Monday  21/03/2011/2011 Issue 14053

الأثنين 16 ربيع الثاني 1432  العدد  14053

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

سؤال: هل من المسموح شرعاً وعرفاً ارتهان الوطن عند دولة أو قومية أخرى لأن الطرف الراهن يشعر بالغبن في وطنه ولأن المرتهن يظهر تعاطفاً معه؟. هل يجوز شرعاً وعرفاً، مثلما فعلت المعارضة العراقية مع حكومة البعث في العراق، تحريض وتسليط دولة أو دول أخرى على بلدك لأنك لا تستطيع مواصلة الكفاح لتحصيل حقوقك بجهودك الذاتية؟.

أليس المتوقع والأرجح عندئذ أن الأجنبي سوف يصادر ليس حقوقك فقط، بل وكل بلدك لأنه لن يتدخل من أجل سواد عيونك أو لتماثلك معه في شيء ما مثل العقيدة أو المذهب، وإن صدقت ذلك منه فأنت مغفل.

هل يجوز التضحية بالأوطان في سبيل التخلص من حكومات زائلة مهما كانت ظالمة ومستبدة؟.

فعل ذلك من قبل ابن العلكمي في تاريخنا القديم، ثم فعله حزب الدعوة والصدريون والكرد والمنشقون البعثيون وأكثرهم من العرب السنة فأضاعوا أنفسهم وأضاعوا العراق.

ربما كسب الكرد مؤقتاً شيئاً ما حسب اعتقادهم، ولكنهم سوف يلحقون بالضائعين بين دول الجوار الطامعة.

لا يجوز أن يتكرر الأمر لا في البحرين ولا في ليبيا ولا في غيرها.

اليوم يتوجب السؤال بجدية عن الوطن وتحديد ذلك بكل دقة.

ما هو الوطن، هل هو جغرافيا التي يعيش بداخلها مجموعة من البشر يحملون نفس الجنسية، أم هو التمذهب الذي يجمع فئة من المواطنين هنا ويفرزهم عن المواطنين الآخرين هناك؟.

هل هو الانتساب لعشيرة أو قبيلة داخل مجتمع تكثر فيه الإمكانيات الفسيفسائية، أم هو التمنطق بحزام المناطقية الجغرافية بما لها من لهجات وفولكلورات وتواصل قديم مع عوالم الجوار الخارجية قبل أن يصبح الوطن كبيراً وموحداً وشاملاً وللجميع؟.

أم أن الوطن هو مجموع كل ذلك، هو الجغرافيا الكاملة والدين بكل المذاهب المتفرعة منه، وهو الانتساب للسان الواحد الجامع لكل القبائل الفسيفسائية التي لا تساوي الواحدة منها لوحدها شيئاً وهو الإطار الذي يغني ويطرب ويرقص الجميع على كل أنغامه الفولكلورية المطعمة بما اقتبسته عبر الزمن من العالم الكبير.

أكيد أن الوطن الحقيقي هو كل ذلك، ولا يقبل التجزئة إلى مذاهب ومناطق وقبائل وعشائر ولهجات.

بناءاً على ذلك أعتقد أن كل خروج على المنطق الجامع للوطن لصالح الولاءات الجزئية إنما يفتح الباب لتدخل القوى الخارجية ويطمعها في التفتيت والتقسيم.

وبناءً على ذلك مرة أخرى، مالذي يسمح لأحد أن يجد فرقاً بين المنشقين المحرضين ضد وطنهم من أبناء الطائفة السنية الحنبلية المتخندقين في لندن ومحازبيهم من الإرهابيين التفجيريين، وبين أبناء الطائفة الشيعية الجعفرية المحرضين ضد وطنهم من لندن وإيران؟.

بمفهوم الولاء الوطني يجب أن لا يكون ثمة فرق بينهم، فكلهم منشقون محرضون داعون لفتنة التباغض والتفتيت.

الواقع على الأرض هو أن الطموح الذي يجمع هذه الفرق المحرضة رغم تباغضها أكبر مما يفرقها لأن المحصلة للنوايا واحده.

المنشق السني يجبه ويجاهر أبناء وطنه الشيعة بالعداء والرفض، والمنشق الشيعي يعرف أنه ليس بريئاً من خدمة أجندة فارسية متدثرة بالتشيع تحمل في قلبها عداءاً تاريخياً للعرب بما فيهم السنة والشيعة، لكنها تمارس التقية والإرجاء على أمل أن تتاح الفرصة التاريخية مستقبلاً للإفصاح عن خفايا النوايا والصدور.

ما الذي يسهل لأحد أن يجد فرقاً نوعياً بين من يروج بالدس والإيحاء والمداهنة لتصديق اضطهاد الوسط للأطراف ويقدم ذلك على طبق وهمي من التمايز الحضاري التاريخي، وبين من يقسم الناس إلى قبائل وعشائر وفئات لا تسمح لها ولاءاتها الخاصة بتوثيق صلات الرحم على المستوى الوطني، أو من يستصدر فتاوى شرعية خلافية للتفريق بين الأزواج وتحطيم الأسر وتشريد الأطفال؟.

لا فرق بين كل هؤلاء مهما تباعدت أهواؤهم ظاهرياً، لأن كل فرقة منهم تحاول خدمة مصالحها بادعاء الغبن الوطني.

هنا تصبح أولى الأولويات السياسية والشرعية والإدارية سحب دعاوى الغبن من تحت الأرجل وجعلها تذوب تحت شمس تكافؤ الفرص والتعايش القائم على احترام الخصوصيات وحينئذ يكون في الوطن متسعاً للجميع.

 

إلى الأمام
ما هو الوطن؟
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة