Saturday  02/04/2011/2011 Issue 14065

السبت 28 ربيع الثاني 1432  العدد  14065

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

القروض الاستهلاكية آفة من آفات العصر الحديث، بل هي السرطان الذي ينخر جسد المجتمع في هدوء تام، وبفاعلية يصعب تصورها؛ وقد كان الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، يتعوذ من «غلبة الدَين»؛ وجاء في صحيح البخاري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم). فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم؟ قال: (إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)؛ والدَين همٌ في الليل، وذِل في النهار».

للأسف الشديد، أصبحت القروض من الأمور المألوفة للمواطنين، وساعدت طبيعة الحياة العصرية على انتشارها بالرغم من انعكاساتها السلبية. يبدأ القرض الاستهلاكي بحلم وردي جميل، ثم يتحول، مع مرور الوقت، إلى كابوس مؤلم، وجرعات من السم الزعاف يتجرعها المقترضون مع نهاية كل شهر، ولسنوات طوال. البطاقات الائتمانية أصبحت؛ لحامليها؛ بمثابة القروض الدائمة؛ وتحولت من كونها وسيلة لتنظيم المدفوعات الشهرية؛ إلى قرض دائم بفائدة تزيد على 22 في المائة. يعجز كثير من مستخدميها عن سداد جزء من مديونيتهم، ما يضطرهم إلى دفع الفوائد الشهرية مع بقاء أصل الدين دون تغيير!.

نمو القروض الاستهلاكية، وزيادة حجم مديونية البطاقات الائتمانية إشارة سلبية تؤدي في الغالب إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية، الاقتصادية، والأمنية. من أخطر ما يتعرض له المجتمع، ابتلاء أفراده بالقروض؛ ومن المصائب الإنسانية المؤلمة أن يقضي الفرد ما تبقى من عمره مقيداً بأغلال البنوك، وسلاسل الديون. وعلى علاقة بالنواحي الأمنية، فإغراق أفراد القطاعات العسكرية بالقروض البنكية يعد من مؤشرات الخطر التي تستدعي تدخل الجهات الرسمية لمعالجتها بما يحقق المصلحة الوطنية.

تحول أفراد المجتمع من مرحلة القناعة برزقهم المحدود، إلى مرحلة النهم، وعدم الرضى، وطلب المزيد، قذف بهم إلى حبائل البنوك التي أوقعتهم في فخ القروض، والأقساط الثابتة التي قضت على جُل دخلهم، وساعدت في تشتيت أسرهم، وأودعت بعضهم السجون.

تشكل الأقساط الثابتة معضلة حقيقية أمام الأسر والأفراد الذين أصبحوا غير قادرين على مواجهة أمورهم المعيشية بما تبقى لهم من دخل محدود، ولو أضفنا إلى ذلك مستويات التضخم المرتفعة في السلع الأساسية، والاستهلاكية، لقضي على ما تبقى لهم من دخل محدود!

تقشف الأسر، وعجزها عن توفير حاجاتها الأساسية قد يقودها إلى التفكك، ضياع الأبناء، وقد يدفع بالبعض إلى عالم الجريمة. هناك خلل كبير في المجتمع حدث بسبب رغبات المواطنين الاستهلاكية غير الضرورية، مع توفر القنوات التمويلية غير المنضبطة، الأمر الذي أدى إلى تعاظم شريحة المقترضين. وما لم تكن هناك خطوات جريئة وصارمة من قبل الجهات الرسمية للحد من القروض الاستهلاكية فإن المجتمع سيكون عرضة لهزات عنيفة ينتج عنها مشكلات اجتماعية وأمنيه لا حصر لها.

تفعيل دور المجتمع في الجانب التكافلي، وفتح قنوات تمويلية ميسرة تقوم في فلسفتها على القرض الحسن، وإنشاء بنك الفقراء الذي يقوم على أسس التكافل الإسلامية، والحد من مظاهر الترف، وإسراف أهل النعم، والعودة إلى الله في أسلوب الإنفاق؛ امتثالاً لقوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)؛ وقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سيساعد كثيراً في حماية المجتمع من وقوع أفراده في مستنقع القروض البنكية.

لا أظن أن هناك ما يمنع من مراجعة الحكومة قروض مُعسري البنوك، والنظر في شطبها أو تيسير سدادها على مدد زمنية طويلة مجردة من الفوائد المضافة. قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).. إصلاح الفرد هو إصلاح للمجتمع، وإعادة تأهيل الأسر مالياً هو جزء لا يتجزأ من بناء الاقتصاد الكلي الذي يفترض أن يكون، هدفه الرئيس، التنمية، وإسعاد المواطنين والقضاء على مشكلاتهم المالية والاجتماعية.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM

 

مجداف
مستنقع القروض
فضل بن سعد البوعينين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة