Sunday  27/03/2011/2011 Issue 14059

الأحد 22 ربيع الثاني 1432  العدد  14059

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

مهرجان عنيزة الثقافي.. رؤية ومنهاج وكسر للجمود.. وجماهيرية رغم النخبوية

رجوع

 

قراءة – عطية الخبراني :

عنيزة وأول زيارة

لم تكن زيارة عنيزة هاجساً في ذهني في يوم من الأيام، لشعوري ألا حاجة بيني وبين هذه المدينة التي تبعد عن مدينتي أكثر من ألف وخمسمائة كيلومتراً براً، لكنني كنت أول المبادرين حين شرفني القائمون على مهرجان عنيزة الثالث للثقافة بدعوة كريمة لحضوره، فمن محاسن حضوره التشرف بمعرفة أهل هذه المدينة عن قرب.

ثمة تصور يجعله كل إنسان لنفسه حين يسمع أي كلمة، ومن تلك التصورات، تصوراتنا للمدن التي لم نزرها، كانت عنيزة -والحديث عن المدينة لا الأشخاص- في ذهني منطقة متعالية ومتعجرفة قبل أن أزورها، لكني وجدت في نفسي تحولاً بعد زيارتها للأجمل ومسحت الصورة القاسية التي كنت أحملها عنها.

عنيزة المتسامحة

تبدو -وهكذا رأيتها- عنيزة مدينة متسامحة ذات روح بشوشة ونفس طيبة، رأيت ذلك فيمن قابلت من أبنائها ومثقفيها، تقبل الكل ولا تضيق بأحد، وهي كذلك كما تروي الروايات التاريخية مع كل من مر عليها من عرب ورحالة أجانب.

الجمعية الخيرية الصالحية

في أكثر حالاتي تفاؤلاً لم أكن أتصور أن تكون جمعية خيرية لا تقوم على دعم حكومي، بكل هذا النظام والترتيب والشمولية، مبنى وتجهيزاً قبل زيارتها، رغم معرفتي بنشاطاتها قبل أن أزور عنيزة وأزورها، لكن حين دخلتها أثلج صدري ذاك التنظيم الفائق والمبنى الشامل لكل شيء والقادر على استيعاب كل الفعاليات المتنوعة؛ والتي من شأنها أن تثري أي برنامج يمكن أن يفكر به القائمون على الجمعية، فالجمعية التي أسست في عام 1403 هـ تملك رؤيتها الخاصة التي تريد نشرها وإيصالها إلى مجتمعها، وتحمل هم كل من حولها بكافة أطيافه وفئاته، عمراً وفكراً ومكانة، فلا أظن أن أحداً من أبناء عنيزة لا يعرفها ويعرف فضلها وفضل مؤسسها معالي الأستاذ عبدالله العلي النعيم بالاشتراك مع عدد من رجالات عنيزة، وفاء لصاحب الفضل الأكبر الشيخ صالح بن ناصر الصالح، نظير دوره التربوي والرائد في مدينة عنيزة، حتى إنني كنت أتحدث مع صديق من أبناء عنيزة عن الصحافة الثقافية والأندية الأدبية فقال: «لم نكن نعرف أندية أدبية ولا وزارة، كان نادي الكل هنا في عنيزة هي هذه الجمعية» وهو بذلك يقر بالسبق والفضل لأهله وهم يستحقون بلا شك، يسرني حين أتابع دليلاً للجمعية الصالحية فأجد تحت مظلتها مركز صالح بن صالح الاجتماعي، ومركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن النسائي، ومركز الصالحية للتدريب والتطوير، مما يعني أن العمل مستمر، وأن الرؤية واضحة، وأنه لا تواني ولا تقهقر عن خدمة هذا الفعل الثقافي والاجتماعي المتميز والاستمرار فيه.

مهرجان عنيزة الثقافي

تعد دورة هذا العام من المهرجان هي النسخة الثالثة له، سبقتها نسختين سابقتين حملت شعارين كبيرين، وكان الثالث كذلك، فقد حملت الدورة الأولى شعار «الثقافة تواصل»، وتطرقت للحديث في موضوعات عدة، كالدور التربوي والثقافي والتاريخي لأحد أعلام عنيزة الشيخ عبدالرحمن البطحي، وعن دور الإعلام في تنمية المجتمع، وأخرى كواقع المرأة السعودية والتحديات التي تواجهها، وتجديد الخطاب الثقافي، والأسرة وتحديات العصر، فيما حملت النسخة الثانية من المهرجان شعار «نختلف ولا نفترق» وحملت عناوين كالصلة بين العلم والفلسفة، والأنا والآخر، وتعايش المذاهب، والتسامح والاختلاف من منظور إسلامي، وخطاب المرأة في الإعلام، والحوار ثقافة وإثراء.

أما نسخة هذا العام فقد حملت روح الوفاء لمن يستحق، فجاء الشعار «ثلاثون عاماً وفاء وعطاء» إذ تحتفي الجمعية الخيرية الصالحية بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسها، وهي طوال هذه السنوات عطاء متقد وروح جماعية لا تعرف التوقف، وقد حمل المهرجان هذا العام عناوين عديدة، كعنيزة في كتب الرحالة الأجانب، والكتابة بين الذات والآخر، والجامعات والابتعاث، والصحافة المعاصرة وأثرها في ثقافة المجتمع، وقضايا المرأة في الإعلام بين الحقيقة والمبالغة، ودور المرأة ومسؤوليتها في المنتديات والمراكز الثقافية وغيرها كثير.

جدول فعاليات المهرجان

جاء جدول فعاليات هذه الدورة ثرياً ومليئاً بالأفكار والأسماء القادرة على تكوين تصور جيد عن المهرجان واختياراته قبل افتتاحه، جامعاً بين الفكر والثقافة والصحافة والتاريخ والاهتمامات العامة، ليكون محفزاً على التفاؤل بما سيقدمه هذا المهرجان من عمل ثقافي وتنويري، سيساهم في المشاركة إلى جانب الفعاليات الثقافية المقامة في بقية مناطق ومدن المملكة في رقي هذا البلد وحضارته.

رؤية أمير

«مهرجانكم ذو لون وطعم ورائحة جميلة»، بهذه العبارة يبدأ أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز كلمته التي ألقاها في افتتاح الدورتين الأولى والثالثة وهو بذلك يعطي لمستمعه إشارة عن مدى دعم هذا الأمير للثقافة وأهلها والقائمين عليها، ويؤسس لفهم ووعي مختلف عن المسؤول المستنير وصاحب العقلية المختلفة «فيصل بن بندر»، والذي لا يألو جهداً ووقتاً في دعم كل المناشط الثقافية في المنطقة، والتي يراها حافزاً لكل المنتمين إلى عالم الثقافة والمثقفين ودعماً لمسيرة الثقافة في البلاد بالتوازي مع ما يقام في المناطق الأخرى من مهرجانات وفعاليات وملتقيات وندوات ثقافية، سمو الأمير فيصل بن بندر قال في كلمته « لن أتحدث عن الثقافة، فالثقافة للمثقفين، ولن أتحدث عن الفكر فالفكر للمفكرين، وإنما أتيت أبارك هذا الافتتاح وأعيشه معكم وأتواصل فيه حتى ينتهي ويكتمل على خير».

فإذا عدنا لاستقراء هذا الجزء من كلمته فإنما يدل على روح طموحة ونفس متطلعة نحو التقدم والرقي، ولا رقي دون فكر وثقافة، فبهما تتقدم الأمم وتنمو، ولا يفوت على مستمع أو قارئ أن ينتبه إلى حرصه على هذا المهرجان ودعمه له حتى آخر لحظة منه.

وزير الثقافة «يشعرن» المساء

كان من الملفت في كلمة معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محي الدين خوجة في افتتاح المهرجان أنه أحال الليلة إلى شعر خالص، مستشهداً وقائلاً، ومتنقلاً بين الأرواح الشاعرة التي سلفت فمن بيتين لجرير، إلى بيت لمالك ابن الريب ثم إلى الفرزدق، ثم يعاود ليستشهد بأبناء عنيزة، فمن أبيات لمحمد الفهد العيسى إلى أحمد الصالح «مسافر» مروراً بعبدالرحمن السماعيل، وتلك روحه المعهودة، لأن الشاعر لا تحده الأماكن ولا رسمية الكلمات، لتبقى نفسه المولعة بالشعر مرفرفة على كل مكان يحط فيه، ويؤكد الوزير في كلمته على ريادة عنيزة الثقافية وسبقها العلمي والتاريخي، ليحيل المساء إلى قصيدة والمكان إلى لوحة تشكيلية فاتنة.

كسر جمود «المناسباتية» في كلمة

ستتملكك الدهشة جزماً وأنت تستمع إلى كلمة الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي والتي يبدأ فيها بآية قرآنية «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على أنفسكم...» الآية ثم ينتقل إلى الشعر، ويعرج على لغة الأرقام والإحصاء، ثم يستشهد ببيتر دراكر وإدوارد سعيد وابن خلدون وألفين توفلر، ويتحدث في حروب المستقبل وثوراته الاجتماعية، والمعرفة وسلطتها، وفي التقنية الحديثة، ضارباً بكل رسمية المناسبات عرض الحائط ومؤسساً لمنهجية جديدة في الكلمات التي لا تقوم على السطحية، وإنما تتوغل إلى داخل الفكرة، فتخرج بالرؤية والرسالة والطموح وتشرِّح الخلل، وهو بذلك إنما يتحدث عن ما يريده القائمون على هذا المهرجان من رسالة قد تساهم في رفع الوعي وردم الهوة بين الجيل والثقافة، وكل ذلك بالدليل والاستدلال والرقم والحجة.

أوبريت الوفاء «لوحة وفاء»

كان الأوبريت أكبر الشواهد على أن عنيزة ليست ضد أحد ولا تصادر حق أحد، وهي الوفية لكل صاحب فضل، والحافظة لكل يد امتدت وعقل عمل واجتهد، فشارك أبناؤها فيه كلمات وألحاناً وأداء ومؤثرات وإخراج، فأغرقوا الليلة بختامية مدهشة وفلكلور راقص وجميل لا ينم إلا عن جمال أهل هذه المدينة.

جماهيرية الثقافة في «ورطة»

تظل نقاشات الثقافة وشجونها تدور داخل حيز ضيق يدعى «النخبة»، فمهما حاولنا أن نوسع قاعدته الجماهيرية سيظل حبيساً، إلا بتنازلات لا يرتضيها جل المثقفين، وبرغم ذلك لم يحرم مهرجان عنيزة من حضور رائع يجمِّل أماسيه، ويمنحها لذة، حتى أن غير محاضرة حظيت بحضور ملأ القاعة، ورسم لها وجهاً بهياً ومشرقاً.

المداخلات إثراء أو هجوم

ربما يتفق الجميع أن للمداخلات الدور الأبرز والأهم بعد أهمية المحاضرة في تدوير النقاش وفتح نوافذ جديدة في المحاضرة أو الندوة، فرأي مؤيد هنا ومخالف هناك ومحايد عند ثالث، ليكتمل العقد والرؤية ولتبقى الآراء لا تنصهر في بعضها مكملة وموازية، فميز مهرجان عنيزة أنه كان ثري المداخلات ومتعدد الرؤى والآراء، دون صراخ أو إقصاء، إلا في حالة أو حالتين كانتا خارج السياق الذي يمكن أن نتحدث عنه، لكن من الإنصاف والمهنية أن نقول رغم أنه لا يقاس بها وعليها.

الشباب والفرصة

إن من أكثر ما يلفت انتباه المتابع في المهرجان، حرص اللجنة القائمة على المهرجان على إعطاء الفرصة للشباب لخوض التجربة والوقوف جنباً إلى جنب مع أسماء لها باع وتجربة، فكانت تختار لكل محاضرة شاباً متميزاً يقدم الليلة بموهبة عالية وأداء راق، ثم يتيح الفرصة لمدير الجلسة أن يبدأ الليلة.

الاعتذارات.. ندبة سوداء

ما زالت الكثير من الملتقيات تعاني من اعتذارات تفاجئها في آخر لحظاتها، بعد أن أتمت كل شيء، ووضعت حساباً لكل شيء، وأعلنت برنامجها مطبوعاً ومنشوراً ومرسلاً لكل ضيف، ليضعها المعتذر في موقف لا تحسد عليه مع جمهورها والذي يسأل عن الكاتب هذا أو الشاعر ذاك، وقد لا تكون المشكلة في القائمين على المهرجانات وإنما فيمن اعتذر.

في مهرجان عنيزة غاب اسمان أو ثلاثة بعد اعتماد البرنامج النهائي، وليتهم فعلوا ذلك من قبل، ويبقى العذر لصاحب العذر، والعتبى على المتعذر بحجج كالهواء لا يمسك أحد منها شيء.

المعارض المصاحبة

أقام المهرجان ثلاثة معارض مصاحبة للفعاليات الرئيسة، كان أولها معرض تعريفي بمسيرة الأستاذين الرائدين صالح بن ناصر الصالح وعبدالله القرزعي التعليمية، ومعرض ثان للتعريف بأنشطة وبرامج الجمعية خلال مسيرتها الطويلة، وثالث للفنون التشكيلية.

يستحق..!

أثناء وجودي في عنيزة لفتني أن القائمين على المهرجان لم يوجهوا الدعوة - جرياً على عادة الملتقيات- لضيوف من خارج المنطقة للحضور فقط، فليس شرطاً أن يكون لكل مدعو مشاركة في ندوة أو في إدارة جلسة فالبرنامج واسع ورائع ويستحق أن يحضره أكبر عدد ممكن من المهتمين، فرأيت انحصاره على أبناء عنيزة ممن هم داخلها، أو الذين قدموا بأنفسهم دون دعوة من خارجها، ورأيي أن دعوة المهتمين مطلب مهم وعادة جيدة لا ينبغي التخلي عنها والعزاء أن في القادم أمل إن شاء الله في التفكير في مثل هذه الفكرة، لأنها بالتأكيد ستساهم في إعطاء المهرجان وجها إضافياً أجمل، وبعداً جماهيرياً وإعلامياً أقوى ويستحق أن يحضره المهتمون من كافة مناطق المملكة.

ورش العمل

أقيمت ورش عمل في صباحات المهرجان حظيت أيضاً بحضور جيد ورؤى أكثر جودة وتحدث فيها الحاضرون حول عدد من القضايا رغبة منهم في الخروج بتوصيات في كل موضوع، كالحديث عن العمل التطوعي والاجتماعي وعن الجمعية الخيرية الصالحية ورؤيتها المستقبلية، وهم بذلك يساهمون في دفع الجمعية بأفكارهم وطرحهم إلى التقدم في نهجها وتلافي ما لديها من نقص والاطلاع على تجربتها عن كثب.

اللجنة الإعلامية.. عمل دؤوب!

من أكثر اللجان حركة ودأباً، فلا يكاد أحدهم يتوقف للحظة، حتى تظن في لحظة أن أحدهم لا ينام لحظة من أجل أن يتم العمل على وجهه الذي أرادوه وخططوا له مع بقية اللجان، حيث لا أنسى الاتصال الأول بيني وبين رئيس اللجنة الأستاذ صالح الجهني حين قلت له في نهاية حديثنا: أعتذر يا أبا ياسر، لقد أتعبتكم معي، فأجابني: بدأ المهرجان ونذرنا أنفسنا له، فلا تقلق.

كلمة واجبة.. شكراً عنيزة

أريد أن أشكر عنيزة في أرواح وبشاشة من قابلت وهم بذلك إنما يصنعون وجهها الناصع والجميل، فالشكر لكلٍ من -مع حفظ الألقاب- صالح الغذامي، عبدالعزيز الرميح، يوسف الرميح، صالح الجهني، سعد المسمى، علي السعيد، أحمد العبدالعالي، يوسف الخليفي، إبراهيم الشتوي، خالد الغذامي، خالد الفريهيدي، خالد الروقي، عبدالعزيز القرعاوي، رشيد الطويان، والشكر لأخ رافقني حتى بوابة المغادرة بالمطار ولم أعرف اسمه فقد كان جميلا وبسيطاً وصاحب خلق جم.. وثمة أشقاء عرب ليسوا في الواجهة، لكنهم كانوا ضمن منظومة العمل الرائع، الدكتور جمعة موسى والسيد بخيت.. شكراً عنيزة.. إلى لقاء قريب.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة