثة، عن تأدية الشكر والعرفان لله بالفضل، عن بعضها والقصور عن معرفة بعض وظائف أجزاء الجسم البشري، ووظائفها وعملها، أو تهيئة سبب مُعين ليعوض الجسم في حالة نقصانها، ومن هذا خصائص النوم، الذي جعله الله راحة للأبدان، من عناء الجهد ومشقة التعب، عن يوم معين من الأعمال المرهقة، وما هي إلا سويعات يخلد فيها الإنسان للراحة، مسترخياً لينعم خلالها بإغفاءة تنسيه المشاغل، وما أصاب جسمه من تعبٍ وإرْهاق ثم يقوم هذا الجسم بعدها نشيطاً كحالته قبل التعب، وكأنه لم ير التعب به، الذي أوْهن قُواه.

ومن ثم ينهض ليزاول مهمات العمل نشيطاً قوياً، في كل الوظائف الملقاة عليه، وهكذا دواليك في عمل دائب، هو من حكمة الله بإعمار الدنيا، في جهد متواصل مدى الحياة، لكل شخص إلا أن يصاب بما يعجزه من عاهة أو غيرها.

يقول سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (الروم 23).

وهذه الآية الكريمة، وما يماثلها في المعنى والدلالة، مما في كتاب الله جل وعلا، يوضح فيها سبحانه وتقدّس، تمام حكمته وإحاطته عِلْماً وتقديراً، بما يُصْلح النفوس، ويريح الأبدان وأجهزة المخ التي فيها التعقل والإدراك، إذْ حِكمته البالغة، اقتضتْ هدوء الناس، وسكونهم في وقت حددته الآيات الكريما بالليل، حيث عُرِفُ لدى الناس بذلك، ليستريحوا ويستجموا، ثم يعود إليهم نشاطهم، حسبما اقتضت أن يَسْعَوا في مناكب الأرض، وينتشروا في أرجائها بعد ذلك، لمعاشهم وقضاء حوائجهم، ومصالحهم الدينية والدنيوية، وهاتان المصلحتان لاتتمان إلا بتعاقب الليل والنهار، وكسب الرزق وإعمار الأرض.

يقول أبو السعود في تفسيره لهذه الآية الكريمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} لاستراحة القوى، النفسانية وتقوى القوى الطبيعية، {وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ} فيهما، فإن كلا من المنام وابتغاء الفضل، يقع في الحالين، وإنْ كان الأغلب: وقوع الأول في الأول، والثاني في الثاني، أو مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ، وَابْتِغَاؤُكُم بالنهار، كما هو المعتاد، والموافق لسائر الآيات، الواردة في ذلك (تفسير سورة الروم).

أمّا شيخنا: محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره: أضواء البيان، فإنه عندما مر بهذه الآية من سورة الفرقان: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} توسع في إيراد الآراء في المراد بالسبات، حيث ذكر أن أكثر المفسرين على أنّ المراد بالسبات: الراحة من تعب العمل بالنهار، لأن النوم يقطع العمل النهاري، فينقطع به التعب، وتحصل الاستراحة كما هو معروف، وأنّ من قال بهذا: قالوا: إنّ معنى قوله تعالى {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} أنهم ينشرون فيه لمعايشهم، ومكاسبهم وأسبابهم.

ولما كانت عادته رحمه الله: تفسير القرآن بالقرآن، فإنه قد أوضح دلالة هذا المعنى، بآيات كثيرات، مما ورد في كتاب الله الكريم، بتوضيح آياته جلّ وعلا، وحكمته من إيجاد الليل والنهار، والنوم واليقظة، ومنافعهما لخلقه.

وإذا كان القرآن الكريم، قد قررت آياته الكريمات، أن الراحة البدنية، من تعب النهار، تتم بنوم الليل مستشهداً مع المفسرين بمدلول اللغة العربية في الكلمات، وبلسان قوم النبي، فإن الله سبحانه، قال عن القرآن العظيم: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} (مريم97)، فكان في هذه الآيات التي كانت وصفاً لليل وللنهار، وبالنوم في الليل.

فإن المختصين في عصرنا الحاضر، يخرجون من دراساتهم الكثيرة، حول النوم وحاجة الجسم إليه، وما في النوم من أهمية في الليل، أكثر منها في النهار حسب تجاربهم ومقاييسهم، بنتائج نستخلص منها ما يلي:

1- أن الطفل حديث الولادة، يحتاج في النوم لساعات أطول، حتى يرتاح جسمه وتهدأ أعصابه.

2 - أن الرجل العادي: يحتاج في الغالب لساعات أطول، حتى يرتاح جسمه وتهدأ أعصابه بعد العمل ومن ثم يقوى على العمل، وأن النوم المعتاد للكبار ما بين سبع ساعات إلى ثمان ساعات.

3 - أن نوم الليل أفيد للجسم، وأقدر على العمل بعد أن أجروا دراسة على منْ يعملون ليلا، وينامون نهاراً.

إذْ أجريت تجربة في الجيش الأمريكي بمقارنة في العمل والإنتاج، والتأثير النفسي على الطرفين، وخرجت النتيجة بفارق كثير لصالح الذين ينامون ليلاً ويعملون نهاراً، بينما العكس لمن يعملون ليلاً وينامون نهاراً وذلك أن:

- نوم النهار لا يعوض في المفاضلة، عن نوم الليل وذلك في أن:-

4 - أصحاب النوبات الليلية، برزت على الدائمين منهم أمراض نفسية، وتأثيرات عصبية، مما دفع الجهة المختصة إلى وضع أهمية للتفاوت بحيث لا يستمر عمال الليل، بدون نوم في الليل، ولا من ينامون في النهار بدون أخذ قسط، ولو بعد فترة من حاجتهم إلى النوم ليلاً.

وما ذلك إلا أن الله سبحانه قد هيأ في الجسم البشري، خصائص تنشط الجسم ببعض خلاياه التي تتهيأ في النوم ليلاً، وهي نافعة للجسم، ومنشطة على العمل، ولا تتهيأ هذه في نوم وخاص في التغلب على الكسترول، وكثير من الناس، يشعرون بأن الاستيقاظ من نوم الليل يعطيهم إحساساً في أجسامهم بنشاط أكثر منه عندما يقوم من نوم كثير أو قليل في النهار.

5 - أن من أصيب بحالة نفسية، أو توتر عصبي يُعطى عقاراً منوماً ليرتاح، وهذا في الغالب لا يتناوله إلا أصحاب نوبات العمل الليلي المستمر.

6 - أن من كان نوباته في العمل ليلاً، وتطول المدة في نومه بالنهار فإنه يشعر بالتقطع، ولا يتأتى له المعدل المعتاد لأمثاله لأن نوم النهار لا يريح الجسم كنوم الليل.. لأن استمرار قلة النوم قد يحول الجسم البشري إلى اضطرابات تحول دون حصول الراحة النفسية للإنسان.

- لذا فقد انتهت دراستهم إلى التبديل في المناوبات بالتساوي بين الليل والنهار، حتى يحصل التوازن.

(للحديث صلة)

 

النوم وفوائده (1-2)
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة