Thursday  24/03/2011/2011 Issue 14056

الخميس 19 ربيع الثاني 1432  العدد  14056

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الزمن اختلف، والوقت تبدل، والأيام ليست هي الأيام، والناس غير الناس، والقضايا ذات تعرج والتباس، والعالم مكانياً أضحى قرية واحدة بل داراً صغيرة، فيها غرفاً متجاورة مختلفة ومتماثلة، هكذا يقولون.. العامة مثل الخاصة، والبسطاء قبل العلماء، ولذا فالفردية أياً كان هذا الإنسان الفرد لا مكان لها في عالم النوايا والأقوال فضلاً عن السلوك والأفعال، وإذا كان يسمع لك، أو يقرأ عنك، أو يتعامل معك خمسمائة إنسان فيما مضى فأنت اليوم ربما تنتقل إلى أقصى الدنيا ويشاهدك ملايين البشر وأنت على كرسيك الذي هو هو لم يتغير منذ عشرين عاما أو يزيد.. انطلاقا من هذا التأسيس الشمولي الواسع، وبناء هذه القاعدة المضطرة والمتواترة والتي هي محل اتفاق عند الجميع إلا ما ندر- والنادر لا حكم له -، ولكثرة النوازل التي يكثر السؤال عنها من قبل أبناء الوطن فضلاً عن غيرهم، ولتعدد المفاهيم وتباين الأفهام واختلاف المدارك وانفتاح الناس على العلم وتعدد مصادر الفتوى وكثرة وسائل التواصل مع علماء الأمة في كل مكان، وفي ضوء تطلعات الأمر الملكي لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وما يشمله من نقلة مؤسسية في تأطير الفقه الاجتهادي إزاء ما يجد من أحوال، ولتنظيم العمل في هذا الميدان الذي يعد وبحق ركيزة من ركائز بناء الأمة وتمكين مؤسساته من التعامل مع العديد من القضايا المتجددة التي تفرزها معطيات العصر وتفاعلات الحياة الإنسانية، ولأهمية نتاج الفتوى في ضبط مسيرة المجتمع نحو الصالح الديني والدنيوي، على ضوء ذلك كله تتوالى المقتضيات الأساسية التي لا تغيب عن رموز التخصص والمعنيين بالدراسة والطرح للهيكلة وآليات العمل، من هذه المقتضيات ما تفرضه طبيعة العمل وحكمة الدين في تكامل الدراية والمعرفة المتخصصة في الميادين التي تخدم الفتوى حسب مجالها وارتباطها وتشابكها وتداخلها مع ما يلزم من زوايا البحث والنظر في العلوم الطبيعية والاقتصادية والاجتماع بل والسياسة والسلوك الإنساني بما يحقق مقاصد الشريعة، وفي هذا الشأن يلزم الفتوى في القضايا الكبرى ذات العلاقة بتطورات العصر ومعطياته العالمية أن تكون هناك فرق متخصصة توفر الأبعاد والنتائج لدمجها في حسابات وموازين الفتوى، إذ ليس من الفقه أن ينفرد عالم في الشريعة في القول بما هو جديد في الاقتصاد المعقد والمتشابك فضلاً عن السياسة والاجتماع والفكر والتقنية والطب، فأهل الذكر الذين ندبنا الله لسؤالهم هم أهل الاختصاص أولاً وهذا من باب صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان.

وعلى الجهة المقابلة تأتي الحالات الفردية المستغرقة في تفاصيل خاصة ترتبط بذات الحالة وينتج عنها فتوى تختص بها وليس له صفة العمومية، وهنا تأتي مخاطر إعلان الفتوى إعلامياً دون الإشارة إلى خصوصية الحالة وربما شخصنتها، وعليه فإن ضبط مسار الفتاوي الفردية بآليات تتجنب تجاوز إطار الفردي إلى العموم يعد في نظري من الأمور الهامة في مجتمعنا الإسلامي اليوم، فالقياس، وتعميم الخاص، وإطلاق المقيد، والعمل بالقاعدة الفقهية «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، وتحديد الضرورات التي تقدر بقدرها، وغير ذلك هي من ركائز الفهم الفقهي التي لا يمكن لغير العالم الشرعي الاجتهاد فيها وتطبيقها حين اعتقاده بالتماثل والمطابقة.

وفي سياق الفتوى في مختلف المسارات تبقى لغة الخطاب مطالبة بأن تراعي مفردات الحياة اليومية والقواميس الشبابية المعاصرة التي أفرزتها تطورات الحياة الثقافية والاجتماعية محليا وعربيا وعالميا، فالثقة التي تتمتع بها مؤسسات الفتوى في المملكة العربية السعودية تستقطب المسلمين من أنحاء العالم العربي والإسلامي، والمجمع الفقهي السعودي كي يحظى باستمرارية هذه الثقة مطالب بخطاب تتلاءم مفرداته مع نفسيات المستمع واحتياجاته الحياتية وتستوعب التفاوتات اللغوية عربيا وعالميا كما تستوعب لغة العصر ومفرداتها ومستجداتها ومسميات الجديد والمبتكر من الأشياء ذات العلاقة بحياة بني آدم، مما يقضي على العديد من الظواهر التي نراها في كثير من القنوات الفضائية والصحف العربية والعالمية، كاختلاط الخاص بالعام، وعدم معرفة ما هو رأي شخصي مما هو حكم شرعي، واندماج ما هو ذاتي بما هو موضوعي، ولا يمنع أن يكون هناك دورات تدريبية متخصصة تمنح المفتي مهارات التواصل الأمثل مع مستمعيه ومشاهديه وكذا قرائه ومريديه. كما أن من التطلعات التي ينشدها المتخصصون أن يكون هذا المجمع بمثابة مركز معلومات متخصص للفتوى يجمع شتات ما سبق بأسلوب علمي رصين وآلية سهلة تمكن الباحث من الوصول لكل ما يريد بسهولة ويسر، وهذا الأمر من شأنه أن يطور الدراسات المتخصصة ويعمق البحث الفقهي ويجعل هذا المشروع الرائد والرائع منارة للعلم وقبلة للعلماء من كل التخصصات وفي كل الميادين وعلى مر الأعوام والسنين وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
المجمع الفقهي السعودي «رؤية استشرافية»
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة