Tuesday  22/03/2011/2011 Issue 14054

الثلاثاء 17 ربيع الثاني 1432  العدد  14054

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

مَنْ يتأمَّل تاريخ البشر تتضح له الحقيقة الكبرى التي لا مِرَاءَ فيها أن الأحقاد لا يمكن أن تبني كياناً بشرياً قوياً، خاصاً أو عاماً، فما جنح الإنسان إلى الحقد والحسد إلا كان خُسرانه فيهما مبيناً، ولا استسلمت للأحقاد دولةٌ إلا اضطرب أمرها، وذهبت ريحها، وأتاها الله سبحانه وتعالى من حيث لا تحتسب.

الأصل في حياة الإنسان أن يكون فاعلاً للخير داعياً إليه، وأن يجعل من حسن النية، وسلامة القصد منهجاً للحياة، فإذا انحرف عن هذا الأصل عرَّض نفسه ومن معه للهزيمة والاضطراب، والضياع في الدنيا والآخرة وكذلك الأصل في ولاية الأمور، وقيام الدول، فما من دولةٍ تقوم على الضغينة والحقد يمكن أن تحظى بالقوة والثبات والاستقرار، حتى وإن تهيأ لها من أسباب القوة المادية ما يجعلها قادرة على إحداث جلبة وصخب وهيلمان ينخدع به بعض الناس، فكم من مظاهر للقوة قائمة على أصل فاسد رآها الناس تنهار فجأة، وتتلاشى في غمضة عين حقيقة لا بد أن يدركها الناس جميعاً، ويدركها من ولاهم الله أمور الناس. «الأحقاد لا تبني» بل إنها معاول قوية للهدم تأتي على بنيان أهل الحقد من أساسه فتقوِّضه تقويضاً سريعاً مفاجئاً.

لقد أكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه عبدالرحمن بن شماسة عن عائشة رضي الله عنها، حيث قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه -تعني عمرو بن العاص- فقال: ما نقمنا منه شيئاً إن كان يموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقه فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم مَنْ وليَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن وَليَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» رواه مسلم.

إنَّها مسؤولية عظيمة لا مجال فيها للتهاون، ولا مكان فيها للأهواء والرغبات الشخصية أبداً، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي يبيت غاشاً لرعيته لا يجد ريح الجنة، ولا يمكن أن يحدث الغشُّ، ولا المشقَّة على الناس إلا من أصحاب قلوب مغلولةٍ مشحونةٍ بالسوء.

هكذا كانت نهايات أصحاب الأحقاد عَبْر التاريخ، انهيارات وهزائم، ومصائب لا تنتهي، وهكذا رأينا نهاياتهم بأعيننا في زماننا هذا، فكم تساقطت أمامنا صروح رجال شقُّوا على الناس وضايقوهم وتعاملوا معهم بالحقد، وسوء التقدير، والإهانة، فما أغنت عنهم مظاهرهم، ولا نفعهم ضجيجهم، ولا منعتهم من الهزيمة قواهم الخاصة التي بنوها على مدى سنوات طوال.

وإذا نظرنا إلى الأنموذج «الإيراني» في دولته المتعصِّبة المثيرة للقلاقل القائمة على الأحقاد الطائفية المقيتة، ونظرنا إلى الأنموذج اليهودي الصهيوني في «فلسطين» رأينا صورة واضحة لاهتزاز دولة الأحقاد، واضطرابها مهما كانت قوتها وقدراتها المادية، لأن الله سبحانه وتعالى توعَّد هذا الصنف بالهلاك والبوار.

إشارة:

مَنْ يحمل الفأس لا ينوي مصافحة

ولا يرى الحقَّ من في عينه رَمَدُ

 

دفق قلم
الأحقاد لا تبني
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة