Thursday  07/04/2011/2011 Issue 14070

الخميس 03 جمادى الأول 1432  العدد  14070

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لو أخذنا بكلام بعض الغلاة الذين يكثرون من زيارة المقابر بأنهم سمعوا الفنان أو الفنانة الفلانية، وهو أو وهي يصيح أو تصيح في القبر من شدة العذاب، أقول لو أخذنا بهذا الكلام (التخيلي)، وأخذنا أيضاً بمشاهدة أشباح الموتى التي تتراءى لبعض المرجفين أو المرتجفين بمعنى أصح، مع أننا لن ولم نأخذ بذلك على الإطلاق (!!)، ولكن ولو ضرباً من شطح الخيال الذي لا بد منه للشاعر على وجه الخصوص أو الروائي بشكل أكثر.. أقول لو مارسنا ذلك الخيال وقمنا - مثلاً - بزيارة قبر صديقنا الكاتب الليبي الساخر الراحل - رحمه الله - لمجرّد الصلاة على روحه والدعوة له بالثبات. أقول لو أقدمنا على ذلك في هذه الأيام خصيصاً وبلاده تشتعل بحرب أهلية محزنة، لرأينا الصادق النيهوم يخرج لسانه السليط من طرف القبر ويسخر مما يحدث، ولربما يرفع أصبعه الوسطى من طرف آخر ثم يقهقه طويلاً مع سعلته الشهيرة، ثم يستمر في موته الأزلي، بينما تتردّد من جنبات القبر الأغنية الليبية الوطنية التي طالما سخر منها والتي تقول (نارك ولاعه يا بلادي)، لأنّ نار بلاده اليوم قد أصبحت ولاعة بالفعل من قِبل المعارضين والمؤيدين والقوات الدولية أيضاً. أما سبب تذكُّري الصديق الراحل إيّاه، والذي تعرّفت عليه في بيروت في أواسط السبعينيات الميلادية وكان هارباً (قرفاً) من ممارسات العقيد القذافي وتدخله الشخصي حتى في الشأن الشخصي للمرء الليبي، بدءاً من لباسه وممارساته الحياتية، فما بالك بالفكرية أيضاً. أما سبب خروج المفكر الساخر الصادق النيهوم من بلاده فهو أنّ العقيد دخل يوماً إلى الجامعة الليبية التي كان الصادق يحاضر فيها، وكان يرتدي بنطالاً من الجينز على (كشّه) من الشَّعر الكثيف التي تشبه هذه الأيام كشّة القذافي ما غيره، وهناك نهّره القذافي وقال له أمام تلاميذه: (علاش لابس جينزو. إخلعو)، وهنا التفت إليه الصادق النيهوم وقال بلهجته الساخرة: عفواً يا أخ معمر لأنني إذا خلعت البنطال فسأخلع (...) أشياء أخرى بما فيها أفكاري(!!)، فضجّ التلاميذ بالضحك، ولكن القذافي تدارك الموقف وربت على كتف النيهوم وقال: (لا باس مفكرنا لا باس)، ثم غادر القذافي الجامعة من الباب الرسمي وغادر النيهوم من الباب الخلفي، وطار إلى بيروت ليكتب في مجلة الأسبوع العربي.. ثم واصل طيرانه فيما بعد إلى هلسنكي حيث أقام طويلاً فيها، إلى أن عاد إلى بلاده التي (نارها ولاعه) دوماً ولكن هذه المرة جثة هامدة، وكان ذلك في عام 1994م ولم تكن جثته هذه المرة ترتدي الجينز، بل السروال الليبي الأبيض والجُبّة القصيرة والتي وجد فيها غاسل الموتى ورقة صغيرة فيها عبارة واحدة لم يفهمها الجيل الحالي: (نارك ولاعه يا بلادي) لأنّ بلاده قد (ولّعت) بالفعل فمن يطفئ حريقها الفظيع!!

 

هذرلوجيا
وفاءً للصادق النيهوم
سليمان الفليح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة