Saturday  05/03/2011/2011 Issue 14037

السبت 30 ربيع الأول 1432  العدد  14037

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إن هيمنة الإنسان وتدخله غير المنضبط وغير العقلاني، وغير العلمي أسهم في الإخلال بالتوازن الطبيعي للحياة، وإليك الدليل:

من ذاك الذي يستطيع اليوم أن يكتشف أو أن يتصور -وبكل الوضوح- أن الفيضانات التي ترغى وتزيد في بلاد العالم، سببها التربية، وأنها بكل كوارثها التي تحل بالإنسان والحيوان والنبات.. وبآثارها المباشرة وغير المباشرة، سببها التربية، وبالإضافة المؤسفة لذلك ثمة أنهار في العالم يتم اليوم اغتيالها وبحيرات آخر يتم تسميمها بلا هوادة.

إن الفيضانات أخذ خطرها الداهم يتضاعف فمن كان يمتلك الرؤية النافذة لأسبابها؟ ومن كان عليه أن يدق أجراس الخطر آنئذ؟ ومن ينبغي عليه أن يدق الأجراس منذرة اليوم، بل كل يوم؟

لقد زحف الناس - مع سقوط الوعي الشامل.. ينتزعون محمومين وجه الجبال الخضراء فتساقطت بين أيديهم غابات الأشجار تتسدل سابغة رؤوس الجيبال حتى أقدامها المبتلة في مياه الأنهار.

لقد تم هذا -بطبيعة الحال- بغية الكسب العاجل من وراء بيع تلك الأشجار الخشبية.

إن القصة لم تنته فصولاً عند هذا الحد، فماذا حدث بعدها؟

لقد اندفعت الأمطار الهائلة المتساقطة على الجبال الشاهقة وتجمعت دون أي عوائق وفي طريقها جرفت «الغرين» إلى المنحدرات، ومن ثم إلى مجاري الأنهار فسدتها، وكان من الطبيعي بعد ذلك أن تفيض الانهار على جانبيها، وامتد خطر الفيضانات المشابهة -بالإضافة إلى أخطار التآكل- إلى بلاد عديدة مثل: باكستان والهند وتايلاند والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وشرق إفريقيا.. وقرعت تلك الأخطار أيضاً أبواب أمريكا اللاتينية، فهل تصورنا حجم الخسائر مجتمعة تجترأ لنا أخبارها في متفرقات الأيام كلما حلت كارة هنا.. أو طفى الماء هناك..؟

فإذا تأملت ثم تأملت فاعلم أنها التربية عجزت عن مواجهة النهم الإنساني قصير النظر للموارد الطبيعية، وهكذا أدى ويؤدي الاستخدام الطائش للعناصر الطبيعية سواء بسبب الفقر والتخلف التقني تارة، أو بسبب الثراء المفرط والتقدم التقني «المزعوم» تارة أخرى الذي يجتذبنا أشد الجاذبية إلى هذا الاستنزاف وإلى الدورة العكسية المرتدة.

اليوم وفي ظل الحضارة المعاصرة يتم اغتيال الأنهار ودس السم للبحيرات، وإلا فمن يفسر معنى آلاف الأطنان من النفايات والعوادم تخلفها المصانع فتلقى فيها.

ها هي ذي النذر تترى.. إن إنسان عصر الأبحاث والإستراتيجيات والدقة المعملية والحاسب الآلي، يؤتي من مأمنه.. يؤتي من ذلك الظن غير المتأدب يوسوس له أنه قادر عليها، وإذا بذلك الغامض المتجمع خلف آفاق السحب الداكنة يطبق على صدور المدن ينقض ليلاً أو نهاراً.

وإذا بكل ما بنته يد الإنسان الماهرة.. وقدم له عصارة فكره وقلبه عبر آلاف السنين حصيداً كأن لم يغن بالأمس، وها هو ذا إنسان العصر يدمر الأرض مهده العظيم بيديه ويلوثها ليلا ونهاراً.

رافعاً بيارق التقدم المزعوم.. والتقنية الخادعة..

هذه هي حقيقة نظرتنا إلى الطبيعة من حولنا!

حين يعتبر الإنسان العصري الطبيعة شيئاً دون المستوى ويحتقر كل ما يدعوه بالبدائي، من هنا يأتي تردي البيئة، واستئصال الإنسان من جذوره.. واستفحال الأمراض العصبية التي تصيب سكان المدن.

هذه هي نتيجة النظرية التي تقول: بهيمنة الإنسان، وطغيانه، ورفض المبادئ الأخلاقية السلوكية البيئية.. والله الموفق.

 

الإنسان والبيئة (1-3)
د. علي بن محمد التويجري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة