Friday  04/03/2011/2011 Issue 14036

الجمعة 29 ربيع الأول 1432  العدد  14036

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

(زمهرير الأسئلة)
أحمد موسى محرق

رجوع

 

كأن الشمس استيقظت لذلك اليوم باكراً لتسلب الدجى شيئاً من وقته، كاتمةً ما بقي من أنفاسه الأخيرة بيد خيوط الشروق لتسجل أطول أيام الحزن والشحوب على ملامح البراءة في حياة حنان ذات الثمانية أعوام. صوت غير مألوف يتردد في ردهات غرفتها بكلمات تعودت على سمعها كل يوم استيقظت مفزوعة على صوت خالتها وهي تردد (هيا حبيبتي انهضي لأصفف شعرك وتلبسي مريولك لتذهب لمدرستك باكراً) نهضت تثقل خطواتها كثيراً من الأسئلة يلجمها صمت الطفولة، ما الذي جاء بخالتي في هذا الصباح ؟ أين أمي لماذا لم تأتي لإيقاظي ككل يوم؟ في الممرر المؤدي لدورة المياه مر بها أخوها حاتم على عجل كموجة ساخنة لم يعيرها أي اهتمام زادت الأسئلة خطواتها تشبثاً بالأرض لماذا لم يشاكسني كعادته لماذا لم يقل اسطوانته التي يرددها على مسامعي كل يوم (هيا بسرعة يا دبدوبه لا تؤخريني عن الجامعة) في طريق عودتها وقعت عيناها على صوت أبيها وافقاً بجوار غرفة أمها لم يعرها هو أيضا اهتمام بل لاح بوجهه بسرعة عنها وهو يتمتم بكلمات لم تفهم منها شيئاً دخلت غرفتها شاردة الذهن تعصف بكيانها الأسئلة قطع دخول خالتها صمتها المتأجج أخذت المشط وبدأت تغرس أسنانه في لب افكارها لتتناثر تلك الأسئلة في إرجاء الغرفة لعلها تجد من يمنحها شيء من الإجابة. على حافة سريرها يضع والدها بضع ريالات في عجل قائلاً: هيا جارنا أبو علي ينتظرك بالخارج ليوصلك مع بناته للمدرسة عند خروجها كانت تحاول استراق النظر لباب غرفة أمها لعلها تلمح شيئاً من ابتسامتها المشرقة أو تشتم شيئاً من رائحة قهوتها الصباحية لكن صوت والدها يدفعها بقوة من الخلف هيا بسرعة لا تتأخري ليزداد اتساع محيط الأسئلة في مخيلتها لماذا لم يقم حاتم بإيصالي كعادته وان كان مشغولاً: لماذا لم يقم بذلك أبي رغم أن كليهما موجودان، فور جلوسها بجوار زميلتها خوله تنهال عليها بوابل من الأسئلة أين ذهبتِ في يومي الخميس والجمعة؟ هل حللتي واجب الرياضيات ؟ هل أنت مستعدة للاختبار؟ تجيبها بحركة مشلولة برأسها وهي تردد: يا الهي ما هذا اليوم المليئة بالأسئلة يقطع ثرثرة خولة وصولهما لباب المدرسة دخلت وكأنها تقاد إلى عالم مخيف مليء بأشباح من الأسئلة يوم شاحب كئيب طويل هيأ لها بأنه لا غروب لشمسه تمر الحصة الأولى والثانية، والثالثة، وهي متشبثة بماصتها ومقعدها لم تغادرهما حتى وقت الفسحة، الحصة الرابعة تدخل المعلمة بوجهها البشوش وابتسامتها الطيبة قائلة : لن نأخذ شياً لهذا اليوم من المنهج بل ستكون حصة شائقة سنتحدث فيها عن منبع الحنان الذي نرتوي منه كل يوم عن ذلك الصدر الحنون الذي لا نمل من احتضانه عن من جعلت الجنة تحت إقدامها سيكون موضوعنا هذا اليوم يا أحبتي عن الأم فلتضع كل واحدة منكن ورقة خارجية أمامها ولتبدأ بالكتابة عن ما قامت به أمها هذا اليوم منذ إيقاظها حتى خروجها للمدرسة سأجمع الأوراق بعد عشرين دقيقة،

ارتعش جسدها من طلب المعلمة عاودت الأسئلة دورتها بشكل أكثر ضراوة لماذا هذا الموضوع في هذا اليوم بالذات؟ هل أحداث هذا اليوم كابوس مخيف يطاردني ؟ مضى نصف الوقت وهي محملقة في سطور صفحتها البيضاء وكأنها تخاطب ملامح أمها وارتعش قلمها العقيم في يدها شاردة الذهن كسيرة النفس بدأت المعلمة تتجول في الفصل استرقت النظر لورقتها فوجدتها خاوية من الكلمات قطعت شرودها عندما ربتت على كتفها قائلة: الوقت يوشك على الانتهاء وأنت لم تكتبي حرفاً واحداً ماذا بك الم تكوني أول المشاركات عندما يكون الحديث عن الأم؟ ألست من فازت في بداية العام بأجمل مشاركة تكتب عن الأم هيا لا تتأخري اكتبي أي شيء همسة بنبرة تخنقها العبرة حاضر يا أبله، كانت تسترق النظر للمعلمة حتى ابتعدت عنها قليلاً ثم كتبت في منتصف الصفحة بخط كبير (اعذريني يا أمي لن اكتب عنك شيئاً لأنني لم أرك اليوم) وطوت الورقة طيات متعددة.

تفز كملدوغة عند سماعها صوت جرس انتهاء الحصة الأخيرة تخرج بسرعة البرق لبوابة المدرسة تجول بنظرها يمينا ويسارا بين السيارات لعلها ترى حاتم أو سيارة والدها لكن صوت خولة يسدل خيبة الأمل على بصرها عندما سحبتها من يدها قائلةً : أبي يقول نحن من سنوصلك للبيت في منتصف الطريق يقطع مرة اخرى ثرثرة خولة المستمرة صوت رنين جوال والدها يرد:

- أهلا أبا حاتم... نعم إنها معنا.... ثم يصمت قليلاً... وبصوت خفيف مخيف يرد (عظم الله أجرك).. دعها تنزل عندنا ريثما يهدأ الوضع..

- كما شئت سأقوم بإيصال بناتي ومن ثم سنحضر أنا وهي - مع السلامة

يا الهي ما هذه السيارات المجتمعة أمام منزلنا ؟ ما هذه الأحذية المرتصة أمام الباب في وسط الصالة سمعت صوت خالها يحيى يا الهي ما لذي جاء به من قريته البعيدة ؟ ماذا يردن هؤلاء النساء العابسة وجههن في منزلنا في هذا الوقت من الظهيرة، رمت بحقيبتها وأخذت تجتاح كل تلك الجموع من النساء إلى غرفة أمها فهي الوحيدة التي ستجيب على كل أسئلتها يقيد الخطوتين الأخيرة التي تفصلها عن غرفة أمها صوت نحيب جدتها وعمتها حاولت إحدى النساء الإمساك بها دفعتها بقوة وفتحت الباب لتجد ذلك الجسد المغطى في وسط الغرفة صرخت أريد أمي ؟ أين هي ؟ كشفت عن وجهها وهي تردد استيقظي يا أمي ليس من عادتك النوم حتى هذا الوقت استيقظي لتنتشليني من زمهرير أسئلة هذا اليوم الكئيب ووضعت رأسها على صدرها وأجهشت بالبكاء وهي تردد: سامحيني يا أمي لم أكتب عنك شيئاً هذا اليوم لأنني لم أراك لكنني اشهد على نفسي من اختطفك من بين يدي بأن اجعل من دموعي مداداً ووجنتي قرطاساً لا كتب عنك مدى الحياة.



Mhrg11@gmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة