Thursday  17/03/2011/2011 Issue 14049

الخميس 12 ربيع الثاني 1432  العدد  14049

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ابتداءً لابد من الجواب على سؤال: هل المظاهرات من وسائل التعبير التي لم تكن معروفة من قبل كما حكم الشيخ سعود الفنيسان؟!.

إن من المتأمل في مسيرة التاريخ الإنساني يقف على أن هذه الوسيلة ليست مستحدثة، وإنما كانت معروفة، وتناولتها نصوص الشرع الإسلامي بالتفصيل ابتداء من تحذير المسلمين من الخروج على ولي الأمر وانتهاء بالتعليق على أحداث من التاريخ الإسلامي وبيان خطورة الفوضى كخروج سيدتنا عائشة للإصلاح في معركة الجمل وندمها على ذلك، ولم أدر كيف فات على الشيخ أحداث الفتنة على سيدنا عثمان -رضي الله عنه- والغوغاء الذين تجمهروا وتسوروا عليه الجدار وقتلوه وسفكوا دمه الطاهر على قوله تعالى :» فسيكفيكهم الله...»

لم يكن لقتلة عثمان أية عصبية تجمعهم. بل لم يجمعهم إلا طمع بالدنيا أو كره للحق،. فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة كما في الطبري (4/461-462).. و هم حثالة الناس متفقون على الشر، كما يصفهم ابن سعد في طبقاته (3/71).. و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون، كما ينعتهم ابن تيمية في منهاج السنة (6/297)..

وكان عددهم ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف من أهل البصرة و الكوفة ومصر. و لم يجمعهم شيء إلا طاعة عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ب(ابن السوداء) لعنه الله. وهو الذي أراد أن يخرب الإسلام كما فعل بولص اليهودي بالنصرانية. فحرض الناس على عثمان؛ إما بإثارة الشبهات حوله، أو بشهودٍ زور على وِلاته، أو بكتبٍ مزورة و شهاداتٍ زائفة. فتجمّع معه هؤلاء الفُجّار، فذهبوا إلى المدينة غِيلةً و هم يزعمون أنهم يريدون الحج، فلمّا وصلوا داهموا المدينة وحاصروا عثمان و طلبوا منه أن يعزل نفسه أو يقتلوه. و اغتنموا غيبة كثيرٍ من أهل المدينة في موسم الحج، وغيبتهم في الثغور والأمصار، و لم يكن في المتبقين من أهل المدينة ما يقابل عدد الخوارج، فخشي عثمان إن قاتلهم أن تكون مجزرةٌ للصحابة بسببه ... وقد ذكر الشيخ سعود وقفات عدة، من أهمها:

1-قوله : «إن حق المسلم في حرية التعبير عن رأيه أكثر الحقوق التصاقا بحق الحياة. وعليه تعتمد أكثر التكاليف الشرعية في العبادات والمعاملات... إن التعدي على حرية التعبير ظلم وإهدار لكرامة الإنسان و تقييدها وإلزامه: بتقليد الغير ووجوب التبعية له. إن الإنسان كما ولد حرا يجب أن يعيش حرا، إلا من عبودية الله وحده حتى الرقيق الشرعي - تحت ولاية سيده له كرامته - ويتمتع بحرية الاعتقاد -والتعبد- والتفكير- والتعبير...إلخ -... وقوله :» والمظاهرة السلمية أحد مظاهر حرية التعبير لأنها تسعى لإعادة حقوق الشعب المسلوبة...».أ.هـ

إن المتظاهرين على سيدنا عثمان بن عفان يا شيخ سعود كانوا يطالبون بحقوقهم المسلوبة على حد زعمهم ويركزون على الأثرة والاستئثار وقضايا المال العام والفساد، وسيدنا عثمان بريء من كل هذا، وقد فندها -رضي الله عنه- في خطبة مشهورة شبهة شبهة وبين اللبس الذي زينه الشيطان للخوارج وهكذا التاريخ يعيد نفسه فنسمع كثيرا من الحركيين وخوارج العصر التركيز على الفساد المالي والإداري الذي لا تصلح معه الحال غير مغتفرين للدولة جهودها في علاج هذا وغير معينين لها في طرق الإصلاح متجاهلين الطرق الشرعية في الطلب من السلطان المبنية على السرية والحفاظ على الهيبة؛ علما أنه يجب على الحاكم المسلم أن يتلمس حاجات شعبه، وأن يدفع الريبة عن نفسه ما استطاع.

إن الحرية كالشورى لا تستمد من مجرد نص جزئي، باعتبارها مقصدا كليا من مقاصد الشريعة الخمس: حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال، وأضاف إليها الأصولي الفقيه الكبير ابن عاشور مقصد الحرية والعدل (كتاب مقاصد الشريعة)، بما يوجب أن تكون الأمة حرة، ليس بشكل جزئي ولكن في كل جوانب حياتها، إذ تسقط كل تكاليف الشرع في غياب العقل والحرية والعلم. والحرية مقيدة بالشرع، ولذلك لا يجوز من باب الحرية أن تصلي الظهر خمسا وبناء عليه فالحرية كل الحرية في المتابعة والإلزام بتقليد النبي -صلى الله عليه وسلم- ووجوب التبعية له أحد شرطي قبول العمل في الإسلام، وهي بغير هذا المفهوم تكون فوضى يلزم منها المجاهرة بالمعاصي والأفكار الهدامة والتجاوز على حريات الآخرين وبخاصة في المظاهرات التي لا تخلو من المخالفات الشرعية كالاختلاط وفوات الصلوات والتضييق على المسلمين و السب والشتم وتحطيم المحلات والجدال والعبث بالممتلكات الخاصة والعامة وخير دليل على أن المظاهرات ليست فيها سلمية ما نراه في الواقع حيث تبدأ سلمية وتنتهي بكوارث ودماء وخراب وتخريب ولضبط هذا الحق في مساره الاجتماعي الصحيح فقد أجاز الشرع الإسلامي للفرد والجماعة الوقوف وجها لوجه أمام السلطان والحاكم لنصحه والتعبير عما يجيش بخاطر المسلم من أي تعبير ومناقشته بالحسنى واللين والرفق باستعمال أفضل العبارات وأكثر الجمل والتراكيب أدبا واحتراما وإنسانية، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وفي رواية لسلطان وكلاهما يقتضيان الظرفية وجها لوجه في مجلس الحكم.. فالحرية لا تعني الإطلاق من كل قيد وضابط لأنها تتحول إلى فوضى تثيرها الشهوة والشبهة، والحرية في الإسلام لا تعني الثورة والعنف بل الحرية سلام ووئام واستسلام لله، والانقياد له بالطاعة وتطبيق تعاليمه الربانية بطريقة تختلف عن طريقة أبي الأعلى المودودي وسيد قطب إذ عرّفا الإسلام بأنه ثورة تحررية شاملة، تنطلق من أعماق النفس والعقل والإرادة لتمتد إلى كل ركن من أركان الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لأنها تتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي :

أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.

ب- ألا تفوت حقوقاً أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.

ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.

وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلاً منهما حقه حتى لا تنتهي بالفرد إلى العبودية والأغلال ويصبح عبد شهوته ونزواته والمصالح المادية ويستحل المحرم باسم الحرية والتعبير ولو بكلمة، وقد بين القرآن خطورة الكلمة فضلا عن المسيرات والمظاهرات لأنها أداة التعبير فقد تكون طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وقد تكون خبيثة تؤدي إلى تخريب الفرد وتدمير المجتمع، ثم تكُب الناس في النار على وجوههم، كما يقول الحديث النبوي الشريف. قال تعالى {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.

إن تحذير الدولة من المظاهرات وفتاوى العلماء المعتبرين وآخرهم هيئة كبار العلماء لم يجعل الدولة تستبد وتتجاهل متطلبات شعبها بل إنها في ظل هذا الحراك فتحت ولله الحمد ملفات حاجات شبابها ولازالت تبحث عن كل سبيل لرفاهية مواطنيها الذين أثبتوا أنهم يستحقون كل الخير بسبب أنهم لم يلتفتوا لدعاوى التهييج للمظاهرات مما أثار انتباه العالم وأذهل كل المراقبين، نعم يستحق هذا الشعب الأصيل حاكما مثل أبي متعب، وحق لأبي متعب أن يفاخر به شعوب العالم قاطبة.. ودام عزك ياوطن، والله من وراء القصد..

abnthani@hotmail.com
 

قراءة لنظرات الفنيسان في حكم المظاهرات
من قتل سيدنا عثمان بن عفَّان يا شيخ سعود؟!! (2)
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة