Monday  14/03/2011/2011 Issue 14046

الأثنين 09 ربيع الثاني 1432  العدد  14046

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من منّا من لم يسمع بطامي العويّد رحمه الله، هذا الرجل العجيب زماناً ومكاناً وموهبة وإنجازاً؟!..

من منّا من لم يشاهد بعضاً من ثمرات (اختراعاته)، أيّاً كان مستواها تواضعاً في تقدير البعض، وخاصة في مجال (الإعلام المسموع)، في وقت لم يكد أحد منا نحن قاطني مدينة الرياض خلال عقدي الخمسينات والستينات (ميلادي) يملك وسيلة إعلام سوى (راديو) من فئة ال(ترانزستور) أو سواه من أجهزة ذلك الزمان العتيق. كان أحدُنا يحتضن جهازه كي يتابع (حفلة أم كلثوم) أول خميس من كل شهر، أو بعض خطب الرئيس الراحل عبدالناصر، (المدّهرة) لغة ومشاعر قومية، بمناسبة أو بدونها!.

وقد يتمكّن أحدنا من التقاط بث (صوت العرب) يوم كانت تلك المحطة تملأ الدنيا عويلاً وتهويلاً، فإن كان المستمع ذا ذائقة سياسية خاصة، تسلل عبر جهازه إلى إذاعة (الشرق الأدنى) أو (هنا لندن)!.

لم يكن لهذه المحطات (منافس) في ذلك الوقت (الموغل في القِدم إعلامياً) سوى إذاعة بغداد من خلال بثها تسجيلات (محكمة الثورة) المشحونة بالهزل السياسي الضاحك الباكي بقيادة رئيسها الخصم والجلاد والحكم.. المهداوي، وكانت كل فقرة من تلك المهزلة، أعني المحاكمة، يتخللها فاصل من النشيد الجماعي ترفعه عقيرة بعض الحاضرين مرددة (عاش الزعيم.. عبدالكريم) وقد تحوّل هذا البث إلى (مائدة) يومية (للتسلية) تستقطب سمع وانتباه معظم أفراد الأسرة.

أعود إلى طامي (المخترع) الشهير، وأحدُ أسباب شهرته أنه صمم إذاعة محلية قصيرة المدى تُسمع في بعض أحياء الرياض، وكان بثّها ينطلق من (حي المربع) بالقرب من حديقة (الفوطة)، وكنتُ أحياناً ألتقطُ بعض ما تبثه من أناشيد خليجية في قامة محمد زويّد وعبدالله فضالة ومَن زامنَهما.

وكانت تلك الإذاعة تبث بصوت طامي نفسه (نشرة أخبار) يومية مغرقة في (الخصوصية) العائلية. ويقال، والعُهدة على مَن روى، أنه أذاع ذات يوم نبأ وصول والده إلى الرياض جواً قادماً من جدة، وكان هو على رأس مستقبليه من أفراد العائلة في المطار!.

أما النبأ الثاني الذي نُسب إلى إذاعة طامي فهو ضياع (عنز) أحد جيرانه، وقد فصّل النبأ أوصافها، وناشد مَن يعثر عليها أن يسلّمها لمالكها، وله الأجرُ والثواب!.

أختم هذا الحديث بقصة لقائي أول مرة بالمخترع طامي، في عام 1960م تقريباً. وكنتُ وقتئذ في الصف الثاني بمدرسة اليمامة الثانوية، وكانت ثورة الجزائر في أوجها ضد الاحتلال الفرنسي، وقد طلب من طلاب مدارس الرياض المشاركة في حملة خطابية تجوب الشوارع بالسيارات بهدف تمجيد ثورة أحرار الجزائر ضد المستعمر الأجنبي. وقد انضممت إلى تلك الحملة عبر سيارة مكشوفة (وانيت) وبيدي (مكبر صوت) وأخذت أرتجل خطباً حماسية أشيد فيها بالجزائر ونضالها، ولم تكد شمس ذلك اليوم تدنو من المغيب حتى كانت أوتارُ صوتي قد فقدت القدرة على الاستمرار فاستسلمت لصمت قسري يومين تقريباً، ثم كتبت مقالاً حماسياً عن المناسبة، ولم تكن لي وسيلة يسيرة لنشره، ففكرت في الاستعانة بإذاعة طامي لذلك الغرض، وسألت عن مقرها، فقيل لي إنها وصاحبها يشغلان دكانين في مبنى غرب حديقة الفوطة، فذهبت وكلي شغف باللقاء المرتقب مع المخترع طامي، ووجدته جالساً في أحد الدكاكين، فيما احتلت أجهزة البث الدكان الثاني، وغمرني شعور مشبع بالخوف والقلق ألا يستجيب طامي لطلبي، ثم شرحت له ما جئت من أجله، ورجوته أن يمكّنني من تلاوة مقالي عبر إذاعته، ومددتُ له وريقات المقال بيدٍ مرتعشة، فمنحها نظرة قبل أن يبتسم مرحباً وهو يقول (اذهب إلى الدكان الثاني المجاور، واتْل كلمتك). ولم أدعه يكمل حديثه.. وهرولت إلى (الأستديو) البدائي، وأتممتُ المهمة بصوتٍ يصم الآذان. ثم شكرته وانصرفت.

لم أرَ طامي بعد ذلك اللقاء إلا عقب عودتي من مهمة الدراسة الجامعية في أمريكا، حين زرت جناحه في معرض الصناعات الوطنية بمدينة الرياض، وكان يقف بجوار جهاز تكييف (صحراوي) صممه بمواصفات خاصة، قلت له بعد التحية: هل تذكرني؟ وأسمعته موجزاً لقصة زيارتي له في (أستديو) إذاعته ذات يوم في دكان الفوطة، وكانت المفاجأة أنه لم يتذكر شيئاً مما كان!.

رحم الله طامي العويّد، فقد كان حديث زمانِه ومكانِه!.

 

الرئة الثالثة
طامي..!!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة