Friday  25/03/2011/2011 Issue 14057

الجمعة 20 ربيع الثاني 1432  العدد  14057

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

يوم مع العرب

رجوع

 

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، شعرت بأنني أرتطم بشدة على ظهر رجل يأكل الطعام على مائدة التف حولها مجموعة من أصحابه فصاح من شدة الألم ثم استجمع نفسه وقال:

أخخ تباً لك.. من أنت وإلى أي قبيلة تنتمي؟

قلت له: أنا عيسى المجممي.

قال: ههه..

قلت له: لا تهزأ يا أبا جهل.

قال: وكيف عرفت أني أبو جهل.

قلت: من وجهك الملطخ بالآثام وجسمك الذي يشبه الثور.

فضحك علية القوم وعندها غضب واستل سيفه وأراد قتلي، ولكنني احتميت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يسلم بعد بل بدا واضحاً أن الإسلام لم يشرق بعد في ذلك الوقت، فقلت له:

أيها الرجل الكريم أنا في حماك.

قال لي: لا عليك إنك آمن.

قال أبو جهل: دعني أضرب عنقه.

فقال عمر: يا أبا جهل إن له عندي العزة والمنعة.. وإنك لتعرفني حق المعرفة فلا تمسنه بسوء.

فلم يفعل ذلك المجرم شيئاً. وبعد ذلك أخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيدي ومضى بي إلى السوق وصاح في الناس قائلاً:

أيها الناس ليبلغ الحاضر منكم الغائب: إن هذا الغلام في حمايتي.

وقتها شعرت بالأمان وأصبحت أتنقل في أي مكان أشاء.

قادتني قدماي إلى أحد الأسواق المزدانة بالحوانيت ما لبثت عندها أن بدأت أنظر بلهفة وشغف إلى كل شيء حولي. ثيابهم هيئاتهم. عمائمهم وجلابيب نسائهم حتى أخفافهم التي ينتعلونها لم تسلم من فضولي.

هم أيضاً بادلوني الفضول وباتوا ينظرون إلى شماغي وعقالي وثوبي وحذائي وبينما أنا كذلك اقترب مني ثلاثة غلمان في مثل سني تقريباً فقال أحدهم ما هذا؟ مشيراً إلى العقال، فقلت له: هذا عقال. فقال: عقال بعير وضحك الثلاثة جميعهم فقلت له:

-حلوة ذي.

قال: ماذا تقول؟

فتذكرت العربية الفصحى وقلت: هذه حلوة.

لعل غرابتي جعلتهم ينفضون عني وتابع كل منا طريقه.

أحسست بشيء من العطش والرغبة في شرب البيبسي فدخلت أحد الحوانيت الذي اصطفت في مقدمته بعض الدوارق والكؤوس فقلت لصاحبه:

هل يوجد عندك بيبسي؟؟ فرد:

وما هو البيبسي بحق السماء؟ فقلت:

هو مشروب حلو الطعم مياهه تفور بفقاعات الغاز. قال:

- يوجد عندي خمر جيد فهل تريد قليلاً منه.

قلت له: لا لا شكراً دع الخمر لك.

لمحت على مسافة قريبة أناساً يلتفون حول صخرة يعلوها رجل فاخر الثياب، بهي الطلعة، له جدائل شعر كثيفة تنسدل على كتفيه، يمتشق سيفه ويمسك رمحه وقد استرسل في إنشاد القصائد فاقتربت من حلقتهم وقلت:

من هذا؟ فقيل لي إنه امرؤ القيس الملك الضليل ابن ملك قبيلة كندة ومن فحول شعراء الجاهلية.

ونظر إلينا أحد الحاضرين يرمقنا شرراً كأنما يطلبنا الهدوء، بينما استرسل امرؤ القيس يلوح بيده عالياً في السماء قائلا:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

فضحكت حتى وقعت على الأرض مغشياً عليَّ، فتوقف امرؤ القيس عن الشعر حانقاً والتفت الناس جميعهم إليَّ واقترب مني رجل وقد كور قبضته ليلطمني وهدر:

هل أنت رجل عاقل؟

فقلت له: احترم نفسك وتكلم بأدب.

فقال: وأي أدب تتحدث عنه وأنت تضحك بدون سبب؟ ألا تعلم أن ذلك من قلة الأدب!

فقلت: ومن قال لك إني أضحك بدون سبب؟

قال: فما الذي يضحكك بحضرتنا ونحن نستمع لهذا الشاعر العظيم؟

قلت: هذه القصيدة التي يقوله أحفظها عن ظهر قلب!

فقال مكذباً ومتحدياً: إذاً أنشدها إن كنت صادقا.

فما كان من امرئ القيس إلا أن نزل عن المنبر وصعدت إليه وكل منا يتبادل النظرات المتربصة بالآخر.

ولما علوت المنبر أخذت ألوح بيدي عالياً في السماء كما فعل امرؤ القيس وأتنحنح فقال بعض الحاضرين وهم غضبى:

- هيا أيها الغلام هات ما عندك لقد أطلت علينا، فأنشدت:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللواء بين الدخول فحومل

كأني غداة البين يوم تحملوا

لدى سمرات الحي ناقف حنظل

وقوفا بها صحبي عليَّ مطيهم

يقولون لا تهلك أساً وتجمل

وأكملت إلى آخر المعلقة أرددها إنشاداً مرنماً، بينما جمهرة العرب حولي يرددون القوافي ويتراقصون طرباً على إيقاع الإلقاء حتى فرغت من آخر بيت في المعلقة،، عندها تضاحكوا على امرئ القيس، وقالوا له:

وتزعم أنك صاحبها وغيرك من ينشدها. فلم يرد عليهم ولم يستمع لهم وصعد إلى المنبر أمام الجمع ونظر إلي متعجباً مندهشاً ووضع يده على كتفي وقال بصوت مسموع:

أيها الشاب إن هذه القصيدة من إنشائي ولم أنشدها حتى الآن فكيف لك بإنشادها؟ فأخذ العرب يتساءلون من هذا غريب اللسان والهيئة؟

انظروا إلى ملابسه وعلت الأصوات واللغط.

عندها قلت لهم على رسلكم أيها العرب سأخبركمٍ بكل شيء لقد أتيتكم من زمان بعد زمانكم بأكثر من ألف وأربعمائة سنة ولقد درست حياتكم وأشعاركم في كتاب الصف الأول الثانوي. فصاح بهم امرؤ القيس:

- إنه ساحر إنه كاهن هيا اقتلوه.

فتوشحوا سيوفهم وهموا بقتلي لولا أنني استيقظت من النوم في تلك اللحظة بالتحديد.

بقلم الطالبة:هدى حسين علي المجممي -الثانوية (47)

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة