Tuesday  08/03/2011/2011 Issue 14040

الثلاثاء 03 ربيع الثاني 1432  العدد  14040

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

مَثَلُ الفساد مَثلَ الجرح الذي يبيض فيه الذباب فيحيله إلى جسم مريض، وعندما لا يتم علاجه مبكراً يتحول إلى مرض عضال يستحيل معه الجسم السليم المعافى إلى جثة. وعندما تموت الجثة لا يتركها الذباب بل تفقس بيوضة فيها ذبابات جديدة مستغلة انعدام مقاومتها ومنعتها فتحيلها تدريجياً

إلى جيفة نتنة، والتجيف المستمر يحيل الجثة تدريجياً إلى هيكل عظمي لا أثر للأنسجة البشرية عليه. ويقيس العلماء مدة تجيّف الجثة بعدد بيوض الذباب فيها.

وكذلك الفساد يبدأ صغيراً ثم ينتشر بسرعة صاروخية لأن المسؤول الفاسد لا يستطيع العيش إلا في بركة من الفاسدين مثله يشكلون عوناً له، ومظلة حوله، وفي أحياناً كثيرة يقايض بقاءهم بتحمل المسؤولية عنه عندما تحين ساعة إنكار علمه بالفساد في دائرته. أي أن شلة الفساد تكون كبيوض الذباب تتكاثر حتى تحيل الدائرة إلى عصف مأكول. ومن وضع انتشار الفساد في دائرة ما يمكن تخمين تاريخ إلقاء المسؤول الأول البيضة الرئيسة في فسادها. فما علاقة الفساد بالسعودة؟ علاقة الفساد بالسعودة متعددة الجوانب، وهي تبدأ من خوف المسؤول من الفضيحة بحيث لا يمكنه تغطيه مكامن بيضه الفاسد في الدائرة، لأن السعوديين أهل ديرة، وكشف الفساد أمامهم قد يكون خطوة غير محمودة العواقب، أما الأجنبي فله حاجة يستطيع المسؤول استغلالها لإغلاق فِيْهِ، ولديه عقد يمكن إنهاؤه في أية لحظة واستبداله بمتعاقد آخر يكون حسب الطلب. وإذا كان في الموضوع هبشة مؤقتة في موضوع فريد، فلا تثريب من إلغاء عقده فور انتهاء مهمته دون أن يسأل عنه أحد، لأنه ببساطة وافد. كما أن الوافد يكون غالباً من شجرة، أي ليس له امتداد عائلي أو قبلي يساعد على سرعة نشر أخبار الفضائح، فتبقى رائحة الجيفة المنتنة في دائرة مصغرة حتى تدخل في طي النسيان والتقادم. ومن الطريف أن الفرنسيين يسمون الإشاعة أو الأخبار الفضائحية بمصطلح ترجمته الحرفية: «التلفون العربي»، هنا لا يكون في خط الوافد التلفوني أي حرارة. وحتى لا نتجنى على فئة كريمة شريفة من الوافدين، فئة نحمد الله على استضافتها من الشرفاء الذين يقدمون للبلاد بإخلاص أكثر مما يأخذون، وبعضهم أنهى أو أُنهي عقده لرفضه أن يكون مطية للفساد. غير أن البعض الآخر منهم يأخذ بمقولة أن الضرورات تبيح المحرمات، أو أن المسؤولية في النهاية تقع على صاحب القرار، وأهل الدار. وإذا ما كان الوافد من أصحاب العيون الزرقاء فعذره دائماً أن الفساد جزء من أخلاق وأعراف العالم الثالث، وأنه الأصل في إدارة الأعمال فيها وليس الاستثناء، وهو من استعلائه لا يرى الفساد فساداً لأنه من طبائع الأمور ومبرر بالمرتب الخيالي، والمزايا، الذي يتقاضاها في نهاية كل شهر. ونظرته الدونية تطال حتى صاحب العمل الذي قد يتودده ويتملق لون شعر وزرقة عينيه.

في بيئات عمل كهذه يعد السعودي غير صالح للعمل، غير ملتزم، قصرت الجامعة في تزويده بالمهارات اللازمة لسوق العمل! فلا بأس أن يرسب في المقابلة الشخصية بتوجيه أسئلة له من قبيل كم عدد الشوك في جلد القنفذ؟ أو من هو زعيم قبيلة الماو ماو؟ وإذا كان لا مناص من توظيفه فيجب البحث عن أقرب بند براتب مقطوع، أو فترة تجربة تطفشه حتى يطفش. وإذا عين في وظيفة فعلى رئيسه الوافد أن يؤدبه ويحسن تأديبه، وهو هنا يطل على الخفيف على المرونة الفائقة للوافد في اللف، والدوران، وتخريج ما يستحيل تخريجه، فإذا ثبت أنه من ذوي الذمم البراقماتية، فبعد تدريب وجيز يقفز السلم الوظيفي بسرعة تثير الإعجاب، وعندئذٍ، يكون من المقربين، وقد يدخل ضمن بشكة الاستراحة. وبعض أمور الوظائف عندنا تذكرنا بلعبة أطفال اسمها السلم والثعبان، يقفز فيها اللاعب إلى أعلى أو يهوي إلى أسفل بمجرد رميه للزهر.

جانب آخر لعلاقة السعودة بالفساد يتجسد في اتخاذ السعودة كعذر لمنح الوظائف لغير أهلها يمنح فيها من لا يستحق الوظيفة بعذر السعودة. والسعودة هنا لا تظهر كشعار نبيل إلا للمعارف والأقارب فقط. وجه آخر من تعلق السعودة بالفساد، عندما يكون «أبو العبد» هو صاحب الشركة الحقيقي، والسعودي صاحب الشركة الوهمي مقيم في لندن، أو طنجة، أو جبل لبنان، فيعين أبو العبد أحد ذويه المقربين مديراً لشؤون الموظفين حسب شطارته في الحصول على الفيز باسم «الرئيس المصيِّف» الذي منحه تفويضاً كاملاً لتسيير أمور الشركة. هنا ننصح الشباب السعودي بالابتعاد حتى عن مجرد التفكير في التقدم على وظيفة في هذه الشركة حتى لا تصيبهم صدمة نفسية. أما أخونا صاحب الشركة، ففي كل زيارة خاطفة للمملكة، يحتل الصف الأول في القدح في تأهيل، أو مناسبة الشباب السعودي للتوظيف، حشفاً وسوء كيل.

بينما أبو البعد يوظف شباب عشيرته حتى بدون أي مؤهلات علمية. ولو رحت لبلد أبو العبد لتقدم على وظيفة لفطسوا عليك من الضحك، وحكموا عليك لا محالة بالخوت والجنون.

لعلاج بعض هذه المظاهر نتمنى أن تقوم وزارة العمل بعمل جاد يتمثل بحصر تام، في مدة وجيزة لجميع الوظائف التي يشغلها الوافدون في القطاعين العام والخاص، في مجالات مثل: مدير توظيف، محاسب، مستشار، سكرتير (خاص أو عام)، مدخل بيانات، مدير شؤون موظفين، مهندس حاسب، خبير، مترجم، معد عقود، مدير علاقات، موظف علاقات، أطباء عامين، موظفو استقبال، الخ.. جميعها مما يوجد سعوديون لشغلها وحصرها على السعوديين، ومن لا يجد سعودي فعليه تدريبه، وتطبيق أقصى عقوبات للمخالفين بقفل مؤسساتهم بدءا من «الرئيس المصيف». هنا نكون جادين في السعودة، ولو عممنا هذا الإجراء لضربنا عدة عصافير بحجر واحد. فأولاً، تذهب الوظائف لأهلها من مستحقيها نظاماً من الشباب السعودي. ثانياً، سد الكثير من ثغرات الفساد في الدوائر الحكومية والشركات السعودية على حد سواء. ثالثاً، سيشكل ذلك عملية انتقاء ذاتي في فئة الوافدين بحيث يتم الإبقاء على النزيهين ومن تحتاجهم المملكة فقط بينما يتم التخلص من فئتي المتلاعبين والفاسدين. رابعاً، إنعاش الاقتصاد السعودي بتدوير مرتبات الوظائف فيه بدلاً من خروجها للخارج.

 

الفساد والسعودة
محمد آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة