Wednesday  30/03/2011/2011 Issue 14062

الاربعاء 25 ربيع الثاني 1432  العدد  14062

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

عزمت فيما مضى على أن أكتب عدة مقالات حول التوظيف وما يتصل بتنمية وإدارة القدرات البشرية، من خلال منظور أن الإنسان هو المحرك والمغير لما حوله وهو محقق الإنجاز والإبداع، لكن ما حدث من تواتر للأحداث السياسية في محيطنا العربي، جعلني أتريث في ذلك واستعيض عنه بحديث يلائم الحالة حتى يقل اهتمام الناس أو يملوا مما أكتب من خواطر سياسية، الآن أنا مللت من ذلك، وبات علي أن أعود لمن توقفت عن الكتابة عنه. وفي هذا المقال سأتناول البطالة وما تعنيه وكيف نفهمها؟ ولماذا لا نقيسها كما يجب؟

نحن هنا في غنى عن تعريف البطالة لغوياً، لوضوح معناها عند عموم الناس، لكننا بحاجة إلى تعريفها اقتصاديا، فليس كل من لا يعمل يعد عاطلا عن العمل، ولا تقاس نسبة لعموم السكان كما يعتقد، ولنعرف البطالة اقتصاديا لابد أن تتوافر معايير للتعريف تساعد في فهمه ويكون مقنعاً للتعامل معه بعملية، لذا نسوق بعض الحقائق المؤسسة لمفهوم البطالة، منها أن العمل إما أن يكون مستمرا أو منقطعا، فالمستمر هو ما يجمل في هيئة وظيفة تتجدد مهامها كل يوم وعلى نحو متماثل كوظيفة الطبيب والمدرس والمهندس وغيرهم، أما العمل المنقطع فهو ما تكون الحاجة إليه لتحقيق غرض محدد ينتهي بانتهائه، مثل حصد الزرع وجني المحصول وتطويف الحجاج وغيرها من الأعمال الموسمية أو غير المتكررة، ويسعى اقتصاديو العمل لجعل معظم الأعمال مستمرة لتتحقق استدامة الإنتاج وفعاليته - وطرق تحقيق ذلك متعددة لكنها خارج نطاق هذا المقال - وبقدر ما تكون الأعمال مستمرة يتم قياس كفاءة اقتصاديات العمل بصورة مقبولة ويتعذر ذلك مع سيادة الأعمال المنقطعة، والبطالة لا تكون إلا بالأعمال المستمرة، والحقيقة الثانية هي أن للعمل المستمر متطلبات تأهيلية تفترض جاهزية محددة لمن يراد له شغلها، وبقدر ما تكون ملاءمة تلك الجاهزية لمتطلبات العمل تتحقق الفاعلية، وهذا المعيار للقدرة الإنتاجية مهم في تكوين التنافسية، والحقيقة الثالثة أن من يريد العمل المستمر، فعليه أن يسعى له في مواقعه، وحيث يتعذر السعي لجميع مواقع العمل، فهناك من يمثل قناة بين طالب العمل وصاحب العمل وهي مؤسسات ومكاتب التوظيف وفعاليتها مهمة في معالجة عسر التوظيف، والحقيقة الرابعة أن لكل مجتمع خصائص تفرض سلوكاً تجاه العمل، يحدد نمطيته تمايز وتجانس العمال من حيث العمر والجنس واللغة والخلفية الثقافية، وبناء على هذه الحقائق تم تكوين تعريفات متعددة للبطالة، كل منها ينسجم مع مجتمع له خصائصه، وبين تلك التعاريف مشتركات برزت من خلال التعريف العالمي للفرد العاطل كما جاء في تعريف منظمة العمل الدولية وهو (العاطل هو الشخص الذي لا يعمل وبحث بصورة جدية خلال أربعة أسابيع متواصلة عن عمل ولم يجد)؛ لذا يخرج من هذا التعريف من يعمل بصورة متقطعة، ومن لا يعمل لكنه لا يبحث عن عمل، ومن لا يبحث عن العمل بصورة جدية، أي أن يمضي معظم وقته في البحث عن عمل، ومن يبحث عن عمل أي عمل ثم يجد العمل ولا يلتحق به.

نحن في المملكة ليس لدينا حسب علمي تعريف للبطالة خاص بنا كمجتمع عمل، وإن كان الواجب أن نصيغ ذلك التعريف بناء على دراسة جدية لخصائص المجتمع السعودي وخصائص العاملين في سوق العمل السعودي، والبنية الاقتصادية السعودية، شأن ذلك وجميع التعاريف الاقتصادية اللازمة لتكوين صورة إحصائية موثوقة عن واقع اقتصاد المملكة العربية السعودية.

لقد تخبط الناس في استقراء حجم البطالة في سوق العمل السعودي، في ظل عدم وجود معيار تعريفي للعاطل عن العمل، فمنهم من قال إنها 10% ومنهم من قال إنها 20% ومنهم بالغ وقدرها بـ30% وكل ذلك رجم بالغيب، كما تخبطوا في تنسيبها، فالسائد بين الناس هو تنسيبها لعدد السكان وهو ما يخلق شعورا عاما بالقلق، في حين أن تنسيبها يجب أن يكون لمجمل القوى العاملة الذي يعرف أنه (مجمل العاملين والعاطلين عن العمل)، حتى أن مصلحة الإحصاءات العامة، وهي من يجب أن يكون المرجع في أي إحصائية تنسب للمملكة، هي أيضاً تتخبط في قياس ذلك، فهي تنسب العاطلين عن العمل من السعوديين لفئة السعوديين في القوى العاملة الكلية، وهذا خطأ فالواجب أن تنسب لمجمل القوى العاملة خصوصاً أن العاطلين السعوديين يمثلون 95% من مجمل العاطلين في سوق العمل، في حين تمثل العمالة الأجنبية في سوق العمل في إحصائيات عام 2009م تقريباً 53%، لذا وبناء على ذلك فإن نسبة البطالة الحقيقة في سوق العمل السعودي في عام 2009م هي 5% وليست 10% كما تدعي مصلحة الإحصاءات العامة، والمعروف أنه عندما تشكل البطالة 4% في المجتمعات المنتجة، التي تتميز بوجود برامج إعانة للبطالة، ووجود قنوات توظيف فعالة، وسلوك اجتماعي إيجابي تجاه العمل، يعتبر ذلك توظيفا كاملا في سوق العمل، حيث تمثل تلك النسبة هامشا يحافظ على ثبات مستوى الأجور وهو ما يحقق هدفاً اقتصاديا لتحسين ظروف المنافسة وكبت التضخم.

بيانات سوق العمل التي تقدمها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات غير كافية لتتحقق منها استفادة عملية في معالجة الخلل الذي يعانيه سوق العمل، فمثلاً لا تقدم المصلحة بيانات تفصيلية لنوعية البطالة، ولا لخصائص العاطلين عن العمل، فلو عرفنا نسبة المستجدين في البحث عن عمل بين العاطلين، ونسبة الذين فقدوا وظائف بالتسريح من العمل، ونسبة الذين تسربوا من العمل نتيجة عدم الرضى عن بيئة العمل، وأيضا لو كان هناك تفصيل مبني على الكفايات المعرفية والمهارية والسن، هذا النوع من إحصاءات العمل يعطي مدلولا لحالة راهنة، يمكننا من التركيز على معالجتها بتدخل مناسب، وهذا ينطبق على إحصاءات أخرى مطلوب توفيرها مثل عدد وخصائص القادمين الجدد للعمل، وعدد الوظائف الجديدة التي يكونها الاقتصاد السعودي، ونوعيتها وفي أي قطاع، ومدى قدرتها على اكتساب رغبة المواطنين السعوديين، وكما نحتاج إلى كثير من الإحصاءات حول القوى العاملة السعودية نحتاج إلى معلومات عن القوى العاملة المستقدمة وبتفاصيل مماثلة، وربما نحتاج إلى معلومات أكثر عن سمات وخصائص تلك القوى العاملة، فغايتنا الاستراتيجية هي الإحلال النوعي للسعوديين، وربما لن تكون هناك حاجة إلى خفض تلك القوى العاملة من حيث العدد بقدر ما هي الحاجة إلى خفض نسبتها في احتلال الوظائف الجديدة التي ينتجها الاقتصاد السعودي، لذا لا بد لمصلحة الإحصاءات العامة أن تتخلى عن تقليديتها وتستجيب لمتطلبات التخطيط الاستراتيجي بإنتاج إحصاءات ذات قيمة، فما على قيادة هذه المصلحة العريقة سوى مقارنة ما تقدمه من بيانات بما تقدمه مثيلاتها في مصر، الكويت، المغرب، وربما ماليزيا، تركيا، استراليا إذا كانت شهيتهم للتطوير أكثر مما نعتقد.

mindsbeat@mail.com
 

نبض الخاطر
البطالة قصور بالفهم وقصور بالإحصاء
محمد المهنا أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة