Thursday  07/04/2011/2011 Issue 14070

الخميس 03 جمادى الأول 1432  العدد  14070

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

نوَّارة...

مساءاتي العشرة الماضية..أنارت بحروفكِ..

أجل فقد كنتُ بين أضابير سنوات خلت، أرتب شعث العمر الذي سافر في طياتٍ مضت كما الضباب العابر في الفضاء، يتفتَّت، أو يتلاشى، أو يغيب باختفاء, دون أن ندرك أين استقر.., ولا نذهب مع أبعد من ذلك.. لأننا بشر نميل كثيرا إلى دعة الصورة التي تلمُّنا في إطارها.., ولا نعتني كثيرا لأن نصنف هذا الإطار، أو نتمادى تماهيا مع مضامينه، حتى إذا ما اعترتنا لحظة ترتيب,... نستعيد أشياء.. إن استقرت في الجوف, تأتينا واضحةً ما دامت يقظة فينا، ..باهتة إن تلاشت منها أجزاء.., أو لا تأتي إن طواها صفح الذاكرة...

لكنك دوما يقظة يا أمي.. لم تغيبي البتة.., ولا طرفة ثانية..

أنت الضمير المتحرك فيَّ، وأنتِ صولجان الفرحِ، ومؤشِّر التوقف، ودافع الضابطِ، .. ومراتع كل جميل يمكنه أن يمرر الحياة كما هي :

حقل زهور, وعبق أشذاء..

أنت يا نوارة أمٌّ لستِ كالأمهات.., صديقة لا كالصديقات، صفيّةٌ لا كالمتفرِّدات..

بقاء سرمدي مادام نبضي.., تنهل الروح منكِ، لا كما مفرق الشمس في صبحها،

أو وضاءة القمر في محاره، ...

لم تكني لحظةً واحدةً غير حضور النور، وتأويل الخير، ومنتهى الجمال، ..

لله كيف هي قدرته تعالى فيكِ..,

حين خلقكِ، فجعلكِ مختلفة تماما يا سيدة الروحِ يا أمي...

مكتنزة بروح شفيفة، وخلق متسامٍ.., وجمال بديع..؟

عشرة ليال مضت، أقلب فيها أوراق وردٍ, كنتِ ترسيلنها لي في الغربة، ومعها أشيائي الأليفة التي كنتِ تعلمين أنني أحبها ...: بعض حلوى، وبهارات طبيخ، وقمر الدين، ..

ولم يفت عليكِ أن أرفقتِِ بواحدة منها تفسيرا للقرآن، وسطرا تقولين في ركنه الأيسر بصفحة العنوان:» بنتي لا تنسي قراءة صفحة من التفسير قبل نومكِ «..

وكثيرا ما كانت ترن في أذني كلماتكِ.., وأنا في مقتبلِ فوحة الكلام على مخارج قلمي..،

«القرآن يا صغيرتي، هو الذي يمنحكِ قدرة التعبير، وسلامة الكلمة، وروح المعنى، وقمة نور ستشع يوما»..

ولم أكن أدرك معنى ما كنتِ تقولين.., إلى بعد ردحٍ من الإيغال في نهر المحابر, والكلام...

حطَّت على هامةِ الروحِ معانيكِ..

لم أستطع أن أحصي عدد كلمات رسائلكِ التي بقيت في تلافيف هذا الزمن..,

الآن، خمسة عشر عاما منذ ودعتني يا نوَّارة،.. وانطوى بحر الياسمين الذي حولي.., حملته سحابات الغياب..، وطوت وجهكِ النُّوراني عن عينيَّ..,

حتى وجدتهما قد كلتّا عن النظر, من فرط مناداتكِ، على امتداد مائهما..

نوارة..,

نهضت حيةً بصوتكِ الموغل في أنسجتي.., تقولين في سطور منها: «بنتي, الرياض اليوم في العيد, مزينة لأول مرة, شوارعنا القريبة كلها, لأن العيد هذا العام، بدأت فيه برامج ترفيه في الحدائق للصغار، تخيلتُ وأنتِ صغيرة, وأنا آخذك للمراجيح بجوار الجبل المخروق في الملز، كانت فرحتكِ بنتي هي زينة الشارع في عيني، وكانت عيدي»..

يا أعيادي المرفرفة أجنحتها في داخلي يا نوّارة..

وأستعيد ذلك الشارع الطويل، حين كانت تنتصب بجوار هذا الجبل عمائر بيضاء، ضمت كثيرات من صديقاتك يا نوَّارة، كلما هممتِ بزيارة مكةَ, عدتِ إليهن بهدايا زمزم وحلواها، وقبل الذهاب، كان لابد لنا من الركض, واللعب بجوار هذا الجبل، غاية المساحة للعبنا صغارا..

إيه يا نوَّارة..,

تبدل المكان, والناس رحلت.., من قبل أن ترحلي وزيد..

وانطوت صفحات صويحباتك، بالكاد أسمع عن إحداهن, فألهث لرائحتك هناك, حيث أتلمسُ أنكش تركتِ بصمة سلام، أو كلمة وداد، ..

لو ترين ما أرى، والرياض يا نوَّارة الآن مدن شاسعة, وطرق متطاولة، ممتدة متداخلة، والناس أجناس, وألوان, لا نكاد نحصيها.., والغايات لا تحققها الساعات..,

لعلمتِ أنَّ لمّتك تلك غدت شتاتا.....،

ومدى المدينة يا حبيبتي عامر مكتظ..,

وأنتِ هنا في القلب نبض لا يزال....

ورسائلك بين يديَّ عمر ينبسط بأجمل تآويله, ومضامينه, ورؤاه...

بين الرياض وأمريكا، وما بينهما رحلة وضعت رحالها وأناخت، بقي منها أنتِ...

رحمكِ الله في فردوسه الأعلى..

 

لما هو آت
لكِ وحدكِ
د. خيرية إبراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة