Sunday  20/03/2011/2011 Issue 14052

الأحد 15 ربيع الثاني 1432  العدد  14052

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

كيف بلغ الملك عبدالعزيز خبر وفاة والده الإمام عبدالرحمن الفيصل بن تركي؟.. والعلاقة بين الأب الإمام والابن الملك

رجوع

 

(الحلقة الثانية)

د. محمد بن عبدالله آل زلفة

* وفاة الإمام عبدالرحمن ووصول الخبر إلى الملك عبدالعزيز

نشرت جريدة أم القرى في عددها رقم: 182 بتاريخ يوم الجمعة 26 ذي الحجة سنة 1346هـ ما نصه: في الساعة العاشرة والنصف من مساء الاثنين وصل القصر الملكي في أم القرى النبأ البرقي المفجع عن طريق البحرين بوفاة الإمام الجليل والد جلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن إلى آخر النسب الذي ينتهي بابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.. فكان النبأ زلزالاً في القلوب، أي زلزال إذ فقدت الجزيرة العربية طوداً من أطوادها وركناً من أركانها».

أما كيف وصل الخبر وعن أي طريق، فتقول الصحيفة: وصل النبأ البرقي من البحرين وإدارة البرق في البحرين لا تنقل البرقيات بغير الحروف اللاتينية، فلما تناول جلاله الملك البرقية نادى بالمترجم فحضر، فلما أبصر النبأ تلعثم لسانه ولم يستطع بياناً، فألح جلالة الملك عليه أن يتكلم، وبعد لأي وتكلف أخبر المترجم جلالته بالخبر وصمت؛ فما كان من جلالته إلا أن قال (الحمد لله) وانصرف من مجلسه، ثم استعبر وبكى راضياً بالقضاء موقناً باليقين.

وفي صباح يوم الاثنين الموافق 22 ذي الحجة 1346هـ تلقى رسالة من الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي العهد أمير الرياض في البريد القادم من الرياض خبر وفاة الإمام؛ وقد استغرق وصول بريد الرياض حوالي تسعة أيام من الرياض إلى مكة. كما نلاحظ أن البرقية التي أرسلت من البحرين تحمل نبأ وفاة الإمام لم تصل إلى مكة إلا في مساء الاثنين -كما ذكرت جريدة أم القرى- ولكن يبدو أن البرقية وصلت في الساعة العاشرة والنصف من ليلة الأحد صباح الاثنين، وخطاب الأمير سعود وصل صباح الاثنين.

أوردت جريدة أم القرى ما ورد في خطاب الأمير سعود عن كيفية وفاة الإمام، ولا ندري هل هو كامل الخطاب أم كان ما أوردته الجريدة مختصراً من خطاب الأمير سعود، وجاء على الشكل الآتي:

من قبل سيدي الإمام كان لايزال كما تعهدونه من صحة وعافية ونظامه في أعماله ومجالسه لم يغيره، وكان قبل يوم عيد الأضحى يستعد للنزول لصلاة العيد في مصلاه، ولكن حدث في صباح العاشر من ذي الحجة (يوم العيد) أن أصابه مثل الصفراء فأقام ثلاثة أيام على هذا. وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة المصادف يوم الجمعة الساعة الثامنة قدم الإمام إلى رحمة الله ؛ فنرجو الله أن يتغمده برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يخلفه علينا وعلى جميع المسلمين.

لم يفت على جريدة أم القرى أن تورد ماورد في رسالة الشيخ صالح الذي وصفته بأنه أحد علماء الرياض الأعلام إلى الملك عبدالعزيز يصف فيها اللحظات الأخيرة عن حياة الإمام الذي كان منشغلاً بذكر الله والشهادة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة -رحمه الله- حيث قال فيها: «إنه لازم الإمام عبدالرحمن أيام مرضه الأخيرة فلم يجده منشغلاً بغير الشهادتين، وظل يكررهما إلى أن عجز لسانه عنهما، فأخذ يشير إليهما بسبابته حتى أتاه اليقين، فرحل عن هذه الدنيا بعد أن لاقى فيها أشد أيام النحوس وأعذب أيام السعود». وأعتقد أن العبارة الأخيرة من قبل الجريدة.

بتاريخ 14 ذي الحجة 1346هـ كتب محمد بن صالح بن شلهوب رجل الملك عبدالعزيز الصادق الأمين ومن أقرب الخاصة لديه ورفيق دربه منذ ماقبل فتح الرياض المسؤول الأول عن مالية الملك عبدالعزيز منذ تأسيسها مباشرة بعد استيلاء الملك على الرياض عام 1319-1902م، كتب شلهوب إلى الملك رسالة مفصلة عن وفاة والده يقول فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

جناب الأجل الأمجد الأفخم ملك الحجاز ونجد سيدي عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل المحترم أدام الله تعالى مجده آمين.

بعده مزيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام أدام الله علينا وعليكم نعمة الإسلام مع السؤال عن أحوالكم، حالنا بخير ثم بعده أدام الله بقاك. نعرف جنابكم الشريف من طرف الوالد أنه قدم إلى رحمة الله. نرجو أن الله يتسامح عنه وأن الله يديم بقاك للإسلام والمسلمين وأن الله لا يفجعهم عليك من طرف وفاته قدس الله روحه في الجنة يوم الجمعة موافق 13 ذي الحجة الساعة ثمان من النهار وصلوا عليه المسلمون العصر في مسجد الجامع، نرجو أن الله يقبل ما سألوا له ولك وهو الله يسكنه الجنة ما اشتكى إلا صبح العيد والحق نازل به نزول ويوم طاح وهو ما يحس باحد وسعود الله يسلمه ما يتعداه لا ليل ولا نهار والشيخ صالح وصار قبره بين الشيخ عبدالله وحمد بن فارس، نرجو الله أن يتغمده برحمته ويخلفه على المسلمين بسلامتك؛ والمسلمون أصابهم اشتغال عظيم يا طويل العمر نرجو أن الله يجبر مصيبتهم بطولة عمرك.

هذا مالزم بيانه بلغ السلام خاصة نفسك والعيال ومن لدينا الابن سعود والعيال كافة طيبون ويسلمون ودم محروساً والسلام.

في 14 ذي الحجة 1346هـ مملوكك

محمد بن صالح بن شلهوب

ورد في أعلى يمين الرسالة عبارة مع فالح وخويه نوار بن عقيل في 14 ذي الحجة وربما كانا هما من حملا الرسالة.

أما ردة فعل الملك عبدالعزيز العاطفية والوجدانية حين تلقيه نبأ وفاة والده الإمام فقد وصفها الرحالة الشهير محمد أسد النمساوي الجنسية الذي كان اسمه قبل إسلامه ليوبولد فايس، وكان شاهد عيان يقول: جاءت الأخبار للملك بأن أباه قد توفاه الله في الرياض. لن أنسى ماحييت تلك النظرة المحدقة دون استيعاب أو فهم، ظل على ذلك بضع ثوان متطلعاً إلى من أبلغه، ثم راحت أمارات اليأس تغزو ملامحه ببطء، ذلك الوجه الذي اعتدنا أن نراه هادئاً جليلاً؛ ثم قفز من مجلسه وهو يصيح بصوت عال: «مات أبي» وبخطوات واسعة جرى خارج الغرفة جاراً عباءته على الأرض من خلفه؛ ثم ركض على السلالم والحرس يجرون من خلفه وهو لا يدري إلى أين يمضي، أو لماذا يمضي، ظل يصيح: «مات أبي، مات أبي» وعلى مدى يومين بعد ذلك رفض أن يقابل أي إنسان لم يتناول فيهما طعاماً ولا شراباً وقضى النهار والليل في صلاة متصلة»(7).

ويختم محمد أسد روايته بقوله: كم من الأبناء في منتصف أعمارهم، وكم من الملوك الذين كونوا ممالكهم بمجهودهم وقدراتهم قد حزنوا ذلك الحزن لوفاة الأب! مع أنه مات ميتة الشيخوخة الهادئة(8).

ويصف محمد أسد العلاقة بين الملك عبدالعزيز ووالده الإمام، كونه على ما يبدو كان آخر أوروبي يزور الرياض يقابل الإمام قبل وفاته. فقد أورد في نهاية حديثه مع الملك عبدالعزيز والملك يقص شعوره وعواطفه حين فقد زوجته الأثيرة الأميرة الجوهرة بنت مساعد بن جلوي وابنه البكر وولي عهده الأمير تركي بن عبدالعزيز (الأول) اللذين لقيا وجه ربهما في وقت واحد على أثر انتشار مرض اللوكيرا الذي اجتاح نجد في عام 1337هـ-1919م، فقد بوفاتهما أحب الناس إلى قلبه.

ولكن محمد أسد يقول: لم يكن حبه (أي الملك) موجهاً إلى زوجة وابنه فقط. فقد أحب أباه حباً نادراً لا تراه إلى لدى قليلين من البشر. كان أبوه -عبدالرحمن- الذي عرفته في أعوامي المبكرة في الرياض عطوفاً وتقيا، إلا أن الملك عبدالعزيز بعد أن كوّن المملكة بمجهوده الشخصي وأصبح ملك البلاد بلا منازع، كان يسلك مع أبيه مسلكاً شديد التواضع، حتى إنه لم يكن يسمح لنفسه ولا لغيره أبداً أن يضع قدمه في غرفة من القصر إذا كان أبوه عبدالرحمن في غرفة تحتها لأنه كما كان يقول: «كيف أسمح لنفسي أو لغيري أن يسير فوق رأس أبي؟» (9).

ثم يواصل محمد أسد حديثه عن علاقة الملك عبدالعزيز بوالده الإمام حيث يقول «لم يجلس أبداً في حضرة أبيه إلا إذا سمح له أبوه أن يجلس. مازلت -والحديث لا يزال لمحمد أسد- أذكر المأزق الذي أوقعني فيه تواضع الملك تجاه والده في الرياض (أظن أن ذلك كان في جمادى الآخرة سنة 1346هـ ديسمبر/ كانون الأول 1927م). كنت في ذلك الوقت في إحدى زياراتي المعتادة لوالد الملك في جناحه بالقصر الملكي؛ كنا جالسين على حشايا على الأرض، وكان والد الملك يحدثني في موضوع ديني محبب إلى قلبه. فجأة، دخل أحد أفراد الحاشية إلى الغرفة قائلاً:» الشيوخ قادمون» في اللحظة التالية كان الملك عبدالعزيز يقف بالباب. بالطبع أردت النهوض، وهممت به، إلا أن الرجل الكبير أمسك معصمي ومنعني من النهوض كما لو كان يفهمني أنني ضيفه، وأصابني حرج شديد لا تعبر عنه الكلمات لبقائي جالساً بينما كان الملك، بعد أن حيا أباه، واقفاً بالباب. كان من الواضح أنه ينتظر إذناً من أبيه لدخول الغرفة؛ ويبدو أنه قد اعتاد ذلك من أبيه، لأنه قد غمز لي بعينه وشبه ابتسامة على وجهه حتى يزيل عني الحرج؛ في الوقت ذاته استمر العجوز في تفسيره وشرحه كما لو لم تكن هناك أي مقاطعة لحديثه. وبعد بضع دقائق رفع بصره وأومأ لابنه قائلاً: «ادخل يا بني واجلس». كان الملك في ذلك الوقت في السابعة أو الثامنة والأربعين من عمره»(10)

تلقى الملك عبدالعزيز سيلاً من برقيات التعازي في وفاة الإمام عبدالرحمن من كبار الشخصيات المحلية والدولية من زعماء الأمة العربية والإسلامية.

أوردت أم القرى أولى برقيات التعازي من ملك العراق فيصل ابن الحسين، ومن أمير البحرين عيسى بن علي آل خليفة، ومن السيد شكري القوتلي، ورابطة المنتدى العربي في الهند، ومن شيخ الأزهر، ومن رئيس الوزارة الإيطالية، ومن السفراء والقناصل المعتمدين في جدة الذين قدموا التعازي باسم رؤساء دولهم؛ منهم قنصل هولندا، وممثل الجمهورية التركية، وقنصل دولة إيران، ومن حاكم أرتيريا، ومن أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، ومن أمير قطر خليفة بن قاسم بن ثاني برقية عن طريق البحرين، ومن مشائخ القبائل العربية المقيمة في بلاد الشام وغيرهم كثير.

كما رثاه -رحمه الله- كثير من الشعراء في مقدمتهم شاعر الحجاز الكبير إبراهيم الغزاوي، والشاعر محمد بن عثمان الشاوي.

المحرر: يستكمل الدكتور محمد آل زلفة في الحلقة الثانية هذا الأسبوع من حديثه عن وفاة الإمام عبدالرحمن الفيصل، وكيف تفاعل الملك المؤسس مع هذا الخبر.

(يتبع)

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة