Saturday  02/04/2011/2011 Issue 14065

السبت 28 ربيع الثاني 1432  العدد  14065

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قد تكون المهرجانات السياحية التسويقية بوضعها الذي نراه في بعض مناطق بلادنا وما يقام بها من فعاليات ومناشط هي أحد نتائج جهود التنشيط السياحي ولكن لا نستطيع اختزال مفهوم وأهداف السياحة في مثل هذه المهرجانات بعيداً عن تركيزها على فعاليات سياحية

متنوعة وتتناسب مع ما يتوفر من مقومات سياحية في كل منطقة حسب تصنيفاتها المعروفة، إن ما نراه من سياحة في بعض مناطق بلادنا إن جاز التعبير لا تعدو مجرد فعاليات ترفيهية محدودة وذات طابع تجاري يقام أغلبها في المدن وليست في مواقع سياحية يبحث عنها السائح -هرباً من صخب المدن- مع إضافة بعض الألعاب الشعبية والمناشط الأخرى وبتكاليف عالية تصرف على حفل الافتتاح دون الاهتمام بتوفير وتهيئة ودعم الفعاليات والمواقع الجاذبة وبالتالي ضعف المردود السياحي. ولا ننكر أن للمهرجانات السياحية «بمفهومها الصحيح» والتي تقام في مواقع سياحية (مواقع أثرية وتاريخية وشعبية وجبلية وريفية.. إلخ) مع توفير الرحلات السياحية على شكل مجاميع منظمة لتلك المواقع ويتوفر لها الحد الأدنى من الخدمات دور فعال في جذب أعداد من السياح والزوار للتعريف بالمواقع والمعالم السياحية والتراثية والأنشطة السياحية مما يوفر تنوعاً سياحياً.

لا يجب أن نزج بالسياحة في زاوية ضيقة وهي في واقع الأمر صناعة تقوم عليها اقتصاديات شعوب بأكملها متى توفر لها الدعم والإمكانات والإدارة المبدعة وبمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة. إدارة السياحة تحتاج إلى عمل مؤسسي لتقديمها بشكلها الحقيقي من خلال تسخير وتوفير الإمكانيات من قبل الجهات الرسمية وهيئة السياحة وبإشراف ومتابعة لمجالس التنمية السياحية لتهيئة المواقع السياحية بكل الخدمات التي ينشدها السائح يوازي ذلك نشر ثقافة السياحة بمفهومها الشامل بين الناس لاستثمارها بشكل صحيح وبالتالي توفر خدمات سياحية تثير الإعجاب والحضور من جانب السائح والزائر عطفاً على ما يلمسه من تجهيزات وإمكانيات كبيرة تسخر لخدمة السياحة في تلك المواقع.

إن السائح في العديد من الدول يتجول ببهجة وارتياح ويرى أن كل موقع يزوره هو موقع سياحي مكتمل الخدمات، ولا أعلم لماذا تضيق رؤيتنا للسياحة ونجعلها في مهرجانات أشبه ما تكون بأسواق تجارية متنقلة وعلى هامشها تقام بعض المناشط الترفيهية المحدودة بهدف كسب زبائن لتلك المحلات التجارية دون أي مردود حقيقي على العملية السياحية أو حتى على مستوى المواطنين الذين يصرفون آلاف الملايين سنوياً على السياحة في الخارج وتجدهم في كل أصقاع الأرض، فهل من سبيل لأن يستفيد الوطن ولو بجزء من هذه المصروفات بأن يتم عمل صناعة احترافية للسياحة من قبل كافة شركاء السياحة عطفاً على ما تملكه مناطق بلادنا من مقومات سياحية متنوعة، وفي نفس الوقت نتخلص من بعض السلبيات الاقتصادية والاجتماعية والصحية. تطوير السياحة يحتاج إلى جهود كبيرة لتوفير البنية التحتية التي تحتاج إليها المواقع السياحية من سفلتة وكهرباء ومياه وخدمات أخرى يحتاجها السائح مما يتطلب تخصيص مبالغ كافية في ميزانية الهيئة العليا للسياحة وكذلك دعم بنود الجهات الخدمية الأخرى التي سوف تقوم على تنفيذ البنية التحتية للسياحة من كافة الجوانب، والدولة أدركت أهمية السياحة الداخلية ومن هذا المنطلق أنشئت الهيئة العليا للسياحة وأنشئت مجالس للتنمية السياحية وجعلت ارتباطها بأمراء المناطق وافتتحت فروع للهيئة في كافة مناطق المملكة.

الهيئة العليا للسياحة تحتاج إلى الرفع من مستوى تنسيقها وتكاملها مع الإدارات الخدمية الأخرى (الأمانات والبلديات - الطرق - المياه - الكهرباء - الغرف التجارية الصناعية.. إلخ) ولا شك أن هذه العملية التكاملية متطلب أساسي لتوفير البنية التحتية التي تحتاج السياحة بما في ذلك المخصصات المالية التي تحتاجها البنية التحتية للسياحة.

السياحة تشمل أيضاً وضع خيارات متعددة أمام السائح من الذهاب للمرتفعات الجبلية الباردة وزيارة الغابات الطبيعية والمتنزهات والمنتجعات والحدائق وعلى سبيل المثال زيارة مزارع البن والمانجو وإنتاج العسل والنباتات العطرية أو زيارة العيون الحارة والمواقع الأثرية والتاريخية أو الذهاب للوديان أو بعض الغابات والمطلات الجبلية في عسير وجازان والباحة والطائف وتفعيل سياحة الشواطئ والجزر والريف، ويتوجب تجهيز هذه المواقع بالبنية التحتية وتهيئتها وتنسيقها وتنظيمها للسواح والمستثمرين بحيث يكون هناك مردود اقتصادي من خلال عرض ما تشتهر به تلك المنطقة من إنتاج محلي، أو الاطلاع على بعض الأسواق الشعبية التي تعرض من خلالها المشغولات اليدوية والحرفية المحلية أو إيجاد حديقة في موقع جميل في منطقة جبلية مميزة وتجهيزها بالخدمات وجعل السائح يقضي وقتاً جميلاً أو زيارة بعض المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية أو زيارة بعض المزارع النموذجية لإنتاج الفاكهة أو غير ذلك وتشجيع أصحابها على اقتناء بعض الحيوانات أو الطيور النادرة لجذب السائح وهي أيضاً فرصة لأصحاب تلك المزارع لتسويق منتجات مزارعهم أو غير ذلك من المنتجات الأخرى، ولكن لن يتحقق ذلك إلا من خلال الصرف بسخاء لتجهيز المواقع السياحية وبما يجعل منها مصدر جذب للسواح والمستثمرين، فعلى سبيل المثال المنطقة الجنوبية تشتهر بإنتاج الفل والكاذي والبعيثران وغير ذلك من النباتات العطرية الجميلة وهو ما يشجع على إنشاء حديقة طبيعية لعرض هذه النباتات لتكون مقصداً دائماً ووجهة محفزة للسائحين إلى جانب ما تشتهر به المنطقة من إنتاج لثمرة المانجو والجوافة والبن وغير ذلك، ونجد أن كل منطقة تتميز عن الأخرى ببعض المقومات سواء في الإنتاج أو المواقع أو الأجواء وعلى مدار العام نجد أن مناطق بلادنا بإمكانها أن توفر سياحة جاذبة عطفاً على توفر المنتوجات والحرف المحلية والمواقع الأثرية والتاريخية ويمكن تخصيص الكثير من المواقع السياحية لعرض تلك المنتوجات، بما في ذلك إبراز ما تشتهر به كل منطقة من إنتاج موسمي ومشغولات شعبية وتخصيص مواقع للتعريف بها وجعلها مقصداً للسائحين من خلال مزارعها ووديانها ومرتفعاتها وإنني على يقين تام بأن كل منطقة من مناطق بلادنا يتوفر بها مواقع صالحة للاستثمار السياحي متى تم تهيئتها بالخدمات الضرورية، مع الحاجة إلى وجود بعض الاستثناءات للراغبين في الاستثمار السياحي.

نريد أن نخرج من المفهوم التقليدي السائد لدينا للتنشيط السياحي، فالسياحة لدينا معادلة وقتية طرفاها الترفيه المكرر المحدود والتسوق التجاري الربحي المحض، ولا شك أن ذلك لا يخدم السياحة ولا يمت لها بصلة. لا نريد أن يكون لدينا تناقض بين الترويج للسياحة وبين واقع الخدمات السياحية والضعف الكبير في البنية التحتية في المواقع السياحية فالحدود الدنيا من ذلك غير متوفرة، وينقصها الكثير من الخدمات والموجود منها بمستوى ضعيف ولا يعكس ما تتمتع به بلادنا من إمكانات وقس على ذلك مواقع عديدة في الكثير من مناطق بلادنا. لدينا مواقع سياحية جيدة ولكنها غير مهيأة سياحياً وتفتقر لمتطلبات الجذب السياحي ومشاريع البنية التحتية بما في ذلك توفر الطرق الآمنة ومحطات وقود واستراحات على أعلى المواصفات بالإضافة إلى توفر السكن بكافة فئاته والمطاعم وغير ذلك.

والمهرجانات السياحية ذات فائدة محدودة وتخدم مصالح منظميها وأطراف وجوانب غير سياحية، السياحة بمفهومها الصحيح تهتم بإبراز المواقع السياحية والمعالم التاريخية والأثرية والبيئية (جبل وبحر وسهل) وإبراز الحرف اليدوية والمشغولات الشعبية الجبلية والريفية مع توفير باقة متنوعة وجذابة من النشاطات الترفيهية للكبار والصغار وكل ما يحتاجه السائح وبالتالي يصبح لدى السائح خيارات متعددة وفي مواقع مختلفة.

السياحة تحتاج إلى خطط مدروسة وميزانيات كبيرة وآليات عمل فعالة تدار باحترافية ومهنية عالية حتى يتحقق المفهوم الصحيح للسياحة وليس بمفهوم وأهداف المهرجانات الشبيهة بالإعلانات التجارية الوقتية البعيدة كل البعد عن التعريف بالمواقع السياحية والأثرية، فالسائح يبحث عن المواقع الطبيعية الجميلة ذات المناخ المعتدل والأودية والمنتجعات والمنتزهات والشواطئ والمعالم الأثرية والتراثية المكتملة الخدمات يقابلها توفر في السكن والمطاعم وبخيارات متعددة، السياحة ليست مهرجانات تقام كل عام وبنفس النمط والأسلوب ولكنها عمل احترافي ومهني عالي المتطلبات وجهد متواصل مع الشركاء لتطوير وتوفير البنية التحتية لمواقع سياحية ومنتخبة بعناية مما يتطلب توجيه كافة الإمكانيات والجهود لهذا الغرض بدلاً من صرفها في مهرجانات دون فائدة، السياحة تحتاج إلى برامج مدروسة وبرؤية سياحية تركز على المناطق والمواقع الأكثر ملاءمة للتنمية السياحية وتخصيص مبالغ كبيرة لتجهيزها بالخدمات الضرورية والجميع يدرك أن هذه المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة في ظل توفر الدعم والإمكانيات من حكومتنا الرشيدة وخصوصاً خلال هذه الفترة المزدهرة بالعطاء والصرف بسخاء على مشاريع تنموية شاملة بما في ذلك خدمات البنية التحتية التي تعد مطلباً رئيساً للسياحة والتركيز على توافر البنية التحتية للمواقع السياحية المحفزة حسب أولوياتها وترتيبها من حيث الأهمية للسائح وقابليتها للتطوير السياحي وحتى يصبح لدينا منتج سياحي يستقطب السواح من خلال جودة وتنوع الخدمات السياحية المقدمة على أرض الواقع.

تطوير السياحة يحتاج إلى حزمة من التشريعات والقوانين والإجراءات التي تعمل على تنظيم وتطوير قطاع السياحة وبكافة مقوماتها ومتطلباتها الأساسية من جودة البنية التحتية من طرق ومياه ومرافق للخدمات ونظافة وصيانة وتوفر سكن بأسعار مناسبة ومتدرجة ومواصلات ومطاعم ومراكز ترفيه وحدائق عامة ومتخصصة في جوانب بيئية وطبيعية وتراثية مع أهمية نشر ثقافة سياحية لدى القائمين على قطاع السياحة وكذلك لدى الأجهزة الخدمية الأخرى التي تتعامل مع السائح بما في ذلك المواطن. الهيئة العليا للسياحة ممثلة في مركز المعلومات والاتصال السياحي تقدم معلومات عن المواقع السياحية ولكن بمجرد ذهاب السائح لتلك المواقع لا يجد الحد الأدنى للخدمات التي يحتاج لها وهذا ما يؤكد الحاجة لأعمال مكثفة وجهود كبيرة وفق متطلبات السياحة تسبق الترويج للسياحة ومنح التراخيص لمنظمي الرحلات السياحية والمرشدين والتأشيرة السياحية وغير ذلك من الإجراءات التي سعت الهيئة إلى استكمالها - وهي أمور طيبة - إلا أن المطلوب إعداد وتجهيز وتهيئة المواقع السياحية بالخدمات والبنية التحتية الخدمية المطلوبة للعملية السياحية التي ينشدها السائح والزائر وبذلك يصبح لدينا سياحة داخلية ذات مردود اقتصادي حقيقي بدلاً من إعطاء أرقام وتوقعات غير دقيقة ولا تعبر عن واقع الحال للسياحة ومعوقاتها ومتطلباتها وبحجم ومردود السياحة في بلادنا.

Riyadms2@yahoo.com
 

متطلبات التنمية السياحية
د. حامد بن مالح الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة